FINANCIAL TIMES

الشركات الخاسر الأكبر في عراك أمريكا والصين

الشركات الخاسر الأكبر في عراك أمريكا والصين

تقول مزحة قديمة تتردد بين رجال الأعمال الدوليين في الصين إن صفقة يكسب فيها الطرفان تعني أن تكسب الصين مرتين. لم يكن هذا صحيحا تماما بالطبع. إذا كان الأمر كذلك، فإن كثيرا من سلاسل التوريد للشركات والمشاريع الاستثمارية لن تمر عبر البلاد. لكن العلاقات المتداعية بين الصين والولايات المتحدة تركت الشركات العالمية تواجه افتراضا يجعلها تخسر مرتين.
في الأشهر القليلة الماضية تبادل الجانبان نظريات اللوم والتآمر حول كوفيد - 19. أجاز مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون قد يجبر بعض الشركات الصينية على إلغاء عمليات إدراج الولايات المتحدة. وشددت وزارة التجارة القواعد ضد شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي"، ما دفع الصين إلى التفكير في الانتقام. في الوقت نفسه هددت تشريعات أمنية تم فرضها على هونج كونج وضع المدينة باعتبارها حلقة تجارية رئيسية بين الصين والعالم.
إنها ليست مشكلة للشركات الأمريكية والصينية وحدها. القيود الجديدة على شركة هواوي، مثلا، تشكل تهديدا لجميع شركات تصنيع الرقائق العالمية التي تزود الشركة الصينية كونها جميعا تعتمد على أدوات أمريكية لصناعة الرقائق. كذلك يمتد التهديد إلى شركتي مارسيدس وبي إم دبليو اللتين تصدران سيارات من الولايات المتحدة إلى الصين. القائمة تطول، والشركات خائفة.
يقول يورج واتكي، رئيس غرفة التجارة التابعة للاتحاد الأوروبي في الصين: "مع أننا لسنا قريبين من المستوى نفسه من العداء حتى الآن، إلا أننا رأينا كيف تعاقب الولايات المتحدة الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران وروسيا".
هذه ليست مجرد فترة عصيبة، أو عداء عابر ناتج عن الوباء. حتى قبل هذا الربيع المرعب كانت السياسة ومواقف الشركات في حالة تغير مستمر. أظهرت دراسة استقصائية أُجريت الصيف الماضي بين أعضاء غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي، أن 21 في المائة منهم متشائمون بشأن التوقعات الخاصة بالأعمال التجارية في الصين خلال الأعوام الخمسة المقبلة. ومنذ 2000 لم يرتفع هذا الرقم إلى أعلى من 9 في المائة.
السوق الصينية بشركاتها ذات الاستثمار الكثيف جدا، تعد بالغة الضخامة بحيث لا يمكنها التفكير في عملية إنقاذ. لكن الاتجاه نحو استراتيجيات الشركات ذات المسارين يتسارع. عندما يصبح عبور الحدود أكثر تعقيدا، تتخذ الشركات نهج "ما للصين، في الصين" وتتوجه نحو السوق المحلية، بينما تعمل على تعميق وتنويع سلاسل التوريد السابقة لبقية العالم.
الصين تفاقم الانقسام، بالأفعال إن لم يكن بالكلمات. أفاد رجال أعمال أن بكين لا تزال حريصة على إرضاء الشركات الأمريكية التي تستثمر في الصين. يقول واتكي: "بينما يتم فرش السجادة الحمراء للمستثمرين، المصدرون من الولايات المتحدة يتلقون صفعة، لأن بالإمكان استبدال آخرين بهم". هذا الانقسام سيتسارع في الوقت الذي يظهر فيه كوفيد - 19 بجلاء اعتماد سلاسل التوريد على الصين. لقد تم شراء المرونة على حساب الكفاءة.
في قطاع الأجهزة تواجه الشركات معضلات صعبة، فهي تعتمد على السوق الصينية الشاسعة وقاعدة التصنيع التي لا مثيل لها في تكنولوجيا الهاتف المحمول. شركة كوالكوم لصناعة الرقائق الأمريكية تزود "هواوي" برقائق لهواتفها. ومن غير الواضح ما إذا كانت ستتمكن من مواصلة ذلك مع أحدث طرازات تكنولوجيا الجيل الخامس، نظرا إلى القيود الجديدة. إذا فعلت، ستتشارك التكنولوجيا الأمريكية المتطورة مع شركة متهمة بسرقة الملكية الفكرية الأمريكية ولها علاقات وثيقة مع الجيش الصيني. وإذا لم تفعل ستكون قد تخلت عن حصتها في السوق للمنافسين الأجانب وستفقد مليارات العائدات (شحنت هواوي في العام الماضي 240 مليون هاتف ذكي، أكثر من أبل). سيؤدي هذا حتما إلى تقليل ميزانية البحث. وتتلاشى الصدارة الأمريكية في مجال التكنولوجيا.
الصين قد تستجيب. أعادت السلطات إحياء فكرة "قائمة الكيانات غير الموثوق بها" لشركات مثل كوالكوم، وسيسكو، وأبل، وبوينج – المقابل الصيني لـ"قائمة الكيانات" التابعة لوزارة التجارة الأمريكية التي تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي. يقول الرئيس التنفيذي لشركة أمريكية متعددة الجنسيات ذات تاريخ طويل في الصين: "سيتأذى كلا الطرفين. لا توجد طريقة لتجنب ذلك". بخلاف إبقاء رؤوسهم منخفضة، وعرض قضيتهم عل المسؤولين، والتنويع، لا يوجد أمام القائمين على الشركات شيء آخر سوى الأمل. لكن يجب ألا يعلقوا آمالهم على خسارة دونالد ترمب لانتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). الرئيس الأمريكي ليس سبب العلاقات السيئة، حتى لو أظهر خطابه وجها قبيحا.
لم تظهر الصين من خلال أفعالها أبدا أي نية للمشاركة في الأنموذج الدولي للاقتصادات المفتوحة والشركات المستقلة والقواعد العالمية واحترام الملكية الفكرية. لن يبدأ التفكير في الفوز الآن، ولن يسمح الجيش الأمريكي بتزويدهم بأفضل تكنولوجيا الاتصالات بالاعتماد على منافس جيوسياسي. يقول بيتر ليشتنباوم، المحامي الذي يساعد الشركات على تجاوز القيود التجارية الأمريكية: "أشباه الموصلات هي أهم صناعة للأمن القومي في القرن الحادي والعشرين، ولا تريد وزارة الدفاع أن تنتقل إلى الخارج، مع ذلك جزء كبير منها انتقل بالفعل".
عداء الولايات المتحدة للصين له جذور في الاختلالات الاقتصادية العميقة. يجادل مايكل بيتيس الاقتصادي من جامعة بكين، أن القضية ليست اختلالا تجاريا يمكن حله بالتعريفات الجمركية، بل حقيقة أن الصين والدول الأخرى تقحم مدخراتها الفائضة في سوق رأس المال الأمريكية المفتوحة، ما يؤدي إلى انخفاض الدولار ويفاقم الدين الأمريكي وعدم المساواة. ومع أن الحوار في عالم ما بعد ترمب يمكن أن يكون "أقل غباء"، كما يقول، إلا أن "هذه المشكلات لن تزول". لا يمكن للشركات العالمية مغادرة الصين. لكن يجب أن تستعد لعالم ذي مسارين. العلاقات الاقتصادية الصينية - الأمريكية سيئة وستستمر على هذا النحو.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES