أبعاد الغزو الروسي لجورجيا .. رؤية نفطية

كان نيقولو ماكيافيلي مؤلف كتاب "الأمير"، الذي يضمنه مفاهيم النجاح في السياسة، الذي يضم تجسيدا للشرور ولكنها حقائق. ماكيافيلي صاحب "الغاية تبرر الوسيلة"، وصاحب العبارة الأشهر لا توجد في السياسة صداقات وقلوب ومشاعر ولكن توجد حسابات وعقول ومصالح، ويكاد يكون الرجل المعلم الأكبر لأكبر ساسة ظهروا على المسرح العالمي. فرغم أنه عاش في القرن الثاني عشر إلا أن أتباعه استمروا حتى الآن ومنهم كلمينصو الفرنسي وميترنيخ النمساوي مخطط أوربا في معاهدة وستفاليا ومنهم لويد جورج ونزرائيلي وماكدونالد وتشرشل ولينين وفردريك الأعظم وكاترين الثانية إلخ. ولعل أشهر من يقارن بماكيافيلي هو هنري كيسنجر الذي شارك أستاذه.الفلورنسي رأيه في أهمية التريث والتروي. وهو ما لم تفعله جورجيا عندما تخلت عن هذا التروي والتريث لتغزو أرضا تعتبرها روسيا جزاء من مجالها الحيوي. جاء الرد الروسي ليؤكد لجورجيا أن الدب الروسي لم ينزع بعد أنيابه ومخالبه. خاصة أن جورجيا بوساطة إسرائيلية دءوبة تريد دخول حلف شمال الأطلنطي، الذي تنظر إليه موسكو بخوف وحذر. وكانت الضربة واضحة البيان وتقول: لن نسمح بزحف حلف شمال الأطلنطي على ساحة بيتنا الخلفية. مع عودة هذا التحدي الذي يعيد للأذهان أيام الحرب الباردة كان لا بد لروسيا أن تبلور استرتيجية مواجهة، وكانت الطاقة نواة هذه الاسترتيجية، فالسيطرة على سوق النفط تمثل تحديا كبيرا وضغطا حقيقيا على أمريكا، التي تتلقى ضربات مناخية ومالية وعسكرية من الأعاصير والأسواق المالية ورجال المقاومة في أفغانستان والعراق. والخطوة الأولى هي إعادة أذربيجان وتركمانستان إلى الحظيرة الروسية ويلي ذلك تحويل القوقاز إلى فنلندا (أي إلى نظام حر ولكنه يعترف بالنفوذ والجوار الروسي) فتصبح حقولهم إضافة إلى الحقول الروسية رصيدا هائلا له وزنه في التأثير في أسواق الطاقة العالمية.
فالنفط والغاز ليسا مثل القهوة والكاكاو أو حتى المبردات لأنهما يكسبان صاحبهما نفوذا حقيقيا، ويدرك الروس أهمية ذلك بالنسبة لدول أوربا المتعطشة للنفط. وقد أحسن بوتين صنعا عندما ضرب إسفينا بين أوربا وأمريكا عندما قال للأوربيين:"انظروا من الذي أتى ليجعلنا لا نصدر لكم نفطكم؟" وهو يضع نصب عينيه زيادة الاعتماد الأوربي على روسيا. أما جورجيا فهي ليست بلدا نفطيا ولكنها تحتفظ على أراضيها بشبكة من أنابيب النفط وبذلك فهي تمنع روسيا من وضع يديها على نفط بحر قزوين المتجه إلى أوروبا. ولذلك أسرعت القوات الروسية بعد غزو جورجيا بالسيطرة على أنابيب باكور سوبسا، الذي ينتهي إلى البحر الأسود. وهدد الروس بالاستيلاء على خط أنابيب باكو – تبليسي – سيهان، الذي ينتهي على حدود تركيا على البحر الأبيض. وإذا بقي الروس في جورجيا فإنهم سيظلون مسيطرين على كميات كبيرة من النفط المقرر إرساله إلى الغرب والذي لم يخضع أبدا للخيارات أو القرارات الروسية.
وتدق إسرائيل الطبول لأن موسكو غير راضية عن الحملة الأمريكية - الإسرائيلية المشتركة ضد إيران، وفي معرض التهوين من الخطر الإيراني قال الروس إنهم أقوى نوويا من إيران ولا يخشون منها شيئا، فضلا عن وجود الأسلحة النووية لدى إسرائيل دون ضوضاء أمريكية. وتقلل موسكو من جدية ما تدفع به واشنطن وتل أبيب من أن إيران تهدد الخليج وتركيا وتقوي الشيعة وتتحدى أمريكا. كما تقف موسكو مع شافيز في فنزويلا وقالت بالحرف الواحد "الرجل يدافع عن استقلال قراره" فيم الضرر؟. والخوف الأمريكي في هذه الجولة من حروب الطاقة يتمثل في احتمال قيام تحالف نفطي قوي يضم روسيا وفنزويلا ضد التوجهات الأمريكية، التي تهيمن على حركة النفط أسعارا وكميات. لذلك تلجأ أمريكا إلى استكشاف مناطق جديدة والتوسع في التخزين والعمل باستراتيجية كيسنجر – مواجهة الخنق الاقتصادي بالقوة العسكرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي