أخبار اقتصادية- عالمية

طلاق تاريخي

 طلاق تاريخي

 طلاق تاريخي

غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي ليلة أمس لتبدأ مرحلة غير محددة المعالم تمثل أكبر تغيير في مكانتها العالمية منذ أفول نجم الإمبراطورية البريطانية، وأشد ضربة لجهود دامت 70 عاما لتحقيق الوحدة الأوروبية على أنقاض الحرب العالمية الثانية.
وبحسب "الفرنسية"، ووسط أعلام المملكة المتحدة وعلى وقع المزامير، غادر عدة نواب بريطانيين مناهضين للمنظومة الأوروبية البرلمان الأوروبي في بروكسل صبيحة هذا اليوم التاريخي لمستقبل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي سيخسر 66 مليون مواطن بريطاني وثاني اقتصاد إقليمي، وهتف النائب آن ويديكومب "وداعا لن نعود".
وتجمع مناصرو "بريكست" أمام البرلمان البريطاني، الذي استضاف عديدا من النقاشات المضنية منذ استفتاء 2016 للاحتفال بنصرهم، ولو أن أجراس ساعة بيج بن الشهيرة لم تدق.
ورغم تاريخية هذا اليوم، إلا أنه لن يقود فورا نحو تغييرات كبيرة ملموسة، فلكي يتم الانفصال بسلاسة، ستستمر المملكة المتحدة في تطبيق القواعد الأوروبية، دون أن تشارك في قرارات الاتحاد طيلة الفترة الانتقالية الممتدة حتى 31 كانون الأول (ديسمبر).
وخرجت المملكة المتحدة قبل ساعة واحدة من منتصف ليلة أمس من النادي، الذي انضمت إليه في 1973، لتدخل فترة انتقالية تتمتع فيها بكل مزايا العضوية باستثناء الاسم حتى نهاية هذا العام.
وبضربة واحدة سيتم حرمان الاتحاد الأوروبي من 15 في المائة من حجم اقتصاده، ومن أكثر الدول الأعضاء إنفاقا على التسلح ومن العاصمة المالية الدولية لندن، وسيشكل الانفصال مصير المملكة المتحدة ويحدد مقدار ثروتها للأجيال المقبلة.
وبخلاف المعنى الرمزي الكامن في أن تدير بريطانيا ظهرها إلى 47 عاما من العضوية، لن يتغير كثيرا فعليا حتى نهاية 2020 وهو التوقيت، الذي وعد فيه جونسون بإبرام اتفاقية تجارة حرة واسعة مع الاتحاد الأوروبي أكبر تكتل تجاري في العالم.
وبالنسبة للمؤيدين يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد حلم "يوم استقلال" بعيدا عما عده مشروعا محكوما عليه بالفشل يهيمن عليه الألمان، وأخفق في تحقيق أحلام سكانه البالغ عددهم 500 مليون نسمة.
لكن المعارضين يعتقدون أن "بريكست" حماقة من شأنها أن تضعف الغرب، وتنسف ما تبقى من النفوذ العالمي لبريطانيا، وتقوض اقتصادها وتؤدي في نهاية المطاف إلى تحويلها لمجموعة من الجزر المنعزلة في شمال المحيط الأطلسي.
ولن تكون هذه النهاية سوى بداية فصل ثان من مسلسل "بريكست" الطويل، هو المفاوضات المعقدة حول العلاقات، التي ستربط لندن وبروكسل في مجالات التجارة والأمن، أو حتى الصيد.
وترغب لندن في الانتهاء من ذلك خلال وقت قياسي، قبل نهاية العام، وترفض أي تمديد للمرحلة الانتقالية إلى ما بعد 2020، وتعد بروكسل أن مهلة كهذه ضيقة جدا.
وسبق لرئيس الوزراء البريطاني، الذي سيقدم رؤيته التفصيلية بداية الأسبوع الحالي، أن أعلن بوضوح أنه يرغب في التوصل إلى اتفاق تبادل حر على غرار، الذي جرى التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي وكندا، لا يشترط أن يكون متوائما مع قواعد الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى رفض الضوابط الجمركية.
في المقابل، ثمة من يخشى في بروكسل من الوصول إلى منافسة غير عادلة، وحذر مسؤولو الاتحاد الأوروبي (رؤساء المجلس والمفوضية والبرلمان) في مقالة نشرت في الصحافة الأوروبية، من أنه "في غياب شروط عادلة في مجالات البيئة والعمل والنظام الضريبي ومنح الدولة، لا يمكن أن تكون ثمة فرص واسعة للوصول إلى السوق الموحدة.. إذ لا يمكننا الحفاظ على المكتسبات المنشودة من العضوية حين نفتقد هذه الصفة".
من جانبه، حذر ليو فرادكار رئيس الوزراء الإيرلندي من "تهديد وجودي" على الاقتصاد الإيرلندي في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد "بريكست".
بدروها، عدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن "بريكست" يمثل "تغييرا جذريا" للاتحاد الأوروبي، وفق ما نقل عنها شتيفان سيبرت المتحدث باسم الحكومة في مؤتمر صحافي.
وعبر سيبرت أيضا عن رغبة برلين في أن تبقى المملكة المتحدة "شريكا وثيقا وحليفا"، مضيفا "نأسف لبريكست، ونعتقد أن أغلبية الشعب الألماني يشعر بالأسف أيضا، ولكننا نحترم قرار الشعب البريطاني".
ويشكل تحويل "بريكست" إلى خطوة ملموسة انتصارا لجونسون الذي نجح، حيث فشلت سلفه تيريزا ماي، التي خاضت مفاوضات طويلة وصعبة مع الاتحاد الأوروبي، ولم تتمكن من إقناع البرلمان بتمرير الاتفاق.
وبعدما أعاد التفاوض على النص في الخريف مع بروكسل، تمكن رئيس بلدية لندن السابق من تمريره في البرلمان في نهاية كانون الثاني (يناير) بعد حصوله على أغلبية برلمانية قوية، قبل أن يصادق عليه أيضا البرلمان الأوروبي في جلسة كانت مؤثرة جدا للنواب البريطانيين الأوروبيين عند رحيلهم.
وقال الممرض الثلاثيني أنتوني لاثام: "ثمة كثير من التهويل، ولكن أعتقد أن الأمر سيكون إيجابيا للمملكة المتحدة في نهاية المطاف".
ولا يتشارك الجميع هذا الموقف، ففي اسكتلندا، حيث أثار "بريكست" النزعات الانفصالية، قالت رئيسة الوزراء نيكولا ستورجن إنها "لحظة أسى حقيقي وعميق".
وإزاء رفض لندن القطعي السماح بإجراء استفتاء جديد على الاستقلال، أعربت ستورجن عن تصميمها على توسيع نطاق المعركة، مشيرة إلى إمكان التوجه إلى المحاكم للمطالبة بتنظيم استفتاء استشاري.
من جهة أخرى، نظم مشككون في الاتحاد الأوروبي نزهة وسط لندن أمس، تسخر من مزاعم متكررة لمسؤولي الاتحاد الأوروبي بأن بريطانيا تريد أن تحقق أكبر استفادة، عند مناقشة علاقاتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
ونظمت لوسي هاريس، وهي عضو سابق في البرلمان الأوروبي، مثلت المحافظين بزعامة رئيس الوزراء بوريس جونسون في ستراسبورج نزهة بعنوان "لديك كعكتك وتناولها" بمناسبة خروج بريطانيا من التكتل.
وكتبت هاريس، التي أسست تجمع "ليفرز أوف بريطانيا" المؤيد لـ"بريكست" على الموقع الإلكتروني للتكتل المؤيد لـ"بريكست" "حان وقت الاحتفال بهذا اليوم التاريخي".
وشجعت الأشخاص على جلب أعلام الاتحاد البريطاني (والمعروف أيضا باسم جاك الاتحاد) وهو علم المملكة المتحدة والانضمام إليها في غناء أغان من بينها النشيد الوطني "أرض الأمل والمجد" وأغنية "دونت جيت فولد آجين" للفرقة البريطانية ذا هوز 1971".
وتابعت هاريس: "لقد خططت لهذا الاحتفال منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لكن بسبب ظروف غير متوقعة، تم تأجيله قليلا".
وبدا أنها كانت تشير إلى حفلتين بعنوان "أيام بريكست"، تم إلغاؤهما العام الماضي، بعد أن مددت بريطانيا مفاوضاتها، التي كانت متعثرة واستمرت ثلاثة أعوام ونصف حول الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية