FINANCIAL TIMES

لحظة تدشين السفر عبر الواقع الافتراضي على الأبواب

لحظة تدشين السفر عبر الواقع الافتراضي على الأبواب

لحظة تدشين السفر عبر الواقع الافتراضي على الأبواب

الواقع الافتراضي يبدو وكأنه مزج للحقيقة بالخيال.

عندما يحتاج تيم باجارين للابتعاد عن كل شيء يتجه إلى قاع المحيط في عمق 20 مترا تحت سطح الماء، هنالك يحب مستشار تكنولوجيا المعلومات في كاليفورنيا الجلوس لمدة نصف ساعة ومشاهدة الأسماك، وهي تسبح من حوله. ويعلق على ذلك قائلا: "هذا حوض سمك يخصني".
باجارين لديه خبرة تتجاوز أكثر من 120 عملية غطس، قضاها أثناء رحلات إلى هاواي ومنطقة البحر الكاريبي على مدار الـ30 عاما الماضية، وقد اضطر إلى أن يضع جانبا مجموعة غوصه في المستقبل المنظور.
تم إغلاق كاليفورنيا على مستوى الولاية بعد أن أمر الحاكم السكان بـ"البقاء في منازلهم" إلى أن يمر تهديد فيروس كورونا المستجد، الذي يجتاح العالم من أدناه إلى أقصاه.
لذا قام باجارين بتبديل قناعه للغوص مقابل سماعة الواقع الافتراضي المعروفة بـ"كويست أوكلوس" Oculus Quest، باستخدام مقاطع فيديو بزاوية 360 درجة في تطبيق طور بوساطة "ناشيونال جيوجرافيك" National Geographic للعودة إلى العمق. يقول، "أنا أجلس على كرسي مريح وأشعر كأنني أسبح بجوار سمك شيطان البحر تماما، كما فعلت مرات كثيرة، باستثناء أنني لا أصاب بالبلل". إذا كانت هناك لحظة يحتاج فيها ملايين الناس إلى عالم افتراضي للهروب إليه، فهي الآن.
يقول إيريك شيبارد، نائب رئيس شركة لونلي بلانيت، التي تستكشف أفكار المنتجات الجديدة لدى ناشر دليل السفر: "يتحدث الناس منذ زمن عن الواقع الافتراضي. مع وجود "كورونا" الناس محاصرون نوعا ما، فإن هذا يسرع عملية إعادة ذلك إلى الحياة".
شراء "فيسبوك" لشركة السماعات، نقطة تحول في بداية أحدث موجة من الإثارة حول الواقع الافتراضي، عندما صرفت شركة فيسبوك ملياري دولار لشراء شركة أوكلوس الرائدة في صناعة سماعات الرأس في 2014، حينها تساءل بعض النقاد عن المدة، التي قد تستغرقها السياحة الافتراضية، قبل أن تحل محل الحاجة إلى السفر المادي تماما.
لم يتحقق هذا التحدي أبدا، كثير من التطبيقات المبكرة للسفر في الواقع الافتراضي، المصممة في المقام الأول لمنح الأشخاص فكرة قبل حجز رحلة باهظة الثمن، لم تكن مصممة بشكل جيد.
قد تبدو تجربة سباق القوارب من على سطح زورق، مثيرة للغاية، لكن الكاميرا المرتدة والحبيبية تزيد من ميل الواقع الافتراضي إلى التسبب في الغثيان.
(سبب دوار البحر الافتراضي هذا هو التناقض بين الحركة التي تراها العيون، وغياب الحركة الجسدية المصاحبة التي تشعر بها الأذن الداخلية).
يقول تيباتات تشينافاسين، وهو مستثمر مقيم في وادي السيليكون، يعمل لدى صندوق فينشر رياليتي، "لم تكتسب أي من شركات السفر الافتراضية كثيرا من الزخم".
الآن، وبسبب الجائحة المستجدة وإيقاف حركة الطائرات على مستوى العالم، ليس أمام صناعة السفر خيار يذكر سوى احتضان أشكال بديلة من الهروب، حتى لو بقيت الخطة النهائية، هي جذب الناس إلى العالم الحقيقي بمجرد رفع الحظر.
المجالس السياحية في أماكن مثل، النمسا وسويسرا بحاجة إلى إصلاح سريع لمواقعها على الإنترنت، لتقديم صور بانورامية تفاعلية لجبال الألب ومقاطع فيديو بزاوية 360 درجة لمسارات التسلق على الجبال.
تقدم المنتزهات الحضرية في مدن مثل، نيويورك ولندن، إضافة إلى المساحات المفتوحة على نطاق واسع مثل كولورادو روكيز "جولات افتراضية" على غرار جوجل ستريت.
يقدم البعض راويات، يتحدث عن المشاهد أو أصوات الطبيعة لإضافتها إلى الأجواء. وفي الوقت نفسه، تسمح سلالة جديدة من الخرائط ثلاثية الأبعاد، مثل "فاتماب"، لمستلقي الجبال والعدائين وراكبي الدراجات والمتزلجين؛ لتمضية فترة احتجازهم عن طريق التخطيط، أو متابعة المغامرات في الهواء الطلق بتفاصيل غير مسبوقة.
تتم إعادة إنشاء كثير من الوجهات السياحية الأكثر شعبية في العالم على منصة "جوجل" للثقافة والفنون. وهي تتباهى بمناظر من أعلى برج إيفل وبرج طوكيو إضافة إلى التجول في أنحاء تاج محل والأهرامات في الجيزة. يتوافر كثير من المحتوى، بما في ذلك مقاطع الفيديو بزاوية 360 درجة على موقع ويب تقليدي، ولكن هناك أيضا تطبيق "الواقع المعزز" AR للهواتف الذكية، الذي تستجيب فيه الصور لحركات الهاتف، ما يمنح الإحساس بالتحرك في أنحاء هذه الأماكن الرقمية وداخلها.
تقول كيت لاوترباك، مديرة برنامج "جوجل" للثقافة والفنون، "الفرضية الكاملة لما نفعله، هي فتح تجارب جديدة وإتاحة الوصول إلى أي شخص في أي مكان. برنامج "ستريت فيو" هو المكان الذي بدأت فيه لأول مرة. من هناك كان هذا السؤال دائما: ماذا يمكننا أن نفعل بخلاف ذلك؟"
عودة إلى التاريخ
يحاول المشروع بشكل متزايد، نقل الناس إلى حيث لا يمكنهم الذهاب بخلاف ذلك - حتى في الأوقات العادية - من إعادة تصميم الجزء الداخلي من منطاد هيندنبيرج، الذي تحطم بشكل مذهل في عام 1937، إلى مختبر سيرن للأبحاث النووية في جنيف إلى التصميم المعماري لعمارة باوهاوس غير المبنية، التي يمكن للمشاهدين الدخول إليها باستخدام تطبيق أيه آر AR على هواتفهم.
نظرا لأن عدد الأشخاص الذين يمتلكون اليوم هواتف ذكية، أكبر بكثير من الذين يمتلكون سماعات الواقع الافتراضي، فإن مشروع "جوجل" يركز جهوده في الدرجة الأولى على الهواتف الذكية والواقع المعزز.
تقول لاوترباك، "أملنا أن يكون هذا المكان، هو الذي يأتي إليه الناس كل يوم. نكتشف الآن أن كثيرا مما يمكننا فعله في الواقع المعزز يحقق ذلك".
فيما قد يبدو خطوة متناقضة، جربت بعض الوجهات السياحية جولات الواقع الافتراضي في الموقع.
استمر عرض فيلم الموناليزا "ما وراء الزجاج" في متحف اللوفر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى شباط (فبراير) الماضي في متحف باريس.
بدأ الزائرون سماع قصة اللوحة قبل الدخول إلى المشهد، الذي أنشئ فيه العمل الفني، ثم أخيرا الإقلاع في إحدى الآلات الطائرة، التي صممها ليوناردو دا فينشي.
تقول دومينيك دي فونت ريولكس، مديرة التفسير والبرمجة الثقافية في متحف اللوفر، "لا شيء على ما أعتقد يمكن أن يحل محل مشاهدة اللوحة نفسها. العمل الفني ليس شيئا يمكن استبداله، لكنها طريقة جديدة للنظر إليها".
وتضيف، أن الحجج حول "صدقية" التجربة الافتراضية، لا تختلف عن مناقشات القرن الـ19 حول المزايا النسبية للرسم مقابل التصوير الفوتوجرافي.
ماذا عن مقبرة توت عنخ آمون؟
عندما عرضت مجموعة من القطع الأثرية من قبر الملك المصري القديم توت عنخ آمون في معرض ساتشي في لندن العام الماضي، رافقت المعرض الضخم تجربة واقع افتراضي مدتها سبع دقائق رواها الممثل هيوبونفيل.
جلس المشاهدون على مقاعد من طراز بوزيتر ونفوايجر على شكل بيضة كانت تتحرك برفق، متزامنة مع الصور أثناء انزلاقها حول القبر.
يقول جويل نيوتن، المؤسس المشارك لشركة سيتي لايتس، التي أنتجت هذه التجربة، إن جعل الزيارة الافتراضية لا تنسى احتاج إلى أسلوب هوليوود في رواية القصص، بقدر ما احتاج إلى تكنولوجيا وادي السيليكون.
"قبر توت كمساحة مادية، هو من بعض النواحي أمر عادي غير مميز، فهو سلسلة من المستطيلات الضيقة الباهتة تحت الأرض. كان علينا إضفاء الطابع الإنساني على توت نفسه، وترسيخ التجربة حول أي تفاصيل استطعنا أن نجدها، علاقاته وإعاقته وشبابه" حسبما أضاف.
بينما يوجه المشاهدون حول التشكيلة الموجودة في القبر من عصي المشي والمنحوتات الجدارية، وأدوات سباق العربات، يمكنهم الاستلقاء لإلقاء نظرة فاحصة على كل شيء. هذا على النقيض من مقاطع الفيديو المنتظمة بزاوية 360 درجة، مثل تلك الموجودة على برنامج "جوجل ستريت"، التي تكون أقل غمرا وأقل تفاعلية، لجمعها معا باستخدام الكاميرات التقليدية.
تجارب مثل مقبرة توت تستخدم "القياس التصويري" و"الالتقاط الحجمي": تصور الأشياء في ثلاثة أبعاد، مع الحفاظ على جوانب القوام الخفي، للتأكد من أنها لا تبدو وكأنها سقطت من لعبة بلاي ستيشن.
يقول نيوتن، "لو أنها كانت مجرد مقطع فيديو بزاوية 360 درجة، فلا أعتقد أنك تقترب كثيرا بما يكفي من الحضور وتجربة أن تكون معه هناك".
تعمل شركة سيتي لايتس حاليا على تطوير نسخة من تطبيق الملك توت عنخ آمون لمستخدمي الواقع الافتراضي لتجربتها في المنزل، وتظهر منذ الآن تجارب مماثلة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة من أجل الاستخدام المنزلي.
من دافنشي إلى مايكل أنجلو
لقد أعيد تصميم سقف كنيسة سيستينا في الواقع الافتراضي بمثل هذه التفاصيل، بحيث يمكن للمشاهدين رؤية ضربات الفرشاة الفردية. يقول أحد المراجعين لتجربة سقف كنيسة سيستينا في الواقع الافتراضي في متجر تطبيقات ستيم، إن التجربة الافتراضية كانت "أفضل ألف مرة" من زيارتهم الواقعية. يكتب مستخدمن "لا توجد حولك جماهير تزاحمك، ولا رجال شرطة إيطاليون يراقبونك وهم مرتابون منك، ولا يوجد سياح وقحون. أخيرا تمتعت بكنيسة سيستينا وحدي دون أن يكون معي أحد".
الاقتراب من أعمال طلاء مايكل أنجلو، هو بالتأكيد تجربة لايحصل عليها معظم الناس إلا عن طريق الواقع الافتراضي، إلا أن كثيرا من مطوري التطبيقات حريصون على المضي قدما، مستغلين الفرص التي تتيحها هذه الوسيلة لإطلاق تجارب أكثر روعة.
يقول تشينافاسين، وهو مستثمر واقع افتراضي: "السياحة الافتراضية ستعني الذهاب إلى العوالم الافتراضية. هذا أحد الأشياء التي ينساها الناس عندما يركزون على فيديوهات 360 درجة - لا يتعلق الأمر فقط برؤية المشاهد، بل بمقابلة الناس وتجربة الثقافة".
من أكثر المحاولات المسلية للتعامل مع العطلة في الواقع الافتراضي الفكرة ترسل بأكملها. لعبة محاكاة العطلة Vacation Simulator تأخذ اللاعبين في عطلة كما يتصورها أباطرة الروبوتات في المستقبل.
"الشاطئ هو أكثر الأماكن كفاءة للانطلاق منها"، ويوجه اللاعبين عن طريق روبوتات عائمة، حيث يبنون قلاعا رملية وفقا لمواصفات دقيقة ويصطادون أعدادا ضخمة من الأسماك، "ليس هناك وقت لتكون كسولا وفاترا!"
يقول أندرو إيتشي، كبير الإداريين التكنولوجيين لدى شركة أولكمي لابز، التي طورت لعبة محاكاة العطلة، إن اللعبة الكرتونية ليست لعبة أدوار ومسؤوليات بقدر ما هي، "مكان لتخفيف الضغط على شكل نشاط".
وهو يشك في أن سماعات في آر VR الحالية اليوم قوية بما يكفي لتقديم ترفيه واقعي حقا لأماكن مثل كنيسة سيستينا.
ويضيف: "هل يختلف الأمر حقا عن النظر إليها على الشاشة؟ أنت بحاجة إلى تجاوز النظر إلى التمثيل، هذا هو المجال الذي يتفوق فيه الواقع الافتراضي حقا".
حتى الآن، وعلى الرغم من أزمة فيروس كورونا، من الصعب إثبات أن الواقع الافتراضي شهد طفرة كبيرة في الاستخدام. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن كثيرا من سماعات الرأس، مثل أوكلوس كويست ذات الأسعار المعقولة ويمكن الوصول إليها قد بيعت بالكامل، حيث تضررت المخزونات بسبب إغلاق التصنيع الأخير في الصين. يحتاج البعض الآخر إلى أجهزة كمبيوتر ألعاب قوية لا يمتلكها معظم الناس.
يتوقع تيم باجارين، استشاري تكنولوجيا الغوص، أن يؤدي الوباء والحظر المرتبط به إلى دفع الواقع الافتراضي أقرب إلى الاتجاه السائد. ويقول، "هو شكل جديد من أشكال الترفيه ويمكنك القيام به بأمان في المنزل".
في الوقت الحالي فإن الألعاب، وليس تطبيقات السفر، هي الدعامة الأساسية للواقع الافتراضي. حتى الآن، هناك لعبة واقع افتراضي وحيدة حققت نجاحا كبيرا منذ بدء الوباء، وهي لعبة تصويب في واقع مختل من منظور المتكلم تدور أحداثها في كرة أرضية تحتلها كائنات فضائية.
بالنسبة إلى عشاق الواقع الافتراضي مثل إيتشي، فإن ذلك شكل قوي من أشكال الهروب تماما مثل تسلق ماتشو بيتشو أو زيارة قبر توت عنخ آمون. ويقول، "يريد الناس أن يكونوا في بيئة مختلفة. هم يريدون التنوع. يمكنك أن ترى الناس يتجهون نحو الألعاب؛ لأنه يمكن في تلك القصص أن تكون البطل. الآن، كلنا عاجزون. الشيء الوحيد الذي يمكننا فعله هو البقاء في المنزل وغسل أيدينا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES