ثقافة وفنون

«طريق حرير ثقافي» ينقل الأدب العربي إلى أقصى الشرق

«طريق حرير ثقافي» ينقل الأدب العربي إلى أقصى الشرق

تسعى الصين إلى تأسيس مشروعات تدعم هويتها الثقافية.

«طريق حرير ثقافي» ينقل الأدب العربي إلى أقصى الشرق

تواجه ترجمة الأدب العربي مجموعة من العوائق والتحديات.

تلتقي الثقافة الاقتصاد في طرق التجارة والحج، التي تأسست منذ فجر التاريخ حتى اليوم، على اختلاف الوسائل واتساعها، فالبضائع والسلع التي كانت تنقل من الشرق إلى الغرب، كانت تعبر معها الثقافة كجسر للتواصل بين العقول، فتوسع المدارك وتنقل المعرفة من مكان لآخر.
ويبرهن على ذلك طريق الحرير القديم، الذي كان يربط أعرق حضارتين في العالم، العربية والصينية، وعبره أرسل الخليفة عثمان بن عفان مبعوثه إلى الصين في عام 651م لنشر الدين الإسلامي، وعبره أيضا انتقلت الاختراعات بين الجانب العربي والصيني، مثل الورق والبوصلة وفن الطباعة، وتطورت العلوم الطبية، وحتى اللغة العربية التي يتحدثها كثير من الصينيين حتى اليوم، إلا أن ذلك كله ليس كافيا، فما زالت الثقافة العربية بحاجة إلى طريق حرير ثقافي، يتبنى تعزيز الأدب العربي لدى أكثر من 1.2 مليار متحدث باللغة الصينية.
علاقات متجذرة
يضرب التواصل بين العرب والصين بجذوره إلى أعماق التاريخ، وهو حوار إيجابي لم يشهد صدامات وصراعات، وإنما شهد تبادلا اقتصاديا وثقافيا، وتعاونا سياسيا، عبر طريقي الحرير والعطور، اللذين ربطا الصين والعالم العربي بعضهما بعضاً.
واليوم، يسعى طريق حزام الحرير البري والبحري إلى إحياء هذه القيم والمنافع، ليشكل همزة وصل بين الصين والدول العربية، ضمن حزمة من الدول المستفيدة، تشكل أكثر من 60 دولة في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، والتي يبلغ إجمالي عدد سكانها مجتمعة 4.4 مليار نسمة، أي ما يعادل 63% من سكان العالم ويبلغ حجم اقتصاداتها 21 تريليون دولار، ونحو 29% من الاقتصاد العالمي الحالي، بحسب موقع السفارة الصينية لدى المملكة.
أما العلاقات بين المملكة والصين، فتعود لـ1939، حينما قررت الرياض بدء علاقات سياسية مع بكين، وبعد ستة أعوام من هذا القرار وقعت أول معاهدة صداقة بين البلدين، لتشهد نقلات نوعية على مدى العقود التالية.
تعطش صينيتوثق الدراسات والأبحاث بأن الصينيين بدأوا بترجمة أمهات الكتب العربية أواخر القرن الـ19، حينما ترجمت قصيدة "البردة" في مدح النبي- صلى الله عليه وسلم- عام 1890، وتوالت بعدها الكتب والنصوص المترجمة، بناء على طبعاتها الإنجليزية والفرنسية واليابانية، والتي لقيت إقبالا لدى القراء الصينيين.
إلا أن الصينيين لم يعرفوا الأدب العربي حتى ظهر كتاب "ألف ليلة وليلة"، الصادر عام 1900، وأصبح الكتاب عنوانا للعرب، رغم أن الترجمة كانت من اللغة الإنجليزية وليست العربية.
ويدلل على الإقبال الكبير من القراء الصينيين على الأدب العربي، الإقبال الذي نقلته وكالة "شينخوا" على مقدمة ابن خلدون، رغم حجمها الذي بلغ نحو ألف صفحة، وسعرها غير الرخيص، إلا أن الطبعة الأولى وعددها 3500 نسخة نفدت خلال عام واحد، رغم غياب التسويق والترويج لها في السوق.
وقال "لي تشن تشون" مترجم الكتاب للوكالة بأن العرب لديهم إرث ثقافي وفكري غني جداً، واستغرقه ترجمة المقدمة نحو عشرة أعوام، مصرحا بأنه "إذا لم نتعرف على تاريخ العرب؛ فلن نفهم ما يحدث في العالم العربي حاليا".
فيما نقلت تقارير صحافية ترحيب القراء بالكتب التي نشرت حول حياة الخلفاء الراشدين، والتي تعرفوا خلالها على الحضارة العربية الإسلامية، وشجع هذا الصدى الإيجابي دور النشر على ترجمة مزيد من الكتب الأدبية والتاريخية العربية القديمة، إلا أن أعداد العناوين المترجمة لا تكافئ مكانة الصين الثقافية.
لم تبلغ الجمالرغم غياب الإحصاءات والتقديرات الرسمية حول عدد الكتب، التي تمت ترجمتها من الأدب العربي إلى اللغة الصينية، إلا أن تقديرات تشير إلى أنها لا تزيد على ألفي كتاب، رغم وجود آلاف الكتب في المكتبة العربية، التي تستحق النقل والترجمة إلى اللغة الصينية، التي ستشكل بوابة معرفية وجسرا للتواصل مع الصين، فترجمة الأدب العربي، والسعودي خاصة، سيشكل قوة ناعمة مؤثرة في تلك الشعوب.
وحول تلك الأعمال يقول الدكتور بسام شوي تشينغ قوه في بحث حول الأدب العربي في الصين بأنه من الإنصاف الاعتراف بأن الترجمة العربية في الصين لم تبلغ من الجمال والروعة ما يستحقهما الأدب العربي، وأن مترجميه ما زالوا دون مستوى مترجمي اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية، وافتقارها إلى النقد الجاد الموضوعي.
وبين أن مستوى الترجمة غير المرضي كان من بين الأسباب، التي تحول دون انتشار الأعمال العربية في الصين، حيث إن معظم الأعمال المترجمة لم تطبع إلا نسخا محدودة، وقراؤها يقتصرون على الباحثين والمعنيين بالآداب الأجنبية.
تحديات الحرير الثقافيتسعى الصين إلى تأسيس مشروعات تدعم هويتها الثقافية، بالتوازي مع مشروعها الاقتصادي الضخم الجديد طريق حزام الحرير، إذ أسست مبادرات لترجمة الأدب إلى اللغات الأجنبية، وأنشأت مراكز ثقافية في الدول الصديقة، بالإضافة إلى الجوائز الدولية لتشجيع المترجمين.
وفي المقابل، تواجه ترجمة الأدب العربي مجموعة من العوائق والتحديات، لكي تلحق الركب الحضاري الصيني وتؤسس طريق حرير ثقافي مواز لنظيره الاقتصادي، حيث يورد مترجمون حزمة من هذه التحديات؛ أبرزها قلة دور النشر المهتمة بنشر الأدب العربي في الصين، والعكس كذلك، إلى جانب عدم وجود قواعد بيانات للتعرف على الكتب المترجمة أو تلك قيد الترجمة، وقلة المترجمين المتمكنين ثقافيا.
إضافة إلى هذه التحديات، تعدد الباحثة والأكاديمية الصينية ما تاو ثلاثة تحديات تواجه ترجمة الأدب العربي، أهمها تأثر عملية الترجمة بالنزعة الاستهلاكية في عصر عولمة الأسواق، ما أدى إلى تراجع المعايير الجمالية للترجمة الأدبية، وضعف المبيعات نتيجة عدم التسويق، ولا سيما أن معظم مشاريع نشر الأعمال المترجمة ممولة من الحكومة الصينية، وتنتهي هذه المشاريع إلى المخازن، وجزء صغير منها يدخل السوق.
وعزت سببا ثالثا، وثقته في مقال نشره موقع مؤسسة الفكر العربي، يتمثل في مستويات المترجمين واحترافيتهم، رغم أعداد المترجمين، الذي يبدو ضخما، إلا أن ذلك يعد "ظاهريا على الأقل"، والطريق أمام الأعمال الأدبية العربية المترجمة لا يزال طويلا، تماما، كما يراه تشونغ جي كون، الرئيس الأول لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين، حين وصفه بقوله: "إذا شبهنا الأدب العربي بكنز دفين وأرض خصبة، فإننا ما زلنا في بداية استخراج هذا الكنز وحرث هذه الأرض".
الصينيون بدأوا بترجمة أمهات الكتب العربية أواخر القرن الـ19 حينما ترجمت قصيدة «البردة» في مدح النبي- صلى الله عليه وسلم- عام 1890
باحث صيني: إذا شبهنا الأدب العربي بكنز دفين وأرض خصبة، فإننا ما زلنا في بداية استخراج هذا الكنز وحرث هذه الأرض
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون