وثبة الطاقة الشمسية في السعودية

أخيرا اتضح موقف المملكة من الطاقة المتجددة وقالت كلمتها عندما وقع ولي العهد بصفته رئيسا لمجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة مع ماسايوشي سون رئيس مجلس إدارة سوفت بنك مذكرة تفاهم لإنشاء وتنفيذ "خطة الطاقة الشمسية 2030". وأشير هنا إلى التزام المملكة بإطلاق استثمارات ضخمة في سلاسل الإمداد كافة، الأمر الذي سيتيح للمملكة فرصة إعادة تشكيل هويتها المرتبطة بالنفط منذ عقود إلى مصدر موثوقٍ للطاقة بأنواعها كافة المتجددة منها والتقليدية. وبعد اكتمال دراسات الجدوى بين الطرفين حول الاستثمارات المتعلقة بالطاقة الشمسية، يتوقع الإعلان عن تفاصيل المشاريع التي ستتيح للمملكة تطوير وتصنيع سعة 200 جيجاواط تكفي لكهربة 150 مليون منزل حتى عام 2030. لا شك أن المملكة تأخرت كثيرا في مجال الطاقة المتجددة إلا أن حجم الاتفاقية الموقعة قد يعوض ما فات من فرص استثمارية خلال الأعوام القليلة الماضية التي كانت تعد فترة ذهبية لصناعة الطاقة الشمسية. وبعيدا عن التفاؤل المفرط، ذكر ولي العهد، حسب "الفاينانشيال تايمز"، "أنها - يعني الاتفاقية - خطوة كبيرة في تاريخ البشرية. هي خطوة جريئة فيها من المخاطرة ونتمنى أن ننجح". التفاؤل الحذر مهم لتذليل العوائق والتحديات والعمل على تهيئة وتطوير الميزات التنافسية لإنشاء صناعة ناضجة في فترة وجيزة نسبيا.
إن هذه المبادرة لن تعزز الموقع الريادي للمملكة في قطاع الطاقة فحسب، بل ستتيح فرصة اقتحام أسواق لم تكن قد دخلتها من قبل حتى من خلال تصدير النفط. على سبيل المثال لا الحصر وبعيدا عن الاستثمارات التقليدية في محطات الطاقة الشمسية الكبيرة، توجد فرص هائلة لتغطية احتياجات المحرومين من الكهرباء من سكان الأرياف في جنوب الصحراء والمقدر عددهم بأكثر من 700 مليون نسمة (أو أكثر من 150 مليون منزل) بأنظمة شمسية كفيلة بتحقيق تحول جذري في نمط حياتهم، وذلك بنظام التأجير الميسر. فالبديل السائد للكهرباء عند هؤلاء السكان هو استخدام الفوانيس والمصابيح التي تستهلك الوقود الأحفوري كالكيروسين الذي تصل تكلفته إلى نحو ربع دخل الأسرة. كما أن البعد الجغرافي لهذه المجتمعات عن المناطق الحضرية يقلل من فرص تزويدها بالكهرباء بالأسلوب التقليدي لارتفاع تكلفة البنية التحتية اللازمة لإيصال الكهرباء. وبالتالي لن نستغرب إذا استهدف صندوق التقنية وغيره من الصناديق المتخصصة هذه السوق، التي يقدر حجمها بأكثر من 35 مليار دولار وبعوائد جيدة جدا. ومع توجه المملكة لتحفيز المصدرين السعوديين على اقتحام الأسواق العالمية من خلال تقديم حوافز ومنح مالية حسب تصريحات هيئة تنمية الصادرات السعودية، لا شك أن تنفيذ الاتفاقيات التي وقعها ولي العهد ستعزز كفة الصادرات للميزان التجاري الوطني. صادرات وطنية نوعية نفخر بتصنيعها بأيدي أبنائنا في بلادنا وتمكن المجتمعات الريفية في أقاصي الأرض بالنهوض اقتصاديا واجتماعيا. هذا فيما يتعلق بالجانب التنموي في جنوب الصحراء وغيرها من بقاع الأرض. أما فيما يتعلق بالجانب الإنساني، فإن الوضع مهيأ تماما لتعزيز الريادة في هذا الجانب تحت مظلة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وذلك من خلال توزيع أنظمة شمسية لملايين اللاجئين السوريين واليمنيين عبر نماذج عمل مجربة وناجحة تعزز من دور المملكة الإنساني. التفاصيل في المقال المقبل.

المزيد من الرأي