Author

إنقاذ باكستان مسؤولية صينية أم أمريكية؟

|
بصفة عامة، هناك منحى في باكستان لدى حكومتها وشعبها ومؤسستها العسكرية للإكثار من المديح للصين بمناسبة وغير مناسبة. فهي في نظرهم الدولة الصديقة التي وقفت وتقف إلى جانبهم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، خصوصا أن نزاعها المزمن مع جارتها الهندية اللدودة جعل من مبدأ "عدو عدوي صديقي"، ركنا من أركان السياسة الخارجية الباكستانية منذ أعوام بعيدة.
في المقابل، هناك منحى عدائي - على الأقل في الأوساط الشعبية، ولا سيما تلك المتأثرة بالأفكار الدينية المتشددة - ضد الولايات المتحدة، رغم أن واشنطن كانت على الدوام، ولا سيما خلال أعوام الحرب الباردة، المصدر الأول والأهم للمساعدات العسكرية والتنموية. لقد فرح الباكستانيون وهللوا كثيرا لمبادرة بكين الخاصة بطريق الحرير والمعبر الاقتصادي الصيني - الباكستاني، وما سيجنونه على هامشها من مكاسب اقتصادية ومشاريع تنموية وطفرة في حركة التجارة وإعادة التصدير، ضاربين عرض الحائط بالتحذيرات الكثيرة التي نشرت تحت عنوان "سياسة فخ الديون" الصينية، واكتوت منها - بالفعل - دول مثل سريلانكا وبعض الأقطار الإفريقية الفقيرة.
اليوم يأتي تفشي وباء كورونا المستجد ليضع باكستان أمام امتحان صعب. فما كانت تمني به النفس من ازدهار ورخاء من وراء مبادرة طريق الحرير، لم يعد مؤكدا في ظل انخفاض معدلات النمو في الصين وتدهور تجارتها الخارجية وما تواجهه بكين من ضغوط وحملات ومساءلات من قبل دول العالم الكبرى من جراء تسببها في أعظم كارثة إنسانية واقتصادية للعالم والبشرية في العصر الراهن. وفي الوقت نفسه، تقف باكستان المعروفة أصلا بضعف إمكاناتها المادية واللوجستية، لجهة مواجهة الكوارث، طبيعية كانت أو وبائية، متخوفة مما تخبئه الأيام لها من متاعب وقصور في نظامها الصحي، خصوصا مع تفشي الوباء فيها واحتمال تضاعف الإصابات بها أضعافا مضاعفة من جراء عدم تقيد نسبة كبيرة من سكان البلاد البالغ تعدادهم 215 مليون نسمة بوقف صلاة الجمعة وبقية الصلوات الجماعية في المساجد، فضلا عن استمرار بعض الجماعات المتشددة مثل "تبليغي جماعت" في إقامة الندوات والتجمعات الدينية والدعوية، دعك من عاملين آخرين يكشفان حقيقة أوضاع البلاد المتدهورة، أولهما اضطرار السلطات لتخفيف إجراءات الإغلاق سعيا منها إلى إنعاش الأوضاع المعيشية للأغلبية العظمى من مواطنيها، والآخر نقص معدات الحماية من الفيروس الصيني، الذي تسبب في احتجاجات قادتها الأطقم الطبية في إقليم بلوشستان الفقير وتم قمعها بهراوات الشرطة الثقيلة.
والمعروف أن باكستان حتى أواخر أبريل المنصرم كانت قد سجلت نحو 20 ألف إصابة مؤكدة بالوباء، وأكثر من 650 حالة وفاة، لكن يقال إن هذه الأرقام لا تعكس واقع الحال، لأن السلطات الصحية لم تجر سوى فحوص قليلة جدا، كان معظمها في المدن الكبرى.
وبطبيعة الحال، لم يشأ عمران خان رئيس الحكومة أن يغضب الحليف الصيني، فلم يأت على ذكره في معرض حديثه في 24 آذار (مارس) المنصرم عن الوباء ومدى انتشاره في باكستان، بل امتدح السلطات الصينية قائلا، إنها "تعاونت مع باكستان وقامت بتقديم المساعدة للباكستانيين الموجودين في المدن الصينية، ما أدى إلى عدم دخول فيروس كورونا من الصين". وفي الوقت الذي برأ فيه الصين تماما، تحدث عن إيران قائلا إنها: "لم تحسن التعامل مع الوباء، ما أدى إلى انتقاله إلى باكستان عبر الزوار العائدين من هناك"، مضيفا أن حكومته حاولت السيطرة على الزوار العائدين عند نقطة تفتان الحدودية، لكنها لم تنجح، لأن تلك المنطقة نائية وتفتقر إلى البنية التحتية اللازمة للفحص والحجر الصحي.
كما أن الزعيم الباكستاني الذي حاول تخفيف الأمر بدعوة شعبه إلى التآخي والإيمان واعتبار الأزمة اختبارا من الله لدولة مسلمة عظيمة، لم يشأ أن يطلب العون من حليفه الصيني مباشرة، إنما طلبه من المجتمع الدولي كله، في صورة حث الدول الأكثر ثراء والمؤسسات المالية الدولية على تقديم الأموال وشطب الديون المستحقة على بلاده والدول الأخرى، التي وصفها بالدول الفقيرة، التي تكبدت خسائر اقتصادية مدمرة في المعركة ضد فيروس كورونا المستجد، علما بأن إجمالي الدين العام الباكستاني يبلغ 246 مليار دولار.
توقعت الحكومة الباكستانية أن تكون حليفتها الصينية في مقدمة المستجيبين لاستغاثتها، لكن هذا لم يحدث. فالبلد الذي حث المجتمع الدولي على مساعدة باكستان وغيرها، كانت السعودية، والجهة التي بادرت إلى تلبية النداء، صندوق النقد الدولي، الذي لا يخطو خطوة إلا بضوء أخضر أمريكي كما هو معروف. حيث قرر الصندوق تقديم 1.4 مليار دولار لباكستان في صورة مساعدة عاجلة غير محكومة باشتراطات الصندوق المعتادة، وذلك على أمل أن تقيها من الآثار الاقتصادية للوباء وتعزز بنيتها الصحية وتحميها من انهيار الموازنة العامة، مع الاستمرار في ضخ ستة مليارات دولار، كانت إسلام أباد قد اتفقت عليها مع الصندوق العام الماضي ضمن خطة مساعدة لمدة ثلاثة أعوام.
ويبقى الحال على ما هو عليه في باكستان، ثناء للصين - مصدر الوباء -، وعداء وكراهية للولايات المتحدة - مصدر العون والإغاثة.
إنشرها