البنوك الأجنبية تعيد تشكيل المنافسة في القطاع المصرفي السعودي

البنوك الأجنبية تعيد تشكيل المنافسة في القطاع المصرفي السعودي

باتت السوق المصرفية السعودية أكثر تنافسية بفضل ازدياد مشاركة البنوك الأجنبية، واستحواذها على جزء من أعمال البنوك المحلية، ولا سيما بعد التوسع الكبير في عمليات تمويل الأفراد والشركات.
وأصبحت السعودية اليوم أهم وجهة للبنوك الإقليمية والعالمية بالنظر إلى حجم النمو الاقتصادي وإمكانات النمو المتاحة والمبادرات المتخذة باتجاه تنويع مصادر الدخل، إضافة إلى كونها أكبر كيان اقتصادي في المنطقة وتمتعها بإمكانات نمو هائلة.
ودخلت السوق المصرفية السعودية مرحلة جديدة، إثر السماح للبنوك الأجنبية بمزاولة الأعمال المصرفية في السعودية، حيث أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي 10 رخص لمزاولة الأعمال المصرفية لبنوك أجنبية، وكانت هنالك مخاوف من أن هذه المصارف ستقتطع جزءا كبيرا من أعمال المصارف السعودية وستسهم في إعادة تشكيل المنافسة الحالية، وأن الحصص السوقية ستتغير، بعد أن أعدت المصارف العالمية دراسات جدوى دقيقة قبل أن تفكر في دخول السوق السعودية، اعتمادا على ما تمتلكه من قدرات تنافسية، باستقطاع جزء من السوق الحالية ومن ثم التوسع في زيادة حصتها بما يتناسب مع أهدافها وسمعتها العالمية.
وتمتلك المصارف الأجنبية التي تتواجد معظمها في الرياض، استراتيجيات توسعية على مستوى المناطق الرئيسة مثل جدة، والدمام، غير أن مؤسسة النقد تشترط لتحقيق استراتيجية المصارف الأجنبية، تقديم قوائم مالية جيدة لتدشين فروع أخرى، وهو ما قد يشكل عقبة للمصرف الأجنبي، بعد تنامي عمليات المصارف المحلية، وعدم قدرة المصارف الأجنبية على مجاراتها في تقديم خدمات بنكية ولا سيما المتعلقة بالأفراد، وهو شرط اعتبره خبراء أنه "وسيلة دعم حقيقية للمصارف المحلية"، وفي هذا الصدد يقول فضل البوعينين الخبير المصرفي إن من حق مؤسسة النقد العربي السعودي أن تضع الشروط التي تكفل سلامة القطاع المصرفي، فمن مصلحة الجميع أن تكون الفروع الأجنبية على مستوى من الملاءة المالية لضمان حقوق المودعين. ولا يمكن أن يسمح بفتح فروع لبنوك أجنبية تعاني قوائمها المالية ضعفا قد يؤثر في أموال المودعين، أو أداء الفرع ومقدرته على تقديم الخدمات المالية المناسبة وفق المعايير التي تحددها مؤسسة النقد والمطابقة غالبا للمعايير العالمية.
ويرى البوعينين أنه يفترض أن تحقق الفروع الأجنبية إضافة حقيقية للعمل المصرفي السعودي، ففتح السوق السعودية أمام الفروع الأجنبية لا يعني تجاوز السلطات الرسمية (البنك المركزي) عن تطبيق المعايير الضامنة لتحقيق النجاح وسلامة القطاع المصرفي السعودي من أية إشكالات قد تحدث بسبب ضعف مراكز الفروع الأجنبية المالية.
غير أن مصدرا يعمل في مصرف خليجي في الرياض يلمح إلى أن البنوك الأجنبية العاملة في الرياض تواجه تحديات حقيقية بسبب اشتراطات مؤسسة النقد، وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكره "إن المصارف الأجنبية العاملة في السوق السعودية، ولا سيما الخليجية منها، لو تم نقل مقارها الرئيسة إلى السعودية، لن تستطيع تقديم قوائم مالية جيدة أسوة بالمصارف المحلية، فما بالك بفرع وحيد "، إلا أنه أوضح أن تلك المصارف تعمل حاليا على سحب القاعدة الذهبية لعملاء المصارف السعودية، ولا سيما أن المصارف السعودية تئن تحت وطأة حجم كبير من صغار العملاء، وهذا الكم الهائل يحتاج إلى خدمات كبيرة ترهقها ماديا وإداريا.
وتسعى المصارف الأجنبية إلى تسجيل حضور قوي في السوق المصرفية السعودية ببرامج مخصصة للأفراد والشركات تسهم في إثراء حاجة المستهلكين وفق منتجات إسلامية، وهنا يعود البوعينين ليوضح بأنه من الطبيعي أن تستحوذ فروع البنوك الخليجية والأجنبية على حصة من السوق المصرفية السعودية، ويعتمد حجم حصة كل فرع غير سعودي على مقدرته في تقديم الخدمات المصرفية المميزة، وتلبية متطلبات العملاء المحليين، مبينا أنه قد تلعب أسماء البنوك الأجنبية دورا بارزا في تسويق بعض الفروع الأجنبية داخليا إلا أن البقاء سيكون للأجود بغض النظر عن سمعة البنك وعلو اسمه في المصارف العالمية، ويشير البوعينين إلى مواجهة فروع البنوك الأجنبية والخليجية صعوبة في منافستها البنوك المحلية في الوقت الحالي نتيجة لمحدودية انتشارها وتأثيرها في السوق المحلية، إلا أن هذه الصعوبة ربما تتغير على المدى المتوسط، مشككا في الوقت ذاته من قدرة البنوك الأجنبية في منافسة البنوك المحلية في قطاع الأفراد، معتقدا أن منافستها الحقيقية ستكون في قطاع الشركات، والخدمات الخاصة على أساس أن البنوك الأجنبية عادة ما تتمتع بمراكز مالية ضخمة يمكن لها تلبية متطلبات قطاع الشركات بكل يسر وسهولة وإن كانت عن طريق المركز الرئيسي، إضافة إلى خبراتها الواسعة في مجالات الاستثمارات، الاستشارات، وتقديم الخدمات الخاصة لأصحاب الثروات الضخمة.
في الوقت نفسه، عادة ما تتركز الرساميل الضخمة، ومراكز الشركات الرئيسة في العاصمة و المدن الرئيسة الأخرى التي يفترض أن تشهد تواجدا لفروع البنوك الأجنبية، ويؤكد البوعينين أن منافسة البنوك الأجنبية ستكون محمومة، وربما حققت نجاحا لافتا في منافستها البنوك المحلية ساعدها في ذلك ملاءتها المالية وخبراتها العالية ودعم حكوماتها لها.
ويقدر معدل التسهيلات للقطاع المصرفي السعودي، بنسبة تفوق 23 في المائة في الأعوام الخمسة الممتدة من عام 2002 إلى عام 2007، وأشار تقرير اقتصادي حديث إلى أن إجمالي موجودات البنوك التجارية السعودية سجلت نموا بمعدل سنوي مركب بلغت نسبته 16 في المائة خلال الأعوام الخمسة الممتدة من عام 2002 إلى 2007 ليرتفع من 508 مليارات ريال عام 2002 إلى 1.075 مليار ريال بنهاية عام2007، واستمرت المطالبات من القطاع الخاص في الارتفاع لتغلق عند مستوى 1,173 مليار ريال من إجمالي الموجودات في الربع الأول من عام 2008.
وعرفت السعودية الاستثمار الأجنبي في القطاع المالي منذ أوائل الخمسينيات حيث تم منح تراخيص لعدد من المصارف الأجنبية لفتح فروع لها في المملكة وبحلول عام 1976 كان يعمل في المملكة 12 مصرفا بما فيها عشرة مصارف أجنبية، إلا أن السعودية اتجهت إلى توطين النظام المصرفي والاستفادة من الخبرات الأجنبية لدى البنوك العاملة في السعودية، نتج عن ذلك قيام شركات مصرفية سعودية أجنبية.
وشهدت السعودية تحولا كبيرا عام 2000 بدخول عصر جديد من الانفتاح عندما تم منح ترخيص لبنك الخليج الدولي، تبع ذلك إصدار تراخيص جديدة لأربعة مصارف من دول مجلس التعاون هي بنك الإمارات الدولي وبنك الكويت الوطني وبنك البحرين الوطني وبنك مسقط كما تم منح تراخيص لخمسة مصارف رئيسة أخرى دولية وهي "بي. إن. بي. باريباس" و "دويتشه البنك الألماني" و "جي. بي. مورجان" وبنك الهند الوطني وبنك باكستان الوطني.
وأكد مرضي الشمري، مسؤول رفيع في بنك الإمارات في الرياض، أن البنوك الأجنبية وهي تعيش مراحلها الأولى في السوق السعودية، استطاعت أن تحقق نتائج باهرة، كان من المتوقع أن تستقطع البنوك الأجنبية نسبة 15 في المائة من حصة السوق المصرفية السعودية، لكنها استطاعت الاستحواذ على ما يفوق 20 في المائة وهي نسبة مشجعة وجيدة.
واعترف الشمري أن منافسة البنوك الأجنبية للبنوك المحلية صعبة للغاية في تقديم خدمات بنكية للأفراد، إذ إن الأخيرة تمتلك خطوطا عريضة فيما يخص العملاء، وقال "من الصعب أن ينافس بنك أجنبي متواجد منذ عامين بنوكا محلية عريقة وكبيرة "، ووصف الشمري تقديم البنوك الأجنبية خدمات بنكية للأفراد بـ "المخاطرة الكبيرة", إذ أن الأفراد دأبوا على البنوك المحلية والتسهيلات التي تقدمها وانتشار الفروع وأجهزة الصرف الآلي، وهو أمر يصعب على البنوك الأجنبية، حيث إن أغلب البنوك الأجنبية ترسم استراتيجيتها الأولية على الشركات التي لا تحتاج عادة إلى انتشار فروع، إذ تتطلب الشركات معاملات بنكية معينة تتم عادة بالمراسلات الإلكترونية واليدوية.
ويرى المسؤول المصرفي في بنك الإمارات أن البنوك الأجنبية أسهمت بشكل كبير في كسر حاجز النسب المرتفعة فيما يخص إقراض الأفراد، مشيرا إلى أن بنك الإمارات تحديدا استطاع أن يخفض نسبة الإقراض إلى 3.5 في المائة، فيما كانت نسب الإقراض حتى وقت قريب مرتفعة جدا تصل إلى 5 و 6 في المائة، وبين أن بنك الإمارات يملك استراتيجية توسعية في السوق السعودية تستهدف المناطق الرئيسية، وسيتم تنفيذها بعد اندماج بنكي "الإمارات" و "دبي" في بنك واحد سيحمل مسمى وشعارا جديدين، وسيصبح أحد أكبر المصارف الخليجية.

الأكثر قراءة