النفط في "سوق" الإرهاب

النفط في "سوق" الإرهاب

[email protected] "يكفي لانتصار الشر ألاّ يحرّك الخيّرون ساكناً" إدموند بورك فيلسوف وسياسي بريطاني "الصدمة" الإيجابية الناجمة عن نجاح السلطات الأمنية السعودية توقيف أكثر من 520 شخصا من جنسيات مختلفة، كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إجرامية في كل أنحاء المملكة. طرحت مجموعة من الأسئلة، لا تنحصر فقط في هوية وعمق ارتباط هؤلاء الموقوفين، بالمخططات الإرهابية لتنظيم القاعدة، بل تشمل أيضا الأهداف التي وضعها الإرهابيون على رأس قائمة عملياتهم الإجرامية المزمعة. فهذه المرة هناك تركيز واضح على ضرب المنشآت النفطية في السعودية، بل إنها وضعت على رأس الأولويات. فقد وجدت السلطات الأمنية في حوزة أحد المعتقلين رسالة من الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، يحثه فيها على جمع الأموال، ويخبره بأنه سيوفر له من أسماهم بـ "المجاهدين"، من العراق وأفغانستان وشمال إفريقيا، لاستهداف المنشآت النفطية في المملكة. إذا.. يحاول الإرهابيون الذين يواجهون تراجعا لافتا لتحركاتهم في الأشهر القليلة الماضية، في أكثر من موقع ينشطون فيه، أن يكون لأعمالهم الإجرامية بعد عالمي .. لا محلي، وتأثير دولي .. لا إقليمي، طبعا هذا إلى جانب إحداث أكبر قدر ممكن من الأضرار المدنية، وإسقاط أكبر عدد من الضحايا، بصرف النظر عن هوياتهم، وطبيعة أعمالهم. وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة لم يكن يوفر سابقا في مخططاته المنشآت النفطية السعودية - وفي الواقع لا يوفر أي شيء يلفه الأذى ـ إلا أنه ومن معه من عملاء ومتورطين داخل السعودية، يعرفون تماما أن نجاح أية عملية ـ لا سمح الله ـ تستهدف أية منشأة نفطية ـ مهما كان حجمها ـ في هذا الوقت بالذات، يحقق العديد من الأهداف. في مقدمتها: إرباك أسواق النفط العالمية، المرتبكة أصلا، ودفع أسعار النفط إلى الارتفاع لمستويات تاريخية أخرى، في الوقت الذي يخطط فيه العالم، مع الدول المنتجة وعلى رأسهم السعودية، إلى التوصل إلى مستوى سعري معقول لهذه المادة الحيوية. وأمام هذه الكوارث يستطيع تنظيم القاعدة ومجندوه أن يحققوا ضربة إعلامية لمصلحتهم، قد لا تفوق الناتج الإعلامي لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001، لكن لا غرابة في أن توازيه، خصوصا بعدما أصبح قادة التنظيم الإرهابي ـ نتيجة تداعي قوتهم وتأثيرهم ـ أقرب إلى "محللين سياسيين" في الآونة الأخيرة، وبعد أن أخذ حضور أسامة بن لادن على الساحة الدعائية في الأفول. فالخلايا التي فككت، كانت في غالبيتها قرب موانئ تصدير النفط، والمنشآت البتروكيماوية، وإلى جانب أي مركز مهم يرتبط بالإنتاج النفطي. يعني هذا أنه لو لم تنجح السلطات الأمنية في القبض على هؤلاء الإرهابيين، لوقع العالم بأسره في كارثة حقيقة، تحتاج إلى وقت طويل للتخلص من آثارها وتبعاتها، وقبل هذا وذاك من أضرارها. ومثل هذه العمليات الإجرامية، لا تسبب الضرر الآني فقط، بل الأضرار الاستراتيجية. بمعنى أنها لن تعطل فقط عمليات الإنتاج النفطي من المنشآت والمصافي لفترة محددة، بل ستوقف كل العمليات الهادفة إلى تطوير المصافي والمنشآت، وإيقاف كل المخططات الخاصة بإضافة المزيد من الآبار النفطية، إلى حركة الإنتاج السعودية. فعلى سبيل المثال، هناك خطط لدى شركة "أرامكو" السعودية لزيادة عدد الآبار المحفورة في أنحاء المملكة إلى 248، بينما كان الهدف المبدئي 187 بئرا. وتخطط الشركة الضخمة أيضا إلى رفع حجم الاستثمارات لديها بنسبة 40 في المائة بين العامين 2009 و2013. وكل ذلك من أجل مواجهة الطلب العالمي المتزايد على النفط، وفشل الطاقة البديلة ـ حتى الآن - في حجز مكان مؤثر لها في الساحة العالمية، وازدياد عدد الاقتصادات العالمية التي تشهد نموا بسرعة البرق. فالمملكة تخطط إلى بلوغ إنتاجها النفطي بحلول نهاية العام 2009 إلى أكثر من 12.5 مليون برميل يوميا ـ الآن تنتج تجاوبا مع حالة السوق العالمية واستنادا إلى مرونة صانعي القرار في السعودية في هذا المجال ـ 9.7 مليون برميل يوميا، ومع ذلك لم تتراجع أسعار النفط، بل ارتفعت، وهناك توقعات أن يصل سعر البرميل بحلول نهاية العام الجاري إلى 200 دولار أمريكي. وهناك الكثير من المخططات في المجال النفطي وما يرتبط به في السعودية، وذلك لخدمة الاقتصاد العالمي، لا المحلي فقط، الأمر الذي لا بد أن يكرس حقيقة أن هذه المادة لا ينبغي أن يتم التعامل معها كسلعة خام فقط، بل كمادة تدخل ضمن نطاق الأمن الوطني، الذي يرتبط ـ في الحالة السعودية ـ بالأمن العالمي. ومن هنا فإن أية عملية أمنية تستهدف القضاء على الإرهابيين وعملائهم، هي في الواقع عملية تحمي المستقبل، بقدر ما توفر الأمان للحاضر. لقد أظهر الإرهابيون، سعادة عارمة عندما حققوا أكبر حجم من الأضرار المادية والبشرية في أية عملية إجرامية نجحوا في تنفيذها. ولا يعتبرون قتل الأبرياء جبنا، بل هدفاً يدعم بقية الأهداف الشريرة الأخرى لهم. فكيف الحال إذا استطاعوا أن يعطلوا حركة الحياة. إنهم بذلك ينجحون في قتل العناصر الأساسية للمستقبل. فتوقيف أكثر من 520 شخصا من جنسيات مختلفة، في إطار عمليات الاعتقال، وفر أكثر من 520 في المائة "فرصة" أمن أخرى للمجتمع السعودي أولا، والإقليمي ثانيا، والدولي ثالثا، وحصن المنشآت النفطية والبتروكيمياوية، وكذلك الموانئ وما يرتبط بهذه الصناعة. فالحالة الأمنية الراهنة في المملكة أحدثت مفهوما جديدا هو: أن النهضة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، تواكبها نهضة أمنية باتت ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى. فلا شيء يحبط الإرهابيين إلا مستقبل آمن مستنير. وهذا هو السلاح الأمضى ضد أي ضال.
إنشرها

أضف تعليق