أخبار اقتصادية- عالمية

«كورونا» يعمق الانقسام الأوروبي .. هل يفقد التكتل سبب وجوده؟

«كورونا» يعمق الانقسام الأوروبي .. هل يفقد التكتل سبب وجوده؟

رئيسة المفوضية الأوروبية تتخوف تداعيات أزمة كورونا على التماسك الأوروبي.

سلطت جائحة (كوفيد - 19) الضوء على الانقسام العميق داخل الاتحاد الأوروبي بين الدول الغنية وسائر الدول الأخرى، فيما يرى محللون أن التضامن القوي بينها وحده يمكن أن يسمح بالتغلب على الكارثة الاقتصادية التي تلوح في الأفق.
وبحسب "الفرنسية"، تعهدت الدول الأعضاء نهاية الأسبوع الماضي بوضع خطة اقتصادية منسقة ردا على الأزمة بعد أن فضلت كل منها في البداية اعتماد سياسات وطنية.
لكنها لم تتمكن من اتخاذ أي خطوة بهذا الشأن، فالثلاثاء الماضي، أعاد وزراء المالية الكرة إلى قادتهم، الذين طلبوا بعد قمة الخميس الماضي من الوزراء أنفسهم وضع تدابير جديدة خلال 15 يوما، في غياب توافق في الآراء.
ويقول إريك موريس، من مؤسسة روبرت شومان "أعادت القمة رسم صورة معسكرين في أوروبا: الشمال ضد الجنوب"، وبعبارة أخرى، ارتسم تعارض بين الدول التي تحقق التوازن بين مواردها المالية ونفقاتها، ومن ثم الأكثر قدرة على مقاومة الأزمة، والدول المتهمة بالتراخي، مثل إيطاليا وإسبانيا، التي يرجح أن تتعرض لانتقادات شديدة بسبب ديونها المرتفعة، التي تدعو إلى تضامن مالي أكبر.
ولقي طرحها، المدعوم من باريس، لإنشاء "أداة" للاقتراض المشترك بين الدول الـ19 التي تبنت العملة الموحدة، اصطلح على تسميتها "سندات كورونا"، رفضا من طرف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ونظيرها الهولندي مارك روتي، فهما لا يريدان بأي حال تحميل بلديهما وزر ديون الدول الأقل احتراسا.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع "كوريري ديلا سيرا" و"لا ستامبا" و"لا ريبوبليكا": "لن نتغلب على هذه الأزمة دون تضامن أوروبي قوي، على المستويين الصحي والمالي".
وتكتسب التوترات حاليا حدة أكثر من أي وقت مضى، فانتقد أنطونيو كوستا رئيس الوزراء البرتغالي موقف لاهاي "المشين" إذ ورد أن هولندا تعتزم أن تطلب من المفوضية الأوروبية التحقيق في عدم توفر هامش في ميزانيات بعض الدول الأوروبية يسمح لها بالتصدي للأزمة.
ودعا جوسيبي كونتي رئيس الوزراء الإيطالي "إلى عدم ارتكاب أخطاء فادحة" في مواجهة الأزمة وإلا "فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد سبب وجوده".
وعد كونتي في مقابلة مع صحيفة "إل سول 24" نشرت أمس أن "التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمر.. هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذا لنطلق خطة كبيرة.. خطة أوروبية للتعافي وإعادة الاستثمار تدعم وتنعش الاقتصاد الأوروبي كله".
ويرى إريك موريس أنه "في أوقات الأزمات، من الصعب إيجاد تضامن"، ويضيف ملخصا النقاش على النحو التالي "هل ألمانيا أو هولندا أو النمسا أو فنلندا تقف في خط واحد مفاده: سنفكر عمليا فيما هو ممكن لأن علينا أن نكون فعالين على المديين المتوسط والطويل، أم أنهم يرفضون الأمر من حيث المبدأ؟".
ويضيف موريس أن "موقف ألمانيا هو: ليس علينا الزج بكل أدواتنا في الوقت الحالي، علينا أن نبقي شيئا في الاحتياط. وهذا أمر يمكن فهمه.. لا يمكن القول بأنه لم يتم القيام بأي مسعى"، مستشهدا بخطة الطوارئ، التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي وتبلغ عدة مئات من مليارات اليورو أو تعليق قواعد الانضباط المالي في ميزانيات دول الاتحاد الأوروبي.
وتقول آن لور ديلات المستشارة العلمية في مركز "سيبي" للدراسات: "لا أرى حقا كيف يمكننا أن نكون على حافة الهاوية أكثر من اليوم. إذا لم يكن في إمكاننا مواجهة وضع كهذا، في مواجهة صدمة تلقيناها من الخارج، أن نقوم برد منسق وإيجابي، فما نفع أوروبا، سوى أن توجد سوق كبيرة توزع مزيدا من الأرباح على الشركات".
وتأمل آن لور، أن تقوم أصوات معارضة في هولندا وفي ألمانيا، تتمكن من "إبراز خطاب بديل يقول: انتبهوا، إذا تصرفنا بهذه الطريقة، فستكون نهاية أوروبا".
لكنها تبدي "تشاؤما كبيرا" بعد قمة الخميس الماضي، وتوضح: "طالما لم يكن لدينا مؤسسة تتجاوز الحدود الوطنية قادرة على تحقيق التوافق، فلن ينجح الأمر".
وكتب المؤرخ آدم توز والاقتصادي موريتز شولاريك في عمود بصحيفة الجارديان: "هذا الوقت بحاجة إلى التضامن الأوروبي. إذا لم تتوحد القارة الآن، فقد لا ينهض المشروع الأوروبي مرة أخرى".
ويخشى كلاهما أن تواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الأكثر تضررا جراء فيروس كورونا المستجد، التي تعد ديونها من الأعلى في الاتحاد الأوروبي، "كسادا اقتصاديا، إضافة إلى كارثة إنسانية" إذا لم تحصل على دعم.
وربما يتم التوصل إلى حل وسط حول آلية الاستقرار الأوروبية (صندوق إغاثة منطقة اليورو)، التي يمكن أن يتضمن قروضا للدول، التي تطلبها، من أجل طمأنة الأسواق.
في المقابل، أعربت أورزولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن خشيتها من تداعيات أزمة كورونا على التماسك بين دول الاتحاد الأوروبي.
وقالت السياسية المنتمية إلى حزب المستشارة أنجيلا ميركل المسيحي الديمقراطي إن معاهدة شنجن للتنقل الحر تمر بوضع حرج بعد فرض الرقابة على الحدود بين الدول الأعضاء، مشيرة إلى أن الجميع شهدوا الآن أن الدول نفسها هي الأكثر تضررا من الإفراط في الانغلاق.
وأضافت وزيرة الدفاع الألمانية السابقة: "الأمر في أيدينا، فلقد رأينا الهاوية في بداية الأمر، لكننا سرعان ما عاودنا مشاهدة الجانب الإيجابي والتماسك في هذه الأزمة، وإني أرى عديدا من الإشارات المشجعة، التي تفيد بأن الأوروبيين يدركون كم أن وحدتنا غالية".
ورأت فون دير لاين أن إغلاق الحدود لبعض الدول لم يوقف انتشار فيروس كورونا، لكنه أضر كثيرا بعديد من الشركات وقطع سلاسل التوريد المهمة في أوروبا، لافتة إلى أن السوق الأوروبية فقط هي التي جعلت الاتحاد الأوروبي غنيا وقويا.
وتعتقد فون دير لاين أن "الإدراك يتزايد في الوقت الحالي بحقيقة أن كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تمتلك أوراق لعب أفضل عن طريق تبادل المساعدة.. ولهذا، فإن هناك فرصة في هذه الأزمة الكبيرة، لكي تعيد أوروبا اكتشاف نفسها من جديد".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية