المشراق

الأهرامات وأبوالأهوال في التراث العربي

الأهرامات وأبوالأهوال في التراث العربي

الأهرامات وأبوالأهوال في التراث العربي

الأهرامات وأبوالأهوال في التراث العربي

الأهرامات وأبوالأهوال في التراث العربي

تعد أهرامات الجيزة بمصر من عجائب الدنيا، وقد لفتت نظر كل من رآها قديما وحديثا، وتحدث عنها المؤرخون والجغرافيون والرحالة منذ القدم.
قال المسعودي في مروج الذهب: "والأهرام طولها عظيم، وبنيانها عجيب، عليها أنواع من الكتابات بأقلام الأمم السالفة، والممالك الداثرة، لا يحرى ما تلك الكتابة ولا ما المراد بها". والغالب في كتب التراث العربي والشعر تسمية الأهرامات بالهرمين. في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" يقول المقدسي: "وفيه عجائب منها الهرمان اللذان هما أحد عجائب الدنيا من حجارة شبه عماريتين ارتفاع كل واحدة 400 ذراع بذراع الملك في عرض مثلها قد ملئت بكتابة يونانية".
وفي قصيدة المتنبي التي مطلعها:
الحزن يقلق والتجمل يردع
والدمع بينهما عصي طيع

يقول ضمنها:
أين الذي الهرمان من بنيانه
ما قومه، ما يومه، ما المصرع

ابن جبير والأهرامات
والنصوص النثرية والشعرية التي تتحدث عن الأهرامات في كتب التراث كثيرة جدا، وللرحالة ابن جبير في رحلته الشهيرة نص مهم عن الأهرامات وأبي الهول، الذي يذكر أن اسمه أبوالأهوال، يقول ابن جبير: "وبمقربة من هذه القنطرة المحدثة الأهرام القديمة، المعجزة البناء، الغريبة المنظر، المربعة الشكل، كأنها القباب المضروبة قد قامت في جو السماء، ولا سيما الاثنان منها، فإنهما يغص الجو بهما سموا، في سعة الواحد منها من أحد أركانه الركن الثاني 300 خطوة و66 خطوة. قد أقيمت من الصخور العظام المنحوتة. وركبت تركيبا هائلا بديع الإلصاق دون أن يتخللها ما يعين على إلصاقها، محددة الأطراف في رأي العين، وربما أمكن الصعود إليها على خطر ومشقة فتلفى أطرافها المحددة كأوسع ما يكون من الرحاب، لو رام أهل الأرض نقض بنائها لأعجزهم ذلك. للناس في أمرها اختلاف: فمنهم من يجعلها قبورا لعاد وبنيه، ومنهم من يزعم غير ذلك. وبالجملة فلا يعلم شأنها إلا الله- عز وجل. ولأحد الكبيرين منها باب يصعد إليه على نحو القامة من الأرض أو أزيد ويدخل منه بيت كبير سعته نحو 50 شبرا وطوله نحو ذلك. وفي جوف ذلك البيت رخامة طويلة مجوفة شبه التي تسميها العامة البيلة يقال إنها قبر والله أعلم بحقيقة ذلك. ودون الكبير هرم سعته من الركن الواحد إلى الركن الثاني 140 خطوة. ودون هذا الصغير خمسة صغار وثلاثة متصلة والاثنان على مقربة منها متصلان. وعلى مقربة من هذه الأهرام بمقدار غلوة صورة غريبة من حجر قد قامت كالصومعة على صفة آدمي هائل المنظر، وجهة الأهرام وظهره القبلة مهبط النيل، تعرف بأبي الأهوال".

ياقوت الحموي

ولياقوت الحموي في "معجم البلدان" نص طويل ومهم عن الأهرامات قال ضمنه: "ولذلك قال بعض من رآهما ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين فإني أرحم الدهر منهما". قال عبيد الله مؤلف هذا الكتاب وقد رأيت الهرمين وقلت لمن كان في صحبتي غير مرة أن الذي يتصور في ذهني أنه لو اجتمع كل من بأرض مصر من أولها إلى آخرها على سعتها وكثرة أهلها وصمدوا بأنفسهم عشر سنين مجتهدين لما أمكنهم أن يعملوا مثل الهرمين وما سمعت بشيء تعظم عمارته فجئته إلا ورأيته دون صفته إلا الهرمين فإن رؤيتهما أعظم من صفتهما. قال ابن زولاق ولم يمر الطوفان على شيء إلا وأهلكه وقد مر عليهما لأن "هرمسى" وهو إدريس قبل نوح وقبل الطوفان، وأما الهرم الذي بير هرميس فإنه قبر قرباس وكان فارس مصر وكان يعد بألف فارس فإذا لقيهم وحده لم يقوموا له وانهزموا وإنه مات فجزع عليه الملك والرعية ودفنوه بدير هرميس وبنوا عليه الهرم مدرجا، وبقي طينه الذي بني به مع الحجارة من الفيوم وهذا معروف إذا نظر إلى طينه لم يعرف له معدن إلا بالفيوم وليس بمنف ووسيم له شبة من الطين، وقال ابن عفير وابن عبد الحكم وفي زمان شداد بن عاد بنيت الأهرام فيما ذكر عن بعض المحدثين ولم نجد عند أحد من أهل العلم من أهل مصر معرفة في الأهرام ولا خبرا ثبت إلا أن الذي يظن أنها بنيت قبل الطوفان، فلذلك خفى خبرها ولو بنيت بعده لكان خبرها عند الناس ولذلك يقول بعضهم:
حسرت عقول ذوي النهى الأهرام
واستصغرت لعظيمها الأحلام
ملس منبقة البناء شواهق
قصرت لغالٍ دونهن سهام
لم أدر حين كبا التفكر دونها
واستوهمت بعجيبها الأوهام
أقبور أملاك الأعاجم هن أم
طل رمل كن أم أعلام

وقال ابن عفير لم تزل مشايخ مصر يقولون إن الأهرام بناها شداد بن عاد وهو الذي بنى المغار وجند الأجناد والمغار والأجناد هي الدفائن وكانوا يقولون بالرجعة فكان إذا مات أحدهم دفنوا معه ماله كائنا ما كان وإن كان صانعا دفنت معه آلته وذكر أن الصابئة تحجها ومن عجائب مصر الهرمان، إذ ليس على وجه الأرض بناء باليد حجر على حجر أطول منهما وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضعان، ولذلك قيل ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين فإني أرحم الدهر منهما، وعلى ركن أحدهما صنم كبير يقال إنه بلهيت ويقال إنه طلسم للرمل، لئلا يغلب على كورة الجيزة وإن الذي طلسمه بلهيت وسبب تطلمسه أن الرمال غربية وشمالية كثيرة متكاثفة فإذا انتهت إليه لا تتعداه وهو صورة رأس آدمي ورقبته ورأسا كتفه كالأسد وهو عظيم جدا حدثني من رأى نسرا عشش في أذنه وهو صورة مليحة كأن الصانع فرغ منه عن قرب وهو مصبوغ بحمرة موجودة إلى الآن مع تطاول المدة وتقدم الأعوام. قال المعري:
تضل العقول الهبرزيات رشدها
ولا يسلم الرأي القويم من الأفن
وقد كان أرباب الفصاحة كلما
رأوا حسنا عدوه من صنعة الجن

وقال أبو الصلت وأي شيء أعجب وأغرب بعد مقدورات الله- عز وجل- ومصنوعاته من القدرة على بناء جسم من أعظم الحجارة مربع القاعدة مخروط الشكل ارتفاع عموده 300 ذراع ونحو 17 ذراعا تحيط به أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع طول كل ضلع منها 400 ذراع و60 ذراعا وهو مع هذا العظم من إحكام الصنعة وإتقان الهندام وحسن التقدير بحيث لم يتأثر إلى هلم جرا بتضاعف الرياح وهطل السحاب وزعزة الزلازل وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربي على ما شاهدناه منهما. قال واتفق إن خرجنا يوما فلما طفنا بهما وكثر تعجبنا منهما تعاطينا القول فيهما فقال بعضنا يعني نفسه:
بعيشك هل أبصرت أحسن منظرا
على طول ما أبصرت من هرمي مصر
أطافا بأعنان السما وأشرفا
على الجو إشراف السماك أو النسر
وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا
كأنهم ثديان قاما على صدر
قال وزعم قوم أن الأهرام الموجودة بمصر قبور الملوك العظام أثروا أن يتميزوا بها عن سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور، ولما وصل المأمون إلى مصر أمر بنقبهما فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل فوجد في داخله "مهاو" و"مراق" يهول أمرها ويعسر السلوك فيها ووجد في أعلاها بيتا مكعبا طول كل ضلع من أضلاعه ثماني أذرع وفي وسطه حوض رخام مطبق فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمة بالية قد أتت عليها العصور الخالية فأمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه، وفي سفح أحد الهرمين صورة آدمي في عظيم مصبغة وقد غطى الرمل أكثرها وهي عجيبة غريبة، وفيها يقول ظافر الحداد الإسكندري:
تأمل بنية الهرمين وانظر
وبينهما أبو الهول العجيب
كعماريتين على رحيل
لمحبوبين بينهما رقيب
وماء النيل تحتهما دموع
وصوت الريح عندهما نحيب
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق