FINANCIAL TIMES

تحية للأبطال العاملين في الحقل الصحي

تحية للأبطال العاملين في الحقل الصحي

كل ليلة عند الثامنة مساء، أقف أنا وعائلتي على شرفة منزلنا وننضم إلى التصفيق للعاملين الفرنسيين في القطاع الصحي. التصفيق بدا متواضعا. معظم باريس تعزل نفسها في منازل ريفية، بالتالي أصبحت المدينة خاوية.
التصفيق هو أحدث الطقوس العالمية، وهو ينتشر من الشرفات الإيطالية إلى الأحياء الفقيرة في البرازيل، عاكسا صدى العروض العسكرية القديمة، حين كان الناس يصطفون حول الطرقات لتحية جنودهم المنتصرين.
على نطاق أوسع، بدأ تبجيل الأطباء يحل محل تبجيل الجنود. هذا التحول كان يختمر منذ فترة بعيدة، وقد يدوم لفترة طويلة بعد الوباء. على المدى الطويل ربما تنال الخدمات الصحية في كثير من الدول مزيدا من التمويل الذي حرمت منه لأعوام. الأطباء يمكن أن يصبحوا طبقة ذات امتيازات.
الأمم في القرن الـ20 أطلقت أسماء الجنود على الشوارع وأنفقت ثروات على قواتها. في الحربين العالميتين بلغ الإنفاق على الدفاع البريطاني ذروته ليصل إلى نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي. الجنود الذين سقطوا في أرض المعركة تم تمجيدهم وأطلقت عليهم أرفع الصفات.
بعض الناجين استغلوا وضعهم باعتبارهم مدافعين عن الأمة للوصول إلى السلطة السياسية. من عام 1940 إلى عام 1970 كانت فرنسا في الغالب تحت حكم المارشال بيتان والجنرال ديجول. التطبيب الذي مارسته الممرضات، دون شهادات، جعلهن مصدر دعم ورعاية للمحاربين الذكور.
لكن تبجيل الجندي تلاشى في العقود الأخيرة. تمويل الصحة في بريطانيا تجاوز الإنفاق على الدفاع في عام 1990 تقريبا. في جميع أنحاء العالم ارتفع الإنفاق على الصحة منذ ذلك الحين ويبلغ متوسطه اليوم 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة.
الآن تتم أتمتة الجنود وإقصاؤهم. الجيش البريطاني يتقلص إلى أصغر حجم له منذ الحروب النابليونية. حتى الأمريكيون بدأت مشاعرهم تبرد تجاه المحاربين. دونالد ترمب؛ شعر بذلك بشكل أسرع من الآخرين. خلال حملته الرئاسية لعام 2016، هاجم عائلة الجندي القتيل همايون خان؛ واستخف ببطل الحرب، جون ماكين؛ لأنه وقع في الأسر.
ربما يظل الدفاع الوظيفة الأكثر شيوعا في الدولة، لكن حتى قبل تفشي جائحة فيروس كورونا تمت إعادة تعريفه ليعني الدفاع ضد المرض. هذا يناسب حقبة شيخوخة السكان، عندما تكون الرعاية الصحية فعالة بشكل غير مسبوق والحروب بين الدول اختفت تقريبا.
وفقا لدراسة استقصائية أجرتها شركة إيبسوس موري في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كانت الفئات الثلاث الأكثر موثوقية من بين أصحاب المهن هم العاملون في التمريض والأطباء وأطباء الأسنان. احتل السياسيون المرتبة الدنيا.
هذه الجائحة أدت إلى تعزيز فكرة تبجيل الطبيب. الآن الشخص الذي يموت من أجلنا هو العامل في المجال الصحي. الصحف الإيطالية تتصدرها صور أطباء مصابين. الهدف الرئيس للدولة أصبح تزويد العاملين في مجال الرعاية الصحية بالمعدات: المصانع البريطانية التي اتهمت ذات مرة بصنع قاذفات القنابل تصنع الآن أجهزة تنفس اصطناعية. في الوقت نفسه، الجيوش الوطنية يتم تغيير أدوارها إلى خدمات صحية مساعدة.
الأطباء اكتسبوا مكانة مرموقة لدرجة جعلتهم يغيرون سلوك الناس في مختلف الدول. في كل مكان يخبروننا أن نبقى في المنزل.
الباحثون في مجال الصحة أيضا يخرجون من غياهب النسيان. في أواخر شباط (فبراير)، عندما كانت أوروبا لا تزال نائمة، زرت "مدرسة لندن للصحة وطب المناطق الحارة"، وهو مبنى غير ملحوظ في بلومزبري. أشار شخص ما إلى اثنين من الأكاديميين الأكبر سنا اللذين عملا على داء الرمد الحبيبي وقال: "بسببهما آلاف من الناس في جميع أنحاء العالم ليسوا عميانا"، لكن بالكاد يعرف أي شخص خارج المبنى اسميهما.
الآن أصبح الباحثون في مجال الصحة أبطالا. الأمم معلقة على كلماتهم. القادة يستعيرون هيبتهم، ويلتقطون صورا معهم في المؤتمرات الصحافية ويروجون أنفسهم بصفتهم القيادة العليا للخدمات الصحية. تجارب اللقاح ضد فيروس كورونا ستكون هي الأكثر مشاهدة في التاريخ الطبي. لا يوجد كثير من معارضي اللقاحات في أي جائحة.
هذه الأزمة من المحتمل أن تستمر عامين على الأقل، وتقدير العاملين في المجال الصحي سيستمر لفترة أطول. انظر كيف أن تهديدا عالميا سابقا يتصف بصفات أفلام الرعب؛ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، دفع دولا إلى إنشاء مؤسسات أمنية دائمة هائلة ذات سلطات تجسس غير مسبوقة. ثم قارن الأرقام. نحو 135 شخصا في بريطانيا قتلوا على يد الإرهابيين منذ عام 2001، وأكثر من سبعة آلاف جندي بريطاني لقوا حتفهم في صراعات منذ عام 1945. لكن 20 ألف حالة وفاة بريطانية بسبب فيروس كورونا ستكون "أفضل سيناريو محتمل"، حسبما يقول السير باتريك فالانس؛ كبير المستشارين العلميين لحكومة المملكة المتحدة.
القضايا السياسية تعطى الأولوية جزئيا لأهميتها، لكن بشكل أكبر بسبب بروزها العاطفي لدى الناخبين. فيروس كورونا يتفوق في كلتا الحالتين.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتوقع أن يستمر الإنفاق الصحي في الارتفاع على المدى الطويل. وتتوقع أن ترفع الدول الرواتب وتوظف أطباء أجانب من الدول الأكثر فقرا ـ بشكل متزايد على نمط العمل عن بُعد.
سيكون هناك أيضا مزيد من وظائف الرعاية الصحية المساعدة، مثل المساعدة على المشي داخل الحي، أو مراقبة حديقة كبار السن، أو توظيف حراس احتياطيين للممرضات والمساعدين الطبيين. الخدمات الصحية ربما تنمو وتتضخم وتحصل على زيادة فائقة في الموارد، مثلما يحصل الجيش الأمريكي. وأي شخص يدعو إلى تخفيض الإنفاق ستتم مواجهته برد حاسم: "تذكر فيروس كورونا".
بعض الأطباء سيستغلون وضعهم بصفتهم مدافعين عن الأمة ليصلوا إلى السلطة السياسية. الآن المفوضية الأوروبية، بالفعل، تحت قيادة أورسولا فون دير لاين؛ وهي طبيبة سابقة حاصلة على درجة الماجستير في الصحة العامة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES