FINANCIAL TIMES

عواقب غير حميدة لاستخدام السلع أدوات مالية

عواقب غير حميدة لاستخدام السلع أدوات مالية

هناك اختلافات كثيرة بين كوفيد - 19 والأزمة المالية في 2008. لكن كلاهما يوضح الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها المضاربة في الأسواق إلى تفاقم تقلبات الأسعار الخطيرة، خاصة في الأوقات المضطربة.
من الأمثلة الأخيرة على ذلك انخفاض أسعار النفط الخام في الولايات المتحدة الشهر الماضي، الذي نتج جزئيا عن عمليات بيع كبيرة لعقود خام غرب تكساس الوسيط الآجلة من قبل أكبر صندوق نفط في الولايات المتحدة، USO.
كانت هناك أسباب عديدة لانهيار أسعار النفط، من بينها الانخفاض الهائل في الطلب بسبب عمليات إغلاق فيروس كورونا. لكن كان هناك سبب آخر هو مستوى المضاربة في أسواق النفط.
أصبحت مجموعة سي إم إي، وهي بورصة مشتقات، قلقة بشأن حقيقة أن USO، وهو صندوق متداول في البورصة يتعامل في العقود الآجلة للنفط، جمع ربع عقود نفط خام غرب تكساس الوسيط الآجلة المقرر تسليمها في حزيران (يونيو). شعرت "سي إم إي" أن هذه صفقة كبيرة بشكل خطير وأمرت USO بالتراجع. في هذه المرحلة أعقب ذلك تداولات محمومة وانخفضت أسعار العقود الآجلة لشهر حزيران (يونيو).
هذا يذكرني كثيرا بالطريقة التي ارتفعت بها أسعار النفط إلى ما يقارب 150 دولارا للبرميل عام 2008، حتى في الوقت الذي كان فيه الركود الكبير يترسخ.
بعد ذلك، كما هو الحال الآن، كانت هناك بعض العوامل المؤثرة في العرض والطلب الحقيقي. لكن زيادة استخدام السلع الأساسية باعتبارها أداة مالية لعبت دورا أيضا. أكد ذلك مايكل ماسترز، مدير محفظة صناديق التحوط، المؤسس المشارك لمؤسسة بيتر ماركتس غير الربحية المناصرة للإصلاح المالي، في شهادة لافتة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن هذا الموضوع في أيار (مايو) 2008.
قال: "ما نشهده هو صدمة طلب آتية من فئة جديدة من المشاركين في أسواق السلع الآجلة (...) وصناديق المعاشات التقاعدية للشركات والحكومات، وصناديق الثروة السيادية، والأوقاف الجامعية، والمستثمرين المؤسسيين الآخرين"، مشيرا إلى أن هؤلاء المستثمرين يمتلكون الآن أكبر حصة من عقود السلع الآجلة المعلقة.
تمويل financialisation السلع الأساسية الذي تظهر الأبحاث الأكاديمية أنه شوه الأسواق، لا يأتي فقط من المؤسسات. صعود الصناديق المتداولة في البورصة، مثل USO، يعني أن كثيرا من المستثمرين في قطاع التجزئة يستثمرون في مشتقات النفط أيضا، وهو اتجاه ربطه معهد أكسفورد لدراسات الطاقة بالانهيار الأخير لأسعار خام غرب تكساس الوسيط.
بحسب إيليا بوشويف، من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، حتى مع تدمير الطلب المرتبط بفيروس كورونا وتشبع سعة التخزين العالمية "من المستبعد جدا أن يتوقع أي منا تداول خام غرب تكساس الوسيط على الإطلاق بسعر سالب 40 دولارا، ولا الدور الحاسم الذي لعبته منتجات المشتقات الموجهة نحو البيع بالتجزئة في مثل هذا الحدث التاريخي".
من الصعب أن نفهم لماذا كان أي شخص يريد أن يكون في USO، نظرا لعائده السلبي الذي بلغ 94 في المائة منذ بدايته عام 2006 حتى منتصف نيسان (أبريل). لكن بحسب ما تلاحظ دراسة معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، الصناديق المتداولة في البورصة جذبت تدفقات كبيرة من المستثمرين الأفراد في الأشهر الأخيرة رغم هذه الخسائر الهائلة.
وفقا لموقع Robintrack.net الذي يتتبع عدد المستخدمين الذين يمتلكون أصولا على منصة "روبن هود" للتداول عبر الإنترنت، كان هناك عدد قياسي من حسابات المستخدمين الذين يمتلكون صندوق USO بلغ 220905 في نهاية نيسان (أبريل)، وهو يزيد نحو 30 مرة عما كان عليه قبل ذلك بشهرين.
كل هذا جزء من اتجاه طويل الأجل نحو مستثمري التجزئة الذين يستخدمون وسائل منخفضة التكلفة مثل الصناديق المتداولة في البورصة للمشاركة في اتجاه استثماري محدد لم يكن متاحا حتى الآن سوى للمحترفين مثلا، استخدام النفط فئة أصول مالية للتحوط من التضخم والأحداث الجيوسياسية.
في بعض النواحي تعد الصناديق المتداولة في البورصة أحدث تكرار لاتجاه بدأ بصناديق المؤشرات، وامتد إلى شركات الوساطة منخفضة التكلفة، ومنصات التداول الإلكترونية، وحتى تقديم المشورة آليا في مجال التكنولوجيا المالية.
هذا في حد ذاته ليس بالأمر السيئ. في الواقع يمكنك أن تجادل أن من العدل أن يتمكن الرجل الصغير من الحصول على الجانب الإيجابي نفسه مثل محترفي السوق. لكن بالطبع، هذا يعني أنهم يحصلون على الجانب السلبي أيضا. منصات التكنولوجيا الجديدة مثل روبن هود التي أضافت ثلاثة ملايين مستخدم عام 2020، نصفهم من المستثمرين لأول مرة تسمح للمبتدئين بعمل مثل هذه الرهانات في غمضة عين.
قال ماسترز: "أراهن على أن 90 في المائة من المستثمرين في USO لا يعرفون مصطلح كونتانجو"، إشارة إلى الفرق بين الأسعار الفورية والآجلة التي يجب على المتداولين محاولة التعامل معها.
الآن بعد أن انهارت صناديق النفط المتداولة في البورصة ورفضت شركة RBC للوساطة التابعة لـ USO تقديم مزيد من الطلبات، بدأ بعضهم معرفة ذلك بلا شك. هذا أمر حكيم، خاصة بالنظر إلى أن القانون الجديد الذي فرضته لجنة تداول السلع الآجلة يمكن أن يلغي قيود قانون دود - فرانك الخاصة بالحد الأقصى للعقود التي تم وضعها بعد ارتفاع أسعار النفط في أعقاب الأزمة المالية عام 2008.
قد يؤدي ذلك إلى توفير مزيد من السيولة في السوق في وقت قد تكون هناك حاجة إليها. لكنها يمكن أن تجلب وقودا في الجولة التالية من تقلبات السوق.
يمكن أن يأتي ذلك من مزيد من الانخفاضات المفاجئة في الأسعار، إذا لم تكن إعادة فتح الاقتصاد الأمريكي جيدة. أو قد يعني ارتفاعا مفاجئا للتضخم إذا تزامن الطلب القوي مع تسهيل نقدي قياسي وعمليات شراء أصول من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
أصدرت لجنة تداول السلع الآجلة نفسها تحذيرا بشأن مخاطر المنتجات الاستثمارية المرتبطة بالعقود الآجلة للسلع. قال دان بيركوفيتز، أحد مفوضي لجنة تداول السلع الآجلة الذين صوتوا بذكاء ضد تخفيف قيود الحد الأقصى لامتلاك العقود: "عندما تتقلب سوق النفط، سواء كانت تتجه نحو الارتفاع مثلما حدث عام 2008 أو نحو الانخفاض كما هو الحال الآن، فإننا نشهد زيادة في الاهتمام بهذه الصناديق، ما يؤدي إلى تفاقم الاتجاهات التي نحن فيها ويؤثر حتى في الأسواق المادية".
في السابق، كما هو الحال الآن، معاملة الوقود باعتباره أداة في "وول ستريت" يكون لها عواقب في العالم الحقيقي أيضا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES