الإمارات: دعوة لسن ضوابط دقيقة لشركات المحافظ المالية
دعا مجلس أبو ظبي للتطوير الاقتصادي الحكومة والجهات المعنية بالوضع الاستثماري في البلاد - في ضوء قضية المحفظة الوهمية التي كشفت شرطة أبو ظبي أخيرا عنها - إلى اتخاذ عدة إجراءات ووضع ضوابط تشجع عمليات الاستثمار في قنوات تخدم الوضع الاقتصادي وتبعد شبح عمليات الاحتيال التي قامت أو تقوم بها شركات وهمية من خلال الترويج لتوزيع أرباح خيالية على المودعين لأموالهم لديها.
وأكد المجلس أن محاربة ظاهرة المحافظ الوهمية عملية معقدة تجمع بين حزمة واسعة من المبادرات الاقتصادية والمالية من جهة وعدد كبير ومتنوع من الترتبيات والإجراءات التنظيمية من جهة أخرى، إضافة إلى جهود مستمرة تهدف إلى النهوض بمستويات الوعي الاستثماري والاقتصادي لدى عموم أفراد المجتمع.
وقال المجلس في تقرير حول "الشركات الوهمية في أبو ظبي..المؤشرات والدروس "..إن الارتفاع الكبير في حجم السيولة النقدية انطوى على زيادة ما بحوزة الأفراد من أموال الأمر الذي عزز الرغبة نحو البحث عن منافذ وفرص لاستثمارها بشكل يحقق عوائد مجزية، ولكن في ظل الظروف المالية والنقدية الحالية للاقتصاد الإماراتي والتي تتسم بشح المنافذ المجدية للادخار أو الاستثمار ووسط حالة من ضعف أو غياب الوعي الاستثماري والمعرفة بآليات العملية الاقتصادية وبالمستويات المعقولة للعوائد، فإن هذه الرغبة تتحول إلى مصيدة يضعها المحتالون أمام الأفراد البسطاء عبر إغرائهم بوعود كاذبة تتحدث عن تحقيق العوائد المرتفعة والأرباح السريعة.
وأكد المجلس ضرورة مواجهة هذه الظاهرة بتوسيع المجال الاستثماري المنتج عبر تشجيع مشاريع الأعمال الخاصة الصغيرة مشيراً إلى أن هذه المشاريع تعد المفتاح لإرساء أرضية تنمي روح العمل والاستثمار لدى الأفراد وتدفعهم إلى استخدام ما بحوزتهم من أموال في مجالات اقتصادية مجدية.
ولفت في هذا الصدد إلى أن الاكتفاء بتقديم الحوافز المشجعة لا يكفي لتحقيق الاستثمار ولزيادة أعداد المؤسسات الصغيرة..مؤكدا أهمية خلق الفرص الاستثمارية المجدية عبر مختلف الصيغ والآليات.
ودعا المجلس إلى إعطاء أهمية قصوى للوقوف عن كثب على حالة الادخار السائدة على ضوء معدلات الفائدة المنخفضة ومعدلات التضخم المرتفعة وصولا إلى تبني أدوات وآليات ادخارية تغري الأفراد باستخدامها بدلا من النزوع نحو الممارسات التي تنطوي على قدر كبير من المضاربة والمخاطر والمغامرة..مؤكدا أهمية وجود سوق ضخمة ومتطورة للسندات كوسيلة يمكن أن تسهم في امتصاص جزء من فائض المعروض النقدي لاستخدامه في أغراض أكثر إنتاجية.
كما دعا الجهات التنظيمية الرسمية إلى أن تنهض في أدائها المتعلق بمراقبة ومحاربة الظواهر الشاذة والمضرة قبل حدوثها وذلك عبر تبني المزيد من إجراءات الرقابة والإشراف والتفتيش والإسراع في التعرف على نشاط المحافظ غير المرخصة والسعي إلى توفيق أوضاع ما هو صالح منها عبر إلزامها بالنظم والقواعد المتبعة وأن يصاحب ذلك حملات توعية دائمة بضرورة التثبت والتأكد من هوية الأشخاص والشركات الذين يمارسون أنشطة استقطاب الأموال بهدف توظيفها وبضرورة الحذر من أي نشاط ينطوي على وعود مغرية. أضف إلى ذلك التعريف بفرص الاستثمار والادخار المجدية المتاحة أمام الأفراد مع حثهم على استغلال تلك الفرص بدلا من البحث عن عوائد سريعة ومبالغ فيها.
واستعرض المجلس قضية المحفظة الوهمية التي كشفت شرطة أبو ظبي عنها أخيراً التي انطوت على شخص غرر بأعداد كبيرة من "المستثمرين" وجمع مبالغ ضخمة منهم بحجة توظيفها أو استثمارها وتحقيق عوائد مجزية .. ولفت إلى أن هذه القضية شغلت أوساطا رسمية وشعبية واسعة في الإمارات خلال الأيام الماضية لما انطوت عليه من إثارة وما ترتب عليها من خسائر لمدخرات عدد كبير من المواطنين والمقيمين .
وحسب بيان الشرطة فإن المشتبه به كان يقوم بالفعل بتقديم الأرباح الشهرية إلى "المستثمرين" بعد مضي 30 يوما على تسلمه أموالهم.. إلا أنه لوحظ أن المشتبه به قد حرص على عدم إقامة علاقات مباشرة مع "المستثمرين" بل استعاض عن ذلك بقيام وسطاء في تسلم الأموال من المتورطين ودفعها إليهم.
وأشار مسؤولون في شرطة أبو ظبي إلى أن العدد الكبير نسبيا للمستثمرين في الشركة المذكورة قد ضم أفرادا من بين المتعلمين والعاملين في قطاعات حكومية مختلفة.
وأشار المجلس إلى أن الكشف عن هذه القضية أثار ردود فعل شعبية ورسمية واسعة حيث قامت شرطة أبو ظبي بنشر بعض تفاصيل التحقيق الجاري مع المشتبه به ومعاونيه والتي حظيت بتغطية واسعة في وسائل الإعلام فيما أصدر مصرف الإمارات المركزي دعوة موجهة إلى الجهات القضائية تقضي بالبحث عن وتجميد أي حسابات أو ودائع أو صناديق أمانات ومنع أي تحويلات بأسماء الأشخاص المتورطين.
ودفعت القضية وتداعياتها بالعديد من المراقبين والخبراء إلى نشر عدد من التقارير التي سعت إلى تقييم أوضاع القطاع المالي في الإمارات ومدى الآثار التي يمكن أن تتركها تداعيات تلك القضية عليه..كما أشارت تقارير أخرى إلى وجود حالات مشابهة من مزاولة بعض الشركات أو الأشخاص أعمال توظيف أموال الغير دون ترخيص من السلطات المنظمة.
وأوضح المجلس "أنه مع أن القضية لا تزال رهن التحقيق ولا يمكن البت الآن بشأن وجود أي انتهاك للقانون عدا مزاولة المشتبه به نشاطه دون ترخيص رسمي إلا أن ما تم الكشف عنه حتى الآن ينطوي على مؤشرات عديدة يمكن من خلالها استقاء دروس مهمة تتعلق بواقع القطاع المالي في أبو ظبي ودولة الإمارات بشكل عام وإمكانية بل وضرورة إحداث تغييرات في آليات هذا القطاع بما يعزز من دوره في النشاط الاقتصادي التنموي ويضمن حقوق الممولين ومصالحهم بغية استقطاب أكبر قدر ممكن من المدخرات في تمويل التنمية الاقتصادية وتنويعها".
وتناول التقرير أبرز المؤشرات التي تبرز عن هذه القضية وتشمل وجود فوائض من السيولة النقدية لدى الأفراد بانتظار الاستثمار في مجالات منتجة ومضمونة ويتعين على السلطات النقدية والمالية العمل على امتصاصه عبر مختلف الأدوات والآليات مؤكدا تنامي السيولة النقدية داخل الاقتصاد الإماراتي بمعدلات مرتفعة غير مسبوقة خلال السنوات القليلة الماضية حيث شهد المعروض النقدي نموا سريعا في الدولة في ظل ارتفاع أسعار وإيرادات النفط .. إذ سجل المعروض النقدي(م1) ممثلا في الأوراق النقدية والمسكوكات والحسابات الجارية نموا بنسبة بلغ متوسطها 23 في المائة سنويا منذ العام 2000 في حين بلغت نسبة النمو السنوي للمعروض النقدي (م2) الذي يجمع بين (م1) وحسابات التوفير والودائع الآجلة 17 في المائة منذ العام 2000.
وأشارت آخر الأرقام الصادرة في (آذار) مارس 2007 عن مصرف الإمارات المركزي عن ارتفاع المعروض النقدي (م3) وهو أوسع مقياس للنقود المتداولة في الأنشطة الاقتصادية إلى 692.4 مليار درهم في كانون الأول (ديسمبر) 2007 من 505.64 مليار درهم خلال الشهر نفسه من عام 2006..ويعد هذا ثاني أسرع معدل نمو للمعروض النقدي في خمسة أعوام.
ويعود هذا النمو بالدرجة الأولى إلى السياسات النقدية غير المتشددة القائمة حاليا على المستوى الاتحادي كما أنه تأثر بالنمو الكبير في الإيرادات النفطية وما صاحب ذلك من ارتفاع في حجم السيولة المحلية.
وقال المجلس في تقريره إنه من الطبيعي أن تنطوي هذه الأرقام المتزايدة للسيولة على زيادة ما بحوزة الأفراد من أموال نقدية يتعين على القطاع المالي أن يستوعبها وأن يوجهها نحو استخدامات تعود بالفائدة على الأفراد والاقتصاد بشكل عام.