هيئة سوق العمل تقضي على التستر وتوقف نزيف الاقتصاد

هيئة سوق العمل تقضي على التستر وتوقف نزيف الاقتصاد

يواصل الدكتور محمد بن عبد الله العبيشي اليوم، شرح تفاصيل مقترحه الذي طرحه أمس والذي يطالب بإنشاء هيئة مستقلة لسوق العمل بشقيه الوطني والوافد، بحيث يساهم في التخفيف أو القضاء على مشكلة البطالة يعتقد أنها باتت من أهم المشاكل التي تتطلب التعاون الجاد من مختلف الجهات.
اليوم، يستعرض العبيشي أرقاما أعلنتها مصلحة الإحصاءات العامة – وهي الجهة الحكومية الوحيدة المخولة بإصدار الأرقام والإحصاءات – ويشير إلى أنها تحتاج إلى إعادة نظر حيث تعتمد تعريفا ضيقا أخرج أكثر من مليوني شخص من قوة العمل السعودية حيث احتسب على أنها أنشطة نسائية.
ويستعرض الباحث دراسة بحثية أجراها في منطقة القصيم كشفت أن نسبة عالية من النساء تصل إلى 90 في المائة قالت إنها تريد العمل، في حين اعتبرت في أرقام مصلحة الإحصاءات العامة لا تريده أو لا تحتاج إليه لأنها تعمل في أنشطة منزلية.
ويصل الدكتور العبيشي إلى حقيقة مفادها أن حل مشكلة البطالة تحتاج إلى استراتيجية طويلة المدى تعتمد على ربط عنصر العمل الوطني بالاقتصاد ونموه للحد من الاستقدام، وبالضرورة تصل إلى وقف نزيف هدر الموارد الاقتصادية جراء التستر، ثم القضاء تدريجيا على المحال الصغيرة التي تعيش على التستر حيث تديرها وتملكها عمالة أجنبية. هنا تفاصيل المقال في جزئه الثاني والأخير:

حجم البطالة الحقيقي أكثر من 35 % في السوق السعودية
تعتمد وزارة العمل على أرقام تعلنها مصلحة الإحصاءات العامة ويتوافر لنا مؤشرات كثيرة تدعو الباحثين والدارسين والمراكز البحثية إلى إعادة النظر في دقة هذه الأرقام (ليس فقط دراسة أسباب البطالة بل أيضا حجمها الحقيقي) حيث تعتمد مصلحة الإحصاءات العامة على تعريف ضيق للبطالة يخرج أكثر من مليونين من قوة العمل السعودية معظمها نسائية بسبب أنشطة منزلية.

جدول رقم واحد

تشير نتائج بحث القوى العاملة جدول رقم 1 الذي أعدته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أخيرا إلى أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 453994 مواطناً في عام 1428هـ منهم 271007 ذكورا و182987 إناثا, وبلغ معدل البطالة العام للسعوديين 11.2 في المائة, بينما بلغ معدل البطالة للذكور 8 في المائة وللإناث 26.6 في المائة، من هذه الأرقام المعتمدة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات يمكن تحديد قوة العمل في الجدول نفسه بقسمة العاطلين على نسبة البطالة, والملاحظ في هذا الجدول أن قوة العمل الرجالية 3.387.587 أكبر خمس مرات تقريبا من قوة العمل النسائية 687.921 والفرق بين قوة العمل الرجالية والنسائية هو 2.699.666 من النساء وهذا يعتبر فارقا جوهريا وكبيرا في ظل المقاييس العالمية, ومع فرضية عدم وجود فروق جوهرية في أسباب كون الرجل أو المرأة خارج قوة العمل مثل يذهب للمدرسة أو عاجز أو مكتف وباستثناء سبب واحد متقاعد حيث إن عدد الرجال أكبر من عدد النساء وبهذا يبقى لدينا أهم سبب يمكن أن يتحمل الفرق بين قوة العمل الرجالية والنسائية التي هي ) 2.699.666حسب الإحصائيات الحالية لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات والفرق بين قوة العمل الرجالية والنسائية في عام 1422هـ حسب إحصائيات مجلس القوى العاملة هو 2.535.564) هذا السبب هو أنشطة منزلية والبالغة حسب الجدول التالي 2,822,502 لعام 1423هـ (ومن الملاحظ أن هذا الرقم أكبر لأنه يضم الفروق في الأسباب الأخرى وأهمها سبب التقاعد) وهذا العدد بأكمله من النساء في هذه الشريحة, ولذا يمكن أن يندرج الفارق بكامله بين قوة العمل الرجالية والنسائية من ضمن الفئة أنشطة منزلية.

4 سعوديات من كل 5 خارج حسابات البطالة
بشرح مبسط أي أن هناك - حسب الأرقام المعلنة والمعتمدة من قبل مصلحة الإحصاء العامة - أربع نسوة من كل خمس سعوديات في سن العمل (بعد استبعاد الطالبات والمتقاعدات والعاجزات وكل من هن خارج قوة العمل لأي سبب آخر غير الأنشطة المنزلية) ترغب في الأنشطة المنزلية - ربات بيوت - ولا ترغب في العمل خارج المنزل ولهذا السبب تخرج من قوة العمل ويصبح أكثر من ثلاثة ملايين من النساء خارج حسابات البطالة وخارج معدل البطالة المعلن حاليا 11.2 في المائة وبالمعنى نفسه هناك فقط امرأة واحدة من كل خمس سعوديات ترغب وتفضل العمل أو الوظيفة خارج المنزل مع القدرة.
فهل هذه حقيقة أم أن بعض الأرقام فيها بعض المبالغات؟ أم أن المجتمع تغير في نظرته تجاه عمل المرأة وبالتالي نحتاج إلى هذه الدراسة للإجابة عن بعض الأسئلة المهمة التي تؤثر في حسابات معدل البطالة؟

جدول رقم 2

الحقائق والمؤشرات الأخرى تناقض هذه النتائج أو هذه الأرقام, حيث تشير خطة التنمية السابعة - على سبيل المثال - إلى ارتفاع عدد الطلاب والطالبات المسجلين في الجامعات وكليات البنات والكليات الأهلية في مرحلة البكالوريوس من 282433 طالباً وطالبة عام 1419/1420هـ (1999) إلى 366344 طالباً وطالبة عام 1423/1424هـ (2003)، وشكلت الطالبات ما يزيد على 69.5 في المائة من مجموع المسجلين عام 1423/1424هـ (2003)، منهن 77.6 في المائة يتبعن كليات البنات، وبلغ أيضا إجمالي المتخرجين في مرحلة البكالوريوس خلال السنوات الأربع الأولى من خطة التنمية السابعة أكثر من 199 ألف طالبٍ وطالبة، منهم نحو 66 في المائة من الطالبات. والسؤال المطروح هنا: هل معظم هؤلاء الطالبات والمتخرجات (أربع من كل خمس نسوة) يرغبن في الأنشطة المنزلية, أي فقط لديهن حب التعلم والحصول على شهادات جامعية ورفض العمل خارج المنزل، أم أن السبب الحقيقي في عدم عمل المرأة هو عدم توافر فرص حقيقية تناسب بيئة عمل المرأة؟ وأكدت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن 47 في المائة من البطالة النسائية جامعيات.
ولهذا السبب يجب تضمين عدد أكبر من النساء داخل قوة العمل وحسابات البطالة لنحصل حتما على معدل مختلف تماما عن المعدل المعلن حاليا وهو 11.2 في المائة.

الدراسة الميدانية
بناء على دراسة استطلاعية (لعينة في منطقة القصيم فقط) قام بها الكاتب خلال الشهر الماضي اتضح أن نسبة عالية من النساء (90 في المائة تقريبا) تفضل العمل خارج المنزل مع القدرة على ذلك, وليست هناك علاقة قوية بين التعليم والرغبة في العمل، وهذه النتيجة تتعارض مع ما توصلت إليه مصلحة الإحصاءات العامة عام 1423 هـ وأوقفت المصلحة إصدار مثل هذه النشرة بعد عام 1423هـ وهي أن 2.822.502 من النساء في سن العمل يفضلن الأنشطة المنزلية على العمل خارج المنزل, وبناء على ذلك يعد هذا العدد الكبير خارج حسابات البطالة وأهمها معدل البطالة المعلن حاليا 11.2 في المائة، وقد يكون السبب في ذلك الاختلاف في النتيجة هو الفارق الزمني بين الدراستين وتغيرات حدثت في المجتمع خلال السنوات الست الماضية وبالذات تغيرات في رغبة النساء في العمل خارج المنزل, خاصة أن هناك نسبة كبيرة من العائلات السعودية لديها خادمات منزلية، وأيضا تغير في موقف ولي أمر المرأة من عملها خارج المنزل, وقد يكون العامل الاقتصادي لدى الأسرة السعودية أهم سبب في ذلك نظرا للتضخم وزيادات الأسعار وانخفاض القوة الشرائية في المتوسط للأسرة وتأثر الشرائح محدودة الدخل بهذا التغير أكثر.

نسبة عالية من البطالة
على أية حال وبغض النظر عن الأسباب ومن دون الدخول في تفاصيل الدراسة أو العينة سنكون أمام عدد كبير من البطالة النسائية, وبالتالي نسبة بطالة عالية لو افترضنا – وهذا افتراض منطقي ومتحفظ ومبني على نتائج الدراسة الاستطلاعية حتى الانتهاء من الدراسة التفصيلية التي تشمل معظم مدن المملكة - أن 50 في المائة فقط من النساء المصنفات خارج قوة العمل بسبب أنشطة منزلية (أكثر من ثلاثة ملايين) يرغبن ويستطعن بالفعل العمل خارج المنزل عند متوسط الدخل الفردي عندما تتوافر فرصة مناسبة – ودون الدخول في تفاصيل حول تعريفات ومصطلحات لأنواع أخرى من البطالة أو تعريف الأجر السائد - وبالتالي سيرتفع معدل البطالة في السوق السعودية إلى أكثر من 35 في المائة، مع العلم أن الرقم التقديري لعدد النساء لمن هن خارج قوة العمل فقط بسبب أنشطة منزلية في عام 1429هـ سيتجاوز ثلاثة ملايين بعد أن نأخذ في الحسبان نسبة النمو.

نصف مليون طالب وطالبة
أيضا توجد مبالغة بأكثر من نصف مليون طالب أو طالبة في عدد الذين هم خارج قوة العمل, وبالتالي خارج حسابات معدل البطالة المعلن حاليا بسبب يذهب للمدرسة (2.215.869) وذلك عند مقارنة هذا الرقم (الجدول السابق) لعام 1423 هـ بأعداد الطلبة والطالبات في كل من وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم وكذلك التعليم المهني والخاص (المرجع استراتيجية التوظيف السعودية موقع وزارة العمل على شبكة المعلومات العالمية )الإنترنت( التقرير الثاني ص 26) وعند إضافة هذا العدد لقوة العمل سيكون معدل البطالة أكثر من 40 في المائة مع العلم أن هذا الجدول لعام 1423هـ ومن المرجح أن الأعداد عام 1429 ستكون أكبر وحسب المرجع السابق (وزارة العمل استراتيجية التوظيف السعودية موقع وزارة العمل على شبكة المعلومات العالمية )الإنترنت( التقرير الثاني) فقد أوقفت المصلحة إصدار مثل هذه النشرة بعد عام 1423هـ.

أرقام مخيفة
لا شك أن هذه الأرقام والأعداد والنسب كبيرة جدا ومخيفة وتستحق مزيدا من الدراسات والتحليل والتأمل والعلاج والمواجهة الحقيقية وليس تصريحا أو بيانا أو مؤتمرا صحافيا تشكك أو تنفي أو تفند كل أو بعض ما ورد في هذا المقال من أي وزارة أو مؤسسة حكومية أخرى.
ودعت أيضا دراسات علمية أخرى لهذا الهدف, معللة أن الأرقام المعلنة حاليا من قبل مصلحة الإحصاءات العامة تخرج عددا كبيرا من قوة العمل خارج حسابات البطالة نتيجة استخدام مصلحة الإحصاءات العامة تعريفا ضيقا للبطالة مثل اعتبار من يبحث عن وظيفة حكومية وتقدم لها وينتظر وإن طال به الزمن ليس من أعداد البطالة, ومن هذه الدراسات استراتيجية التوظيف السعودية على موقع وزارة العمل على الإنترنت التقرير الثاني، مؤسسة النقد العربي السعودي، تقارير الأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي.

المرأة والعمل
إذا كانت لدينا قناعة بأن 50 في المائة على الأقل من النساء السعوديات من الذين في قوة العمل يفضلن العمل خارج المنزل على الأنشطة المنزلية كربات بيوت في حالة توافر الفرص الوظيفية المناسبة، يجب التأكيد هنا أيضا أن ولي أمر المرأة أو حتى المجتمع لم يرفض عمل المرأة خارج المنزل ويثبت رغبة المرأة وولي الأمر وكذلك المجتمع برمته في تفضيل عمل المرأة خارج المنزل على الأنشطة المنزلية نسبة النساء العاملات في القطاع التعليمي التي تماثل تقريبا القطاع التعليمي الرجالي وذلك عندما توافرت البيئة المناسبة لعمل المرأة, والمنطق نفسه ينطبق على رغبة الجميع في تعلم المرأة لدرجة أن نسبة الخريجات في الجامعات أكبر من نسبة الخريجين من الرجال.
والحقيقة المؤكدة أن المجتمع بصفة عامة لم يرفض عمل المرأة خارج المنزل حتى في الأعمال الأخرى غير التعليمية مثل البيعية، بدليل أننا نجد في كثير من الحالات نساء يفترشن الأرصفة وتمارس عملية البيع ولم ينكر عليها أحد هذا التصرف سوى بعض مراقبي البلديات الذين يحتجون بعدم وجود ترخيص مع العلم أنه لا يوجد بالبلديات قسم نسائي للحصول على مثل هذه التصاريح ولا يوجد في كل مكاتب العمل فروع النسائية ولا يوجد في كل الغرف التجارية أيضا فروع نسائية وهكذا, وهذه البيئة النسائية المفقودة تكاد تعمم على جميع الدوائر الحكومية الأخرى, وبالتالي ونتيجة لذلك اختفت أيضا القطاعات أو النشاطات الأخرى المكملة أو المساندة لها في القطاع الخاص ونظرا لغياب هذه البيئة الأولية النسائية في الجانب الحكومي يغيب أيضا البيئة المساندة النسائية في القطاع الخاص مثل مكتب خدمات نسائية ومكتب تعقيب نسائي ومكتب عقاري نسائي، وهكذا من الأمثلة على غياب البيئة الأولية النسائية في القطاع الحكومي, وبالتالي البيئة المساندة في القطاع الخاص وبعدها يمكن أن تتحول البسطة إلى بقالة وربما بعد فترة وجيزة تصبح سوبر ماركت ويمكن أن تكون سلسلة كبيرة وتتحول إلى شركة.

هيئة سوق العمل (الوطنية والوافدة)
إذا, فالحل لمشكلة البطالة وما يتعلق بها من أعراض أو مشكلات جزئية هو اتباع استراتيجية طويلة المدى تعتمد على ربط عنصر العمل الوطني بالاقتصاد ونموه وهذه الاستراتيجية سوف تقوم فورا بالحد من الاستقدام بنسبة كبيرة جدا وبطريقة عادلة أيضا, وثانيا على إيقاف النزيف وهدر الموارد الاقتصادية الذي يسببه الجديد من فرص التستر التي تخلق مزيدا من فرص الاستقدام, وكذلك القضاء التدريجي على العشوائية في كثرة المحال الصغيرة, خاصة المتسترة منها, وبتبني هذه الاستراتيجية نستطيع الحد من كثرة الاستقدام وبهذا يكون الاستقدام أكبر مصدر للتوظيف نظرا لأن الاستقدام مربوط فعلا بالاقتصاد ونموه إلى حد كبير, وكذلك ربط عملية التوظيف بالرخص الجديدة أو تجديدها (وعلى مستوى وزارة العمل أو هيئة سوق العمل ربط الاستقدام الجديد بالتوظيف أو ربط تجديد رخصة العمل بالتوظيف).

العمل الحر
كما يمكن لهذه الهيئة أن تتبنى نظام العمل الحر – سبق نشر تفاصيله في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 01/03/2008 - ليعمل بالتوازي مع نظام الكفيل إلى أن يكون بديلا عنه في الأجل الطويل من 10 إلى 15 سنة.
كما تطرقنا في الدراسة السابقة - جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 01/03/2008 - عن أهمية وضرورة إنشاء سوق العمل الإلكترونية ولتكن تابعة لهيئة سوق العمل, وهذا المشروع المقترح هو الفيصل في كلمة البطالة من حيث الحجم أو النوع أو المكان بل كل التفاصيل الأخرى المتعلقة بالبطالة – ولا حاجة للدراسات بعدها فهو حصري وآلي - وكذلك جزء من الحكومة الإلكترونية التي اعتمد لها مجلس الوزراء ثلاثة مليارات ريال ولجنة عليا مكونة من ثلاثة وزراء, وهذا المشروع الجديد المقترح هو آلية الربط والمتابعة والقضاء على السعودة الوهمية والرخص الوهمية والبطالة المسعودة أو العادية والمرحلة الأولى منه هي عملية ربط قواعد البيانات المركزية لدى وزارة الخدمة المدنية وقواعد البيانات لدى مؤسسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية وقواعد البيانات الأخرى المتعلقة بعنصر العمل أو الدخل مثل الضمان الاجتماعي ووزارة التعليم العالي وغيرها.
ونؤكد هنا أن مجلس الوزراء أصدر القرار رقم (40) وتاريخ 27/2/1427هـ الموافق 27/3/2006، بشأن إقرار ضوابط تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية في الجهات الحكومية الفقرة الخامسة (على كل جهة حكومية القيام بإدارة قواعد المعلومات والبيانات التابعة لها، وإتاحة البيانات المشتركة منها إلكترونياً للجهات الحكومية الأخرى المستفيدة لتمكين تكامل البيانات بين الأجهزة الحكومية، وتسهيل تقديم الخدمات الحكومية إلكترونياً، وذلك وفقا للمتطلبات التي يحددها البرنامج.
والمرحلة الثانية والمهمة من فكرة سوق العمل الإلكترونية هي مرحلة المدخلات والمخرجات أي عرض وطلب العمل الحصري ولهذه السوق حتما فروع في كل منطقة ومدينة رجالية وأخرى فروع نسائية ويتبع كل فرع مكاتب توظيف مساندة أهلية ولا يمكن أن يحصل أحد على وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص قبل أن يكون قد فتح ملفا بعرض عمله بعد توثيق العملية بالقدرات والمؤهلات والرغبات وبهذا ينتقل عنصر العمل بالكامل من المدرسة أو الجامعة أو المعهد إلى سوق العمل ويبدأ السجل التاريخي الوظيفي ومتابعة عنصر العمل الوطني والتفاصيل الأخرى المتعلقة بهذه المرحلة.

تنظيم وعلاج
أما المرحلة الثالثة فهي تبني البرامج التنظيمية والاقتصادية التي تحكم وتنظم سوق العمل مثل الرغبة في المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجات السوق أو التعامل مع الرخص الوهمية أو السعودة الوهمية أو التستر أو أي مشكلات أخرى متعلقة بسوق العمل. ويجب التأكيد هنا أن سوق العمل المقترحة هنا ليست مجرد موقع إلكتروني أو نظام لتسهيل المعاملات الحكومية أو نظام تخزين وتجميع للبيانات، وفي هذه المناسبة نكرر الدعوة لوزارة العمل بتبني مشروع سوق العمل الإلكترونية بالكامل كجزء من الحكومة الإلكترونية التي وفرت له الدولة المبالغ المطلوبة والكوادر البشرية وكل الاحتياجات الفنية وعدم التأخر في المبادرة, لأن عنصر العمل أهم وأغلى ما تملكه أي دولة في العالم, وهذه السوق هي الفيصل في حجم البطالة بل في نوعها وتفاصيل أخرى لا نهائية عن موضوع البطالة تمثل الدعم الكامل لمتخذ القرار والمخطط الاقتصادي.

ملخص الدراسة
من الملاحظ أن معدلات وأرقام البطالة الرسمية المعلنة (11.2 في المائة) في سوق العمل السعودية أقل مما هو مدون في بعض الدراسات أو النشرات التي تصدرها المنظمات أو الهيئات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي بما فيها استراتيجية التوظيف السعودية على موقع الوزارة على الإنترنت، وفي محاولة من الكاتب لفهم وتحليل هذه النسب والأرقام وجدنا: 1) أن هناك فرقا جوهريا وكبيرا بين قوة العمل الرجالية والنسائية, حيث تبلغ قوة العمل الرجالية خمسة أضعاف قوة العمل النسائية تقريبا ( جدول رقم 1 المرجع مصلحة الإحصاءات العامة) رغم التماثل تقريبا بين الرجال والنساء من حيث العدد, ويرجع السبب في هذا الفارق الجوهري إلى استبعاد نحو 80 في المائة من قوة العمل النسائية من حسابات البطالة لاختيارهن الأنشطة المنزلية على الرغبة في العمل خارج المنزل حسب الإحصائيات الرسمية ( جدول رقم 2 المرجع مصلحة الإحصاءات العامة).
والسؤال المطروح هنا في هذه الدراسة هل هناك فعلا أربع نسوة من كل خمس في سن العمل ترغب أو تفضل الأنشطة المنزلية على العمل خارج المنزل ليتم استبعادها من حسابات البطالة ( حسب جداول مصلحة الإحصاءات العامة والتي توصلت بناء على ذلك لمعدل وقدره 11.2 في المائة )، ومن خلال الدراسة التي قمنا بها وجدنا في الحقيقة العكس أي أن هناك أربع نسوة من كل خمس تفضل وترغب وتستطيع العمل خارج المنزل وبناء على ذلك ومن باب التحفظ فلو افترضنا أن فقط 50 في المائة من العدد خارج قوة العمل بسبب أنشطة منزلية تفضل فعلا العمل خارج المنزل وليس أنشطة منزلية ومن ثم يجب تضمين هذا العدد في حسابات وأرقام ومعدلات البطالة لأصبحت النسبة الحقيقية في هذه الحالة للبطالة في السوق السعودية أكبر من 35 في المائة.
2) من المؤكد أن معدل البطالة سيكون أكبر من 40 في المائة إذا أخذنا في الحسبان الأعداد الأخرى خارج قوة العمل أو خارج البطالة بسبب التعريف الضيق للبطالة الذي نتج عنه الرقم المعلن حيث لم يشمل هذا المعدل 11.2 في المائة على سبيل المثال الذين لا يعملون بسبب تفضيلهم مواصفات أو شروطا معينة ولا يشمل الذين يرغبون في العمل في القطاع الحكومي وينتظرون هذه الفرصة فقط وإن طال بهم الزمن, ويصف البعض هذه الشريحة بالبطالة الاختيارية.
3) الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن البطالة بغض النظر عن اسمها أو وصفها بالاختيارية أو المقنعة أو الهيكلية أو الإجبارية أو السافرة أو العادية تظل بطالة ومشكلة كبيرة وتحتاج إلى التدخل الحكومي القوي - إنشاء هيئة سوق العمل - لأنها طاقة بشرية وطنية عاطلة ولكم أن تتخيلوا الحجم الحقيقي للطاقة الوطنية البشرية العاطلة عندما نجمع كل أنواع البطالة.
4) هذه الأرقام والنسب الكبيرة للبطالة - بغض النظر عن الأسماء والأوصاف - تمثل كارثة تحل بعنصر العمل الوطني وتؤثر في جميع جوانب الحياة بما في ذلك الجوانب الأمنية, لذا فالموضوع يستحق مزيدا من الدراسات والتحليل والتأمل والتدخل الحكومي القوي وليس تصريحا أو بيانا أو مؤتمرا صحافيا تشكك أو تنفي أو تفند كل أو بعض ما ورد في هذا المقال أو فقط وصفه بالمتشائم بهدف تقليل وتخفيف حجم المشكلة, الأمر الذي لا يخدم قضية البطالة.
ونقصد بالتدخل الحكومي المطلوب والذي يفرض نفسه في هذه الظروف والمشكلات المتعلقة بعنصر العمل الوطني والتي من أهمها البطالة هو إنشاء هيئة سوق العمل (الوطنية والوافدة) ولها شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري وتمويل ذاتي وتمنح كل الصلاحيات والإمكانات للقضاء على البطالة وتنظيم سوق العمل وإصدار الرخص أو تجديدها والتعامل مع كل المشكلات الأخرى المتعلقة بتنظيم سوق العمل السعودية, والتي من أهمها إنشاء سوق العمل الإلكترونية المقترحة في مقالات سابقة كجزء من مشروع الحكومة الإلكترونية والبرامج الأخرى الطموحة لتوطين الوظائف، وهذه الهيئة لسوق العمل هي الفيصل في كلمة البطالة والتعامل معها من حيث الحجم أو النوع أو المكان, بل كل التفاصيل الأخرى المتعلقة بالبطالة بما فيها الحلول, وتعد هذه الهيئة الجديدة هي البداية الأولى الحقيقية للتعامل مع قضية السعودة أو توطين الوظائف أو مشكلات سوق العمل السعودية الكثيرة, التي من أهمها البطالة.
باختصار شديد يمكن القول إن إنشاء هيئة لسوق العمل تابعة لوزارة العمل مشابهة تماما لفكرة هيئة سوق المال التابعة لوزارة المالية من حيث دورها في السوق المالية ومهمتها وعلاقتها مع وزارة المالية.

[email protected]

الأكثر قراءة