أخبار اقتصادية- عالمية

هل يصمد النظام المصرفي العالمي في مواجهة تداعيات كورونا ؟

هل يصمد النظام المصرفي العالمي في مواجهة تداعيات كورونا ؟

النظام المصرفي يستند إلى البنوك المركزية لضمان إمداده بذخيرة كافية لمواجهة التحديات.

يمكن الجزم بأنه لا يوجد قطاع اقتصادي لم يتأثر بتداعيات تفشي وباء كورونا، فمن سلع التجزئة إلى الترفيه والسياحة إلى الرياضة والنقل، وبالطبع سوق الأسهم وجميع القطاعات الصناعية، حيث تأثر الجميع كل بطريقته وبتحديات مختلفة.
القطاع المصرفي كان في مقدمة القطاعات التي تأثرت بالفيروس، الذي يتوقع أيضا أن يمتد التأثير فيه حتى بعد تراجع تلك الجائحة، واكتشاف مصل أو لقاح للتغلب عليه.
منذ اللحظات الأولى لتفشي الفيروس وانتشاره عالميا، واجه قطاع الخدمات المالية تحديات على جبهات متعددة، فخفضت البنوك كغيرها من القطاعات ساعات العمل، وفي كثير من الحالات لم تعد قادرة إلا على خدمة عدد محدود للغاية من العملاء، بسبب قواعد التباعد الاجتماعي، ما أضفى مزيدا من الضغوط على الخدمات الهاتفية والمصرفية عبر الإنترنت، لكن تلك المجموعة من المشكلات تعد في حقيقة الأمر المشكلات الصغرى التي تمكن مواجهتها والتعامل معها، أما المشكلات الأكبر فتكمن في عجز عديد من العملاء عن سداد ما عليهم من مستحقات مالية وقروض وأقساط بنكية شهرية في ظل التوقف الراهن في عديد من القطاعات المنتجة، وتراجع حركة التجارة المحلية والدولية.
وتواكب هذا التراجع مع زيادة الضغوط الحكومية على القطاع المصرفي لتقديم مزيد من التمويل المالي خلال الأزمة، وبالطبع في المراحل التالية للقضاء على الفيروس.
وسط تلك الضغوط، خفضت وكالة التصنيف "موديز" توقعاتها لستة من أكبر الأنظمة المصرفية الأوروبية إلى سلبية، نظرا إلى تهديد الجائحة لربحيتها والشكوك المحيطة بجودة الأصول لدى المقرضين، كدليل على حجم المصاعب التي يواجهها النظام المصرفي الدولي حاليا.
ويقول لـ"الاقتصادية"، آندروا جورج الخبير المصرفي في مجموعة نت وست المصرفية، "إن خفض وكالة موديز للأنظمة المصرفية في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك وهولندا وبلجيكا من مستقرة الى سلبية يعني توقع حدوث انكماش في القطاع المصرفي هذا العام".
ويضيف جورج أنه من "المؤكد الآن أن مشكلات القروض البنكية وعدم القدرة على السداد ستزداد، والربحية البنكية ستتراجع، فإذا أخذنا في الحسبان أن بنوك منطقة اليورو أداؤها ضعيف قبل جائحة كورونا، فإن المشكلة ستتفاقم مع تفشي فيروس كورونا وحتى بعد السيطرة عليه".
إلا أن معظم التقديرات الراهنة تشير إلى أن الأزمة المصرفية لن تضرب النظام المصرفي الأوروبي فحسب، إذ بات من شبه المؤكد أن بنوك منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستصاب أرباحها بضربات مؤلمة حتى عام 2021.
وتوضح لـ"الاقتصادية"، إيفلين فايث الخبيرة الاستثمارية، أن تقديرات وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، تشير إلى صعوبات متزايدة أمام البنوك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، للحفاظ على أدائها المالي في ظل تصاعد خسائر الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة كورونا.
لكنها مع ذلك تعتقد أن بنوك آسيا والمحيط الهادئ في وضع أفضل من نظيرتها الأوروبية، وتضيف إيفلين أنه "على الرغم من أن تقييم القطاع المصرفي الأوروبي ونظيره في منطقة آسيا والمحيط الهادئ سلبي، إلا أن البنوك الآسيوية لديها سيولة مالية أعلى، ومن ثم فإن نقطة انطلاقها في مرحلة ما بعد كورونا ستكون أفضل، كما أن الاقتصادات الآسيوية في وضع إجمالي أفضل من نظيرتها الأوروبية، ما يعني أن التفاعل بين النظام المصرفي في آسيا والنظام الاقتصادي الآسيوي سيكون في وضعية أفضل مما سيحدث في أوروبا".
في المقابل، يبدو الوضع في البنوك الأمريكية أكثر تماسكا ومتانة حتى الآن على الأقل، إذ أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، تمكنت الشركات القابضة للبنوك الأمريكية من بناء مستويات كبيرة من رأس المال ولديها معدلات سيولة تتجاوز الحد الأدنى، كما أن القيود التنظيمية باتت أكثر صرامة من ذي قبل، بحيث بات لدى البنوك الكبرى 1.3 تريليون دولار من الأسهم العادية، و2.9 تريليون دولار من الأصول السائلة عالية الجودة.
ويعتقد الدكتور راسل سميث أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة مانشستر، أن ما يصفه بمخازن رأس المال لدى البنوك الأمريكية والسيولة المالية الضخمة ستستخدم في دعم الاقتصاد، وستمنح البنوك القدرة على خدمة الأسر والشركات.
ويفسر ذلك لـ"الاقتصادية"، قائلا "إنه مع تراجع سوق الأسهم بسبب الوباء القاتل اجتمع الرئيس ترمب بالمديرين التنفيذيين لأكبر البنوك الأمريكية، وفتح "الاحتياطي الفيدرالي" صندوقا من أدوات الطوارئ لم نشهد نظيرا له منذ الأزمة الاقتصادية لمساعدة النظام المالي عموما على التعامل مع تداعيات الوباء".
ويضيف سميث أن "البنوك الأمريكية - بخلاف ما حدث في أزمة 2008 - لديها هذه المرة خطة، وربما يكون القطاع المصرفي الأمريكي أفضل قطاع يمكنه مساعدة الاقتصاد الأمريكي على اجتياز الاضطراب الاقتصادي الراهن، فالشركات ستحتاج إلى قروض ائتمان قصيرة الأجل لتتجاوز تلك المحنة، والبنوك الأمريكية لديها الموارد المالية والدعم التنظيمي لضخ الأموال في الاقتصاد المتعثر".
لا شك أن "الاحتياطي الفيدرالي" لعب دورا مهما في خفض أسعار الفائدة، وزيادة حيازته من سندات الخزينة بنحو 500 مليار دولار، و200 مليار دولار أخرى في محفظته المدعومة بالرهن العقاري، وتواكب كل هذا مع مزيد من الإجراءات لتسهيل إقراض البنوك، الأمر الذي سيكون له تأثير إيجابي في الاقتصاد مستقبلا.
مع هذا، يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن الوضع الإيجابي للبنوك الأمريكية قد يتآكل أو يفقد كثيرا من مدلوله إذا أخذت الأزمة الاقتصادية العالمية منحنيات أكثر عنفا لاحقا.
وفي هذا السياق، تقول لـ "الاقتصادية"، ماجي آشتون الباحثة الاقتصادية، "إنه إذا ظلت الأزمة الاقتصادية في إطار حاجة المؤسسات الإنتاجية، إلى قروض لمزيد من التوسع الرأسمالي والإنتاج وتوظيف العمال، فإن النظام المصرفي الدولي حتى مع الصعوبات التي تواجهها البنوك الأوروبية، سيكون قادرا على التعامل مع أغلب تلك الاحتياجات، لكن الأمر سيختلف تماما في حال انفجرت أزمة الدين العالمي".
وتعتقد ماجي أن أزمة الدين العالمي سيكون لها تأثير "نظرية الدومينو"؛ إذ ستجذب الأزمة في دولة ما الجميع معها، بحيث يقف النظام المصرفي عاجزا عن عمل شيء.
وفي الواقع، فإن هذا القلق هو المهيمن حاليا على الخبراء المصرفيين في منطقة اليورو، تحديدا، فنسب القروض المتعثرة لا تزال أعلى مما كانت عليه عام 2008، على الرغم من انخفاضها بشكل كبير منذ ذروتها في أعوام لاحقة لانفجار الأزمة، كما أن مخاطر الائتمان لا تزال مرتفعة في معظم اقتصادات منطقة اليورو.
ويوضح البروفيسور إل. ك. شيلي نائب رئيس لجنة الاستراتيجية المالية السابق في وزارة المالية البريطانية، أنه "لكيلا تؤدي الضغوط الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا، إلى حدوث انهيارات في البنوك التجارية والاستثمارية، لا بد للبنوك المركزية أن تفتح خزائنها، وصناديق الاحتياطات المالية لديها، وأن تكون قائدا حيويا ورشيدا، وبهذه الطريقة فقط سيكون النظام المصرفي قادرا على القيام بالدور المنوط به لمواجهة تلك الأزمة".
ويستدرك قائلا "إن النمو الاقتصادي الضعيف سيضعف الطلب على الائتمان، وتقلبات سوق رأس المال ستردع نشاط الإصدار والادراج وستؤثر عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على الحركة بالسلب في قدرة الشركات على سداد الديون، وبالتالي إضعاف جودة أصول البنوك، كما أن خفض الفائدة في عديد من الاقتصادات سيضعف الربحية، وتلك معالم مشتركة في الاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة، مهما كانت قوة النظام البنكي لديه، ولا يمكن للنظام المصرفي مواجهة هذا الوضع إلا أن يستند إلى البنوك المركزية، لضمان إمداده بذخيرة كافية للتعامل مع جميع التحديات التي تواجهه".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية