تقرير مصرفي: الأسواق الناشئة ستواصل تفوقها العالمي في 2008 والتضخم سيتباطأ
توقع تقرير مصرفي أن تواصل الأسواق الناشئة التفوق في الأداء على بقية العالم من حيث النمو الاقتصادي خلال العام الجاري. ويرجح التقرير الذي أصدره "دويتشه بنك" أن تواصل الأسواق الناشئة تفوقها من حيث الأسواق المالية كذلك.
ومما لا شك فيه أنه بالنظر إلى الجيشان المتواصل في السوق العالمية والهبوط الحاد في الاقتصاد الأمريكي فإن النمو في الأسواق الناشئة سيكون أدنى من النمو في عام 2007، وستكون عوائد الأسواق المالية كذلك أدنى من العام السابق. وبهذا المعنى فإن الأسواق الناشئة لم "تنفصل" عن بقية العالم. ولكن متانة وصلابة هذه الأسواق أمام الصدمات الخارجية ازدادت على نحو لا يستهان به في السنوات الأخيرة. إلى التفاصيل:
بعد أربع سنوات من النمو فوق المتوسط يواجه الاقتصاد العالمي الآن تحديات لا يستهان بها، وهي: الأزمة المالية المؤلمة التي حدثت بفعل الآثار الجانبية لأزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة في الولايات المتحدة، والتصحيح الذي أصاب عدداً من أسواق الممتلكات السكنية، والارتفاع الكبير في مؤشر التضخم العام العالمي، مدفوعاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى آثار هبوط قيمة الدولار الأمريكي (خارج الولايات المتحدة).
التباطؤ الأمريكي
التباطؤ في الاقتصاد الأمريكي سيؤدي إلى هبوط مقداره نصف نقطة مئوية من معدل النمو الاقتصادي الأوروبي، وربما تعمل أسعار النفط العالية على تخفيض ربع نقطة مئوية أخرى. وقد تم التوصل إلى هذين الرقمين عن طريق محاكاة النماذج، وهو منهج من الواضح أنه لا يستطيع استيعاب وإدخال الأزمة الحالية للقروض السكنية لضعيفي الملاءة. من جانب آخر، هناك بعض العوامل الإيجابية التي لا بد من إدخالها في الاعتبار. أولاً، تشكل الأسواق الناشئة، على خلاف الصدمات السابقة، عنصراً يعمل على تعزيز الاستقرار، بفضل الطلب المحلي النشط وبفضل الفائض المتين في الحساب الجاري في كثير من الحالات. وفي حين أننا لا نؤمن بصحة القصة التي تقول بعدم وجود تأثير متبادل بين الاقتصادات، لكننا نرى في المقابل أن التوسع المتواضع بين سعر العرض والطلب في مؤشر سندات الأسواق الناشئة، واستقرار عملات الأسواق الناشئة، لا يشير إلى القصة القديمة حول انتقال العدوى من اقتصاد إلى آخر.
العامل الإيجابي الثاني هو أن إنفاق الشركات في العالم الصناعي يتسم خلال السنوات الأخيرة بالحذر. هذه المرة ليست هناك حاجة إلى توحيد الميزانيات العمومية للشركات الذي عانيناه في 2001/2002. إضافة إلى ذلك، فإن الأرباح وحركات النقد الداخلية لا تزال قوية، وبالتالي فإن الظروف الحالية التي تتسم بالشح الائتماني لا يُظَن أنه سيكون لها الأثر الضار نفسه الذي كان في فترة الهبوط السابقة.
ونتوقع أن يعمل الهبوط الذي لا يستهان به الذي أصاب قيمة الدولار خلال السنتين السابقتين، إلى جانب الإجراء الحاسم الذي جاء في وقته من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وحزمة الدعم من المالية العامة بقيمة 150 مليار دولار، نتوقع أن يعمل كل ذلك على الحؤول دون وقوع كساد اقتصادي في الولايات المتحدة. ولكن حتى في عام 2009 فإن النمو الاقتصادي الأمريكي سيظل دون قدرته الكامنة. وحيث إننا لا نؤمن بعدم وجود تأثير متبادل بين الاقتصادات، فإن النمو في منطقة اليورو في عام 2008 سيتباطأ ليصل إلى 1.75 في المائة وسيصل النمو في الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا إلى 1.5 في المائة. وحيث إن البنوك المركزية في مجموعة البلدان الصناعية السبعة هي في مزاج يميل إلى تخفيض أسعار الفائدة، فإن الخطر من حدوث زيادة لا يستهان بها في عوائد السندات يظل محدوداً، خصوصاً أن معدلات التضخم العام ستهبط أثناء العام. وعلى الرغم من النمو البطيء في الأرباح، إلا أن من المرجح أن يكون وضع الأسهم أفضل من وضع السندات.
الكساد الاقتصادي يطوف على الأسواق
يمر الاقتصاد العالمي بوضع صعب. فقد توقف النمو الاقتصادي من الناحية العملية في الولايات المتحدة في الربع الرابع من عام 2007، ومنذ فترة تجاوز النمو الاقتصادي ذروة الدورة في منطقة اليورو بحدود نهاية عام 2006. وفي اليابان كذلك فإن الآفاق الاقتصادية تزداد سوء. وبعد أن ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثالث بنسبة معدلة سنوياً مقدارها 4.9 في المائة (مقارنة بالربع السابق) في الولايات المتحدة، ارتفع في الربع الرابع بمقدار ضئيل لا يتجاوز 0.6 في المائة. والسبب في ذلك هو الكساد المتأصل في قطاع الإسكان في الولايات المتحدة. إن التقلص الذي تمر به سوق الإسكان الأمريكية، وهو تقلص مستمر منذ سنتين، أصبح في الفترة الأخيرة أكثر حدة من ذي قبل نتيجة للأزمة المالية العميقة. وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) 2007 كان عدد المساكن التي بدأ العمل على إنشائها يزيد قليلاً على مليون وحدة (بالمعدل السنوي)، وهذا يشكل هبوطاً مقداره 40 في المائة عن مستوياتها في السنة الماضية وهبوطاً في حدود 56 في المائة عن مستويات الذروة التي وصلتها في أوائل عام 2006. ويبدو أن تقييمات الأسواق الرأسمالية تشير إلى أن الأمر لم يعد مسألة حدوث الكساد الاقتصادي من عدمه في الاقتصاد الأمريكي، وإنما يتعلق بمدى عمق هذا الكساد والأمد الذي سيبقى فيه. ولكننا نرى أن الولايات المتحدة ستتجنب الوقوع في الكساد الاقتصادي. وحجتنا في ذلك تقوم على السياسة النقدية التوسعية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وعلى حزمة التحفيز في المالية العامة التي تديرها الحكومة ويبلغ مقدارها أكثر من 150 مليار دولار، وهو رقم يزيد قليلاً على 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ثم إن البنك المركزي الأمريكي قلص الرقم المستهدف لأسعار الفائدة على القروض بين البنوك بمقدار 225 نقطة أساس منذ منتصف شهر أيلول (سبتمبر) 2007 (منها 125 نقطة أساس تم تخفيضها خلال أسبوع واحد في أواخر كانون الثاني (يناير) 2008، بحيث وصلت أسعار الفائدة إلى 3 في المائة في آخر فترة، ومن المرجح أن يخفض البنك أسعار الفائدة مرة أخرى بمقدار 50 نقطة أساس في شهر آذار (مارس) 2008.
الولايات المتحدة: شيك لكل مواطن
نادراً ما كان هناك إجماع من هذا القبيل بين السياسيين الأمريكيين حول تحفيز الاقتصاد. وحيث إن السباق في الانتخابات التمهيدية على رئاسة الجمهورية ينتقل الآن إلى أقصى سرعته، فلن يقبل أي من الحزبين أن يخاطر بوضع نفسه في موضع يمكن أن يلام فيه على التسبب في الكساد الاقتصادي إذا وقف في وجه حزمة التحفيز الحكومية. إن هذه الحزمة لا تشتمل فقط على إعفاءات ضريبية للشركات، ولكن الأهم من ذلك بكثير أن الحكومة ستصرف ردِّيَّات ضريبية للأسر الأمريكية تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار، التي ستعطى للمنتفعين على شكل شيكات ضريبية، كما كانت عليه الحال في عام 2001. ففي عام 2001 وزعت الحكومة الأمريكية شيكات بقيمة 38 مليار دولار، أي ما يعادل 0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أُنفِق ثلثاها خلال ربعين من العام. وبالتالي فإن الرديات الضريبية المؤقتة لهذا العام يبلغ حجمها ضعف حجم حزمة عام 2001. وعلى هذه الخلفية فإن توقعنا أن يبلغ معدل الاستهلاك 1.8 في المائة في عام 2008 يميل إلى أن يكون معتدلاً. وإذا حكمنا بالقياس إلى تجربة عام 2001، فإن عوامل التحفيز يمكن إلى درجة كبيرة أن يتبين فيما بعد أن لها أثراً أكبر من ذي قبل. على سبيل المثال يستطيع دافع الضرائب أن يتوقع تَلَقِّي شيك يصل إلى 600 دولار، في حين أن أسرة تتألف من الأب والأم وطفلين تستطيع أن تتوقع لتسلم شيك بقيمة 1800 دولار.
الحزمة تأتي في أفضل أوقاتها
إن الشيكات الضريبية التي ستُصرَف هذه المرة أيضاً إلى أسر ذات دخل متدن ولا تدفع ضريبة على دخلها، هذه الشيكات يمكن أن تكون قد صرفت بحلول نهاية الربع الثاني، بمعنى أنها ستنتج آثارها في اللحظة ذاتها التي يمكن فيها أن نتوقع حدوث ضعف لا يستهان به في الطلب الخاص وزيادة في نسبة الإدخار، وذلك نتيجة لآثار انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وهبوط معدلات القروض الثانية التي تُصرَف لسداد القروض السكنية الأولى، وهو هبوط يحدث بفعل انكماش أسعار المساكن. يشار إلى أن الاستهلاك الخاص حتى هذا التاريخ يظل نشطاً وغير متأثر نسبياً بالآثار الجانبية من أزمة العقارات والأزمة المالية، بل إنه ارتفع في الربع الرابع بمقدار 2 في المائة في مقابل الربع السابق. وللوهلة الأولى فإن هذا يبدو بالفعل أمراً مثيراً للدهشة، ولكن يمكن تعليل ذلك بالاستقرار النسبي الذي لا يزال يميز سوق العمل في الربع الرابع. من جانب آخر، وبذهاب 17 ألف وظيفة، فإن الرواتب في القطاع غير الزراعي انخفضت في كانون (الثاني) يناير للمرة الأولى منذ عام 2003.
النمو في عامي 2008 و2009
إن الحزمة المالية العامة ليست هي السبيل المناسب لحل الاختلالات الهيكلية، مثل نسبة المدخرات المتدنية بصورة مفرطة. وبالتالي فإننا نتوقع أن الاقتصاد الأمريكي سيكون قادراً على تجنب الانزلاق نحو الكساد الاقتصادي، ولكن النمو مع ذلك سيظل أدنى إلى حد بعيد من القدرة الكامنة للاقتصاد، التي تشير تقديراتنا إلى أنها تبلغ 2.5 إلى 3 في المائة. وبعد معدل نمو في المتوسط مقداره 1.5 في المائة في عام 2008، فإننا نتوقع أن يبلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي نسبة مقدارها 1.75 في المائة على أكبر تقدير في عام 2009. ومن المرجح أن ينمو الاستهلاك الخاص بنسبة 1.75 في المائة في السنة الحالية، ويعود ذلك بصورة كبيرة إلى تحفيز المالية العامة، ثم ينخفض هذا النمو مع ذلك إلى أدنى من 1.5 في المائة في السنة المقبلة، في حين أن نسبة المدخرات سترتفع من 0.5 في المائة في عام 2007 إلى 2.75 في المائة في عام 2009. وهذه الأرقام قائمة على الافتراض أن نسبة التوظيف سترتفع بمعدل نصف في المائة فقط سنوياً خلال عامي 2008 و2009، في مقابل 2 في المائة تقريباً في عام 2006 و1.3 في المائة في عام 2007، وأن نسبة البطالة سترتفع نحو 6 في المائة في عام 2009، مقارنة بالمتوسط السنوي البالغ 4.6 في المائة في عام 2007. ويبدو من غير المرجح حدوث هبوط أكثر حدة من ذلك في سوق العمل الأمريكية على اعتبار أن الشركات الأمريكية كانت باستمرار تستشهد بالكساد الاقتصادي لعام 2001 على أنه أحد أسباب توحيد الميزانيات العمومية، وأنها الآن في وضع يؤهلها للتعامل مع حالة الهبوط الاقتصادي على نحو أفضل مما كانت عليه الحال في الأطوار الضعيفة التي شهدتها الولايات المتحدة في الثمانينيات والتسعينيات وفي عام 2001.
الكساد في قطاع الإسكان: سيصل الهبوط إلى أدنى نقطة
إن أكبر الجوانب التي لا يمكن تقييمها على الوجه الدقيق في آفاق الاقتصاد الأمريكي تكمن في قطاع الإسكان وفي أثر أزمة القروض السكنية على الاستهلاك في الولايات المتحدة. وبالنظر إلى التطورات السابقة، فإننا نفترض أن النقطة الدنيا في المساكن الجديدة سيتم بلوغها خلال فترة قريبة.
ففي الوقت الحاضر يبلغ عدد المساكن التي يبدأ العمل في بنائها نحو مليون وحدة كل شهر. وفي الأشهر الثلاثة حول النقاط المتدنية في عام 1982 وعام 1991 كان متوسط الأرقام بين 875 ألف وحدة و900 ألف وحدة. ولكن من غير المرجح أن تشهد السوق تعافياً سريعاً، وذلك بالنظر إلى أن معدلات المساكن غير المشغولة أعلى بكثير من الاتجاه العام على المدى الطويل. وربما يستغرق التصحيح حتى بضع سنين. وبالتالي فإن من المرجح أن يتقلص الاستثمار في قطاع الإسكان بحدود 14 في المائة خلال السنة الحالية، بعد أن هبط بنسبة 4.6 في المائة في عام 2006 و17 في المائة تقريباً في عام 2007، وسيظل سالباً إلى حد طفيف في عام 2009 كذلك. معنى ذلك أن نسبة الاستثمار في قطاع الإسكان من الناتج المحلي الإجمالي ستهبط بالتالي إلى 3.5 في المائة في عام 2009، أي أنها ستهبط بقدر لا يستهان به دون الاتجاه العام على المدى الطويل، وإن كان هذا على أية حال سيكون متناظراً مع الأنماط السابقة في إنشاء المساكن.
الآثار على الإنفاق الاستهلاكي ربما تكون أقل مما يُفترَض
إن الكساد في قطاع الإسكان يلقي بثقله على الاستهلاك الخاص عن طريق هبوط أسعار المساكن، الذي يؤدي بالتالي إلى تقلص قيمة الموجودات. وفوق هذا فإنه ستكون هناك معاناة من الخسائر بسبب التصحيحات في سوق الأسهم. لكن لاحِظْ أن القدر الذي يمكن أن تعمل فيه آثار تقلص الثروة بالفعل على عرقلة الاستهلاك الخاص هو قضية غير محسومة. إذ تشير تحليلاتنا إلى أن أثر الثروة على الاستهلاك الخاص في الولايات المتحدة بمقدار سِنْتين لكل دولار من خسارة الموجودات يمكن أن يكون فقط نصف التقدير الذي توصل إليه صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى. إضافة إلى ذلك فإن تخفيضات أسعار الفائدة التي أعلنها البنك المركزي الأمريكي تجعل إعادة تمويل القروض السكنية أمراً جذاباً من جديد، كما يتبين من القفزة التي حققها مؤشر إعادة التمويل في كانون الثاني (يناير). وسيعمل هذا بصورة مباشرة على تخفيف عبء الفوائد على الأسر. إضافة إلى ذلك فإن التخفيضات في أسعار الفائدة عملت بصورة ملحوظة على تخفيف الزيادة في أعباء القروض السكنية بفضل تدني سعر الفائدة الأولي الذي يجري تعديله بعد سنة أو سنتين ليكون منسجماً مع التطورات في السوق. ولهذا السبب فإننا لا نتوقع هبوطاً هائلاً في الاستهلاك الخاص. ولكن أصداء آثار أزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة ستتواصل وستستمر لفترة طويلة، وإن كان وقعها سيكون مخففاً بفعل التخفيضات في أسعار الفائدة الرئيسية، كما أن معدلات العجز عن السداد، خصوصاً في قطاع ضعيفي الملاءة، ستستمر في الصعود لفترة. ونفترض أن معظم التعديلات المترتبة على أسعار الفائدة ستنتج آثارها بحلول النصف الثاني لعام 2009.
أوروبا في قلب الأزمة الأمريكية
يظل النمو في منطقة اليورو في الفترة الأخيرة نشطاً للغاية، حيث تستمر معدلات التوظيف في ارتفاع، والواقع أن مؤشر إدارة العرض والشراء في قطاع التصنيع ارتفع ارتفاعاً يسيراً في شهر كانون الثاني (يناير). ومع ذلك فإن الاحتمال ضعيف للغاية في أن يتمكن الاقتصاد الأوروبي من عزل نفسه بصورة تامة عن الاقتصاد الأمريكي بصفة دائمة. والسبب في ذلك هو استمرار نشاطات العولمة، كما أدى الاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى تقارب الصلات عبر الأطلسي في مجال التجارة الخارجية والأسواق المالية بصورة تفوق ما حدث في الثمانينيات. وإن هبوط النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة يمكن أن يعوق النمو في منطقة اليورو بحدود نصف نقطة مئوية تقريباً، وسيتعزز أثر ذلك بفعل قوة اليورو وأسعار النفط المرتفعة دون كلل أو ملل. وفي ظل هذه الخلفية نتوقع تباطؤ النمو في منطقة اليورو في السنة الحالية، من 2.7 في المائة إلى 1.6 في المائة فقط، وسيستمر النمو على نحو متواضع شبيه بذلك في عام 2009.
التصدير والنشاط الاستثماري يفقدان عزمهما
من جانب آخر نلاحظ أن المحركين الحاليين للنمو، أي الإنفاق الرأسمالي والصادرات الصافية، يتعرضان بصورة ملحوظة للضعف. فاليورو القوي والنمو المتراخي في الولايات المتحدة يلقيان بثقلهما على صافي الصادرات الألمانية، في حين أن الطلب (على الأقل من منطقة اليورو والبلدان المصدرة للنفط، ومن روسيا على وجه الخصوص) يظل نشطاً نسبياً. وبصورة عامة يرجح أن يتراخى النمو الحقيقي في الصادرات في عام 2008، من نسبة تزيد على 8 في المائة إلى نسبة لا تتجاوز إلا 5 في المائة بقليل. وسيعمل هذا، إلى جانب الآثار المستقبلية التي برزت لأسباب ضريبية في عام 2007، على كبح النشاط الاستثماري في عام 2008. لذلك نتوقع ألا يرتفع الاستثمار في الآليات والمعدات إلا بمقدار 5 في المائة فقط في عام 2008 بعد أن كانت النسبة 8.4 في المائة في عام 2007. فضلاً عن ذلك فإن التوسع في استثمارات الإنشاءات، الذي بدأ في أواخر عام 2006، سينتهي بصورة ضعيفة. وبالنظر إلى الهبوط في مستوى الطلبات فإن من المحتمل أن يتقلص الاستثمار في قطاع الإنشاءات بمقدار 2.25 في المائة في عام 2008، بعد أن توسع بنسبة 2 في المائة في عام 2007، مما يعني أن النشاط الاستثماري سيكون متراخياً بصورة عامة (1.25 في المائة، هبوطاً من 4.9 في المائة في عام 2007).
الأسواق النامية: استمرار الأداء المتفوق
ستواصل الأسواق الناشئة التفوق في الأداء على بقية العالم من حيث النمو الاقتصادي، ويرجح أن تواصل تفوقها من حيث الأسواق المالية كذلك. ومما لا شك فيه أنه بالنظر إلى الجيشان المتواصل في السوق العالمية والهبوط الحاد في الاقتصاد الأمريكي فإن النمو في الأسواق الناشئة سيكون أدنى من النمو في عام 2007، وستكون عوائد الأسواق المالية كذلك أدنى من العام السابق. وبهذا المعنى فإن الأسواق الناشئة لم "تنفصل" عن بقية العالم. ولكن متانة وصلابة هذه الأسواق أمام الصدمات الخارجية ازدادت على نحو لا يستهان به في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل التحسن الكبير في الظروف الأساسية (خصوصاً المستوى الائتماني للسندات الحكومية) وإمكانات النمو الطيبة على المدى المتوسط.
ونتوقع أن تنمو اقتصادات الأسواق الناشئة بنسبة 6 في المائة إلى 6.5 في المائة في 2008 /2009، وهذا يشكل هبوطاً مقداره 75 نقطة مئوية من عام 2007. وستطل آسيا (باستثناء اليابان) أكثر المناطق ديناميكية، حيث ستكون نسبة النمو فيها في عام 2008 في حدود 7.5 في المائة تقريباً، وهو نمو تحركه الصين (10.5 في المائة ) والهند (8.5 في المائة ). وسيراوح نمو الناتج المحلي الإجمالي في المناطق الأخرى من 4 في المائة (أمريكا اللاتينية)، إلى 5.5 في المائة (أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا).
لن يتسارع التضخم
بعد أن أخذ التضخم يتسارع بصورة حادة في عام 2007 فإنه سيظل مرتفعاً، ولكن من المحتمل ألا يشهد المزيد من التسارع هذا العام. وتظل البنوك المركزية في بلدان الأسواق الناشئة حذرة للغاية, وستحاذر بصورة خاصة أن تبدأ في تخفيض أسعار الفائدة في وقت مبكر قبل الأوان، على الرغم من التراخي النشط في السياسة النقدية الأمريكية. وفي معظم البلدان فإن اشتداد وتيرة التضخم يعود إلى الزيادات الحادة في أسعار المواد الغذائية والوقود. وهذه المشكلة تعتبر مشكلة حادة بصورة خاصة في الصين. ومن المتوقع أن يظل بنك الشعب في الصين (البنك المركزي الصيني) يحمل نظرة سلبية نحو التضخم وأثره على المجتمع، ولكن من المتوقع أن يلجأ إلى قدر أكثر اعتدالاً من التشدد في السياسة النقدية، حيث ستكون عينه على مخاطر حدوث كساد اقتصادي في الولايات المتحدة. وفي الهند فإن بنك الاحتياطي في الهند (البنك المركزي الهندي) قام بعمل جيد من حيث إنه تجنب في السنة الماضية إحداث نمو اقتصادي سريع في الهند، ويرجح أن يبدأ في تخفيض أسعار الفائدة في النصف الثاني من عام 2008. ويظل التضخم مشكلة لا يستهان بها في عدد من البلدان الأخرى، منها الأرجنتين وفنزويلا، ويعود ذلك أساساً إلى السياسات المحلية غير المنهجية.
تكديس الموجودات في الأسواق الناشئة
ستواصل الأسواق الناشئة ككل تكديس الموجودات الخارجية، ولكن بعض البلدان ستظل معرضة للتأثر بالظروف الخارجية. وعلى ظل الخلفية التي تتسم بفائض الحساب الجاري لدى بلدان الاقتصادات الناشئة ككل والمبالغ المتوقعة من صافي التدفقات الداخلية الرأسمالية العالية، فإن الأسواق الناشئة ستواصل تكديس الاحتياطيات الرسمية من العملات الأجنبية. وربما احتياطيات خارجية أخرى (أرقامها غير معلنة). ومن المتوقع أن ينمو مقدار الدين الخارجي للأسواق الناشئة بمعدلات معتدلة، ويكون ذلك مدفوعاً في غالبه بإصدارات السندات غير الحكومية. وبالتالي، وبالأرقام الصافية، فإن الأسواق الناشئة ستظل بلدان "المقرض الصافي" وستكون بالتالي مؤهلة بصورة جيدة للتعامل مع صدمات التمويل الخارجية. وفي حين أن هذا الكلام ينطبق على الأسواق الناشئة ككل، إلا أن بعض البلدان معرضة تماماً للتأثر بالظروف المتدهورة للسيولة الدولية، خصوصاً بلدان البلطيق ورومانيا وبلغاريا وأوكرانيا، وكذلك جنوب إفريقيا وتركيا. وتتسم هذه البلدان بقدر عالٍ (وفي بعض الحالات على نحو متزايد) من العجز في الحساب الجاري، الذي يتم تمويله جزئياً بالتدفقات من المحافظ الأجنبية عالية التقلب. وفي بيئة تتسم بالحذر الشديد من الاستثمارات غير المضمونة لدى المستثمرين الدوليين فإن احتمال حدوث جيشان مالي في هذه البلدان يزداد بصورة كبيرة لا يستهان بها.
ومن المتوقع أن يزداد التسارع في ارتفاع قيمة الرنميبي, حيث يرجح أن ترتفع قيمته في مقابل الدولار بنسبة تراوح بين 7 و10 في المائة في عام 2008. وسيدفع الدولار الضعيف والتضخم المحلي المرتفع بكثير من البنوك المركزية في بلدان الأسواق الناشئة إلى القبول نوعاً ما بازدياد قوة عملاتها. وفي الوقت نفسه فإن سياسة إبقاء العملات "تنافسية" عن طريق التدخل في نظام العملات الأجنبية سيظل على حاله، خصوصاً في آسيا.
التضخم: آثار محدودة للجولة الثانية
خلال عام 2007 ارتفعت أسعار النفط بنسبة تقارب 50 في المائة (عند حسابها بالدولار). وارتفعت أسعار المواد الغذائية بحدود 40 في المائة خلال الفترة نفسها، بسبب ضعف المحصول وازدياد الطلب من الأسواق الناشئة، واستخدام بعض المواد الغذائية كمصادر للطاقة البديلة. نتيجة لذلك في شهر كانون الأول (ديسمبر) وصل معدل التضخم العام إلى 4.1 في المائة في الولايات المتحدة و3.2 في المائة في منطقة اليورو. وفي حين أن معدل تضخم المواد الاستهلاكية الأساسية في الولايات المتحدة من الناحية الفعلية تباطأ على نحو يسير خلال عام 2007، حيث وصل إلى 2.4 في المائة ، إلا أنه ارتفع بصورة تدريجية ليصل إلى 1.9 في المائة في منطقة اليورو.
ونفترض أن أسعار النفط ستنخفض لتصل إلى 80 دولاراً للبرميل بنهاية عام 2008، مما سيكون من شأنه تخفيف الضغط على التضخم بصورة طفيفة. ومع ذلك سيرتفع المتوسط السنوي بحدود 20 في المائة خلال السنة. وبالنسبة لأسعار المواد الغذائية سيستمر النمو في الطلب من الأسواق الناشئة، بسبب ارتفاع الدخول والتحول نحو نظام غذائي غني بالبروتينات، كما أن عمليات البذار المتوقعة لعام 2008، على الأقل في الولايات المتحدة وأوروبا، لا تشير إلى استجابة سريعة من جانب العرض في الاقتصاد. يشار إلى أن مستويات المخزون من عدد من السلع الزراعية (كالقهوة والسكر والفواكه) تبلغ الآن مستويات متدنية حرجة، وبالتالي فإن أسعار المواد الغذائية يمكن أن تشهد ارتفاعاً بحدود 4 إلى 5 في المائة في عام 2008. ومع ذلك فإن الخطر من أن تؤدي الأسعار المرتفعة للطاقة والمواد الغذائية إلى إشعال فتيل آثار جولة ثانية كبيرة من التضخم هو خطر صغير إلى حد ما. ففي الربع الثالث من عام 2007 كانت تكاليف وحدة العمل في الصناعة -0.6 في المائة (مقيسة خلال الفترة نفسها من سنة لسنة) في منطقة اليورو، و-2.1 في المائة في اليابان، وظلت راكدة على حالها في الولايات المتحدة. ولأسباب تتعلق بالدورة الاقتصادية فإن من الممكن أن ترتفع تكاليف وحدة العمل على نحو أسرع إلى حد ما من ذي قبل، ولكن لا يوجد دليل يذكر على أن التضخم في الأجور سيطيل أمد نفسه، على اعتبار أن التهديد بنقل الإنتاج إلى أماكن أخرى سيضع سقفاً على زيادات الأجور في كثير من الصناعات. إضافة إلى ذلك فإن المنافسة القادمة من الأسواق الناشئة ستستمر في وضع الضغط على أسعار البضائع القابلة للمتاجرة. وفي منطقة اليورو فإن أسعار السلع الصناعية في القطاعات غير النفطية شهدت في كانون الأول (ديسمبر) ارتفاعاَ ضئيلاً لا يتجاوز 1.1 في المائة (مقيساً خلال الفترة نفسها من سنة). كما أن توقعات الأسعار قصيرة المدى والتي جُمِعت في استطلاعات المستهلكين ارتفعت في الصيف الماضي, ولكنها عادت للاستقرار خلال الأشهر الأخيرة. ولكن توقعات التضخم طويلة المدى، المشتقة من السندات المرتبطة بمؤشر التضخم، لم تتزحزح عن مكانها إلا بالكاد، حتى بعد التخفيضات الكبيرة التي أقرها بنك الاحتياطي الفدرالي بمقدار 125 نقطة أساس خلال أسبوعين.
معدل التضخم في أمريكا ومنطقة اليوروط
من المحتمل أن معدل التضخم العام في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وصل أعلى مستوياته حول مطلع العام. وحيث إن مؤشر التضخم في الأسعار الاستهلاكية الأساسية استقر بصورة أو بأخرى عند 2 في المائة تقريباً، فإن معدل التضخم العام سيتراجع ليصل إلى 2 في المائة في نهاية العام في المنطقتين. ولكن معدلات التضخم الشهري في منطقة اليورو لن تهبط دون مستوى 2.5 في المائة قبل الخريف، ما يجعل من الصعب على البنك المركزي الأوروبي أن يخفض أسعار الفائدة على الرغم من العلامات المتزايدة على الضعف الاقتصادي. وتظل اليابان عالقة في انكماش اقتصادي معتدل حتى بعد مرور خمس سنوات على الانتعاش الاقتصادي. ومنذ عام 1998 لم يشهد مؤشر التضخم للأسعار الاستهلاكية الأساسية (باستثناء الطاقة والمواد الغذائية) أي زيادة سنوية.
البنك المركزي الأمريكي نشط للغاية
حتى الآن خفض بنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس منذ شهر أيلول (سبتمبر). ولم يتوقع أحد هبوط أسعار الفائدة من 5.25 في المائة إلى 3 في المائة خلال خمسة أشهر فقط. ولكن البنك أوضح على نحو لا يدع مجالاً للشك أن الأوقات غير العادية تتطلب إجراءات غير عادية. إذ يمكن أن تؤدي الاضطرابات الحادة في الأسواق المالية إلى ازدياد العلاقات غير الخطية (أي غير الطردية بين المتغيرات) داخل الاقتصاد. من ذلك أن الارتفاع الحاد في حالات التخلف عن سداد القروض السكنية يعتبر أمراً مثيراً للقلق إلى حد كبير.
وأقنع البنك المركزي الأمريكي بالتأكيد جميع الناس أن هذه الأوقات عصيبة وأنه عازم على فرض المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة. وفي الوقت الحاضر يتوقع قسم الأبحاث في دويتشه بانك أن تخفيض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس لتصل إلى 2.5 في المائة ووصول الفوائد على السندات الحكومية (بأجَل سنتين) إلى 2.1 في المائة يشير إلى أن الأسواق تتوقع حتى تخفيضات أكثر من ذلك. ولكن لا يعلم أحد حتى الآن فيما إذا كانت هذه القرارات ضرورية ومناسبة بالفعل في اقتصاد يعمل قريباً من طاقته الإنتاجية، وحيث معدلات التضخم تفوق 4 في المائة، إلى جانب خطر إدخال المزيد من المخاطر الأخلاقية في الأسواق المالية (هنا نرى الأثر الفعلي لنظرة برنانكي، التي تقوم على ضمان السيولة في الأسواق الرأسمالية ولو عن طريق تخفيض أسعار الفائدة إذا دعت الحاجة).
ومع ذلك ارتفعت معدلات البطالة بنسبة 4.9 في المائة في شهر كانون الثاني (يناير)، أي أنها ارتفعت 0.3 نقطة مئوية عن معدلها السنة الماضية، وإن كانت هبطت عن معدلها في كانون الأول (ديسمبر)، وإن القدر الهائل من الأخبار السيئة من القطاع المالي يشير إلى أن الإجراء الاستباقي هو إجراء في محله. وربما يتعين أن يكون هذا الإجراء ملموساً هذه المرة أكثر حتى من ذي قبل لأن المحرك المالي القوي الذي يدفع قطاع العقارات إلى الأمام توقف هذه المرة. ويستطيع البنك المركزي أن يعود عن قراراته بتخفيض أسعار الفائدة إذا تبين أن إقراض البنوك لن يتقلص في الوقت الذي تعمل فيه البنوك على تصويب الأوضاع في ميزانياتها العمومية. ولكن الأمر يحتاج إلى مرور بضعة أشهر قبل أن نعلم ذلك.
البنك المركزي الأوروبي يميل إلى السلبية
إن البنك المركزي الأوروبي هو القطب النقيض المقابل لبنك الاحتياطي الفدرالي. فهو لم يخفض أسعار الفائدة حتى الآن، ويرفض كثير من الأعضاء في المجلس الحاكم فكرة أنهم سيقومون بذلك في أي وقت قريب. ونتفق مع البنك في أن هناك بعض الأسباب الجيدة التي تحدو بالبنك إلى عدم تخفيض الأسعار، منها أن مؤشر التضخم للأسعار الاستهلاكية الأساسية لا يزال مصراً على ارتفاعه، كما تواصل معدلات البطالة هبوطها، ويعمل قطاع التصنيع في منطقة اليورو عند مستوى يفوق إلى حد لا بأس به طاقته الإنتاجية على الرغم من قوة اليورو. كما أن الضرر الذي أصاب البنوك الأوروبية بفعل أزمة القروض السكنية لضعيفي الملاءة كان أقل بكثير من الضرر الذي أصاب البنوك الأمريكية. ويبدو أن لسان حال البنك المركزي الأوروبي هو "أزمة؟ أية أزمة؟" ولكننا شهدنا الكثير من هذا من قبل، على سبيل المثال في 1997/1998 وفي 2001/2002 حين اتبعت أوروبا أسعار الفائدة الأمريكية ولكن على مسافة بينهما. وإن آليات الإرسال المعهودة ما تزال تعمل، فأسواق الأسهم متدنية في جميع أنحاء العالم، والثقة هابطة كذلك في الاقتصاد العالمي، وستصاب صادرات منطقة اليورو إلى الولايات المتحدة والبلدان الأخرى بأضرار بليغة. وبالتالي فحين تتخلف أسعار الفائدة في منطقة اليورو عن مثيلاتها في الولايات المتحدة فإن سوق العمل الأوروبية ستصاب بالضعف، وسيهبط معدل استخدام الطاقة الإنتاجية. وسيتراخى الضغط التضخمي، وسيجد البنك المركزي الأوروبي في نهاية المطاف أنه لا مفر من فرض تخفيض طفيف في أسعار الفائدة. وليس من الواضح الآن المدة التي سيستغرقها ذلك، ولكن في النصف الثاني من عام 2008 يفترض أن يكون سعر الفائدة للتمويل الرئيسي في البنك المركزي الأوروبي قد بلغ 3.5 في المائة. أما البنك المركزي الياباني فله قصة مختلفة تماماً. إذ لم يكن بمقدوره رفع أسعار الفائدة أكثر من 0.5 في المائة رغم مرور خمس سنوات من النمو المتين في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وضعف الين. وفي الوقت الحاضر لن تبدأ من جديد عملية تطبيع أسعار الفائدة، على اعتبار أن من غير المرجح أن يعود التضخم إلى اليابان في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من الضعف وتقوى وضع الين بحيث وصل إلى 106 ين للدولار.
علامات تحذير من منحنيات العوائد
المقصود بمنحنيات العوائد هو أسعار الفوائد على السندات المتساوية في القيمة الائتمانية ولكن المتفاوتة في تاريخ الاستحقاق. منحنيات العائد تعطي إشارات إلى مدى الجدية والخطورة التي تنظر بها الأسواق إلى المشاكل الحالية. فللمرة الأولى منذ أوائل عام 2001 انقلب منحنى العائد، حيث وصل عائد السندات بأجل عشر سنوات إلى أدنى من عوائد السندات بأجل ثلاثة أشهر، في كل من الولايات المتحدة وألمانيا. ونحن نعلم الوضع الذي آلت إليه الأمور في ذلك الحين. والبنك المركزي الأمريكي يسعى جاهداً لهندسة منحنى العائد ليكون اتجاهه موجباً من جديد، وأفلح في ذلك حين خفض أسعار الفائدة لتصل إلى 3 في المائة في أواخر شهر كانون الثاني (يناير). ومن المرجح أن يظل منحنى العائد في منطقة اليورو مقلوباً إلى أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة لأننا لا نتوقع الكثير من تحرك عوائد الأجل الطويل نحو الأعلى.
عوائد السندات ربما تظل متدنية
هبطت العوائد على السندات الحكومية في جميع أنحاء العالم. فقد هبطت العوائد على السندات الأمريكية بأجل عشر سنوات من أكثر من 5 في المائة في شهر حزيران (يونيو) إلى 3.5 في المائة فقط في أواخر كانون الثاني (يناير)، بفعل قرارات البنك المركزي الأمريكي. وربما تظل العوائد متدنية إلى هذا الحد لبضعة أشهر أخرى، ولكن باستخدام نماذج التقييم في الاقتصاد الكلي فإن من المفترض أن تعود للارتفاع على المدى المتوسط. وكما يتضح فإن منحنيات عوائد السندات تتحرك على مدى الزمن مع النمو في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، حيث تقترب من المعدلات الأعلى خلال التقلبات الدورية في الناتج المحلي الإجمالي. وحيث إننا نتوقع أن يصل النمو في الولايات المتحدة إلى حدود 4.5 في المائة على المدى المتوسط، فإن توقعات العوائد هي في النطاق السليم على نحو مماثل. وساعدنا هذا الأنموذج على عدم الاستغراب فوق الحد حول السبب الذي من أجله لم ترتفع عوائد السندات الأمريكية إلى أكثر من 5 في المائة في ذروة الدورة الأخيرة لأسعار الفائدة، على اعتبار أننا لم نكن نتوقع أن يظل النمو في الناتج المحلي الإجمالي فوق 6 في المائة ("معضلة جرينسبان").
من جانب آخر، فإن العوائد على السندات الألمانية لأجل عشر سنوات أكثر استقراراً، ويتوقع أن يكون مستوى المدى الطويل أدنى نوعاً ما من المستوى في الولايات المتحدة، بسبب النمو الذي يقل عن الاتجاه العام. وبالتالي فإن العوائد لن ترتفع كثيراً في عام 2008 فوق مستواها الحالي البالغ 4 في المائة تقريباً.
أسواق الأسهم تبدو رخيصة حتى مع تدني الأرباح
هبطت أسواق الأسهم العالمية هبوطاً حاداً في أوائل عام 2008 بسبب اجتماع عدد من العوامل السلبية، منها الأخبار السيئة حول دورة الأعمال، والتحذيرات التي أصدرتها الشركات حول تدني الأرباح، والمشاكل في القطاع المالي. والواقع أنه خلال الأشهر القليلة المقبلة يرجح لإجماع التوقعات الخاصة بأرباح الشركات أن يتعرض للمزيد من التعديل نحو الأدنى، وليس فقط بالنسبة لشركات القطاع المالي. لقد ولى زمن زيادات الأرباح التي تقع في خانتين، وهذا ينسجم مع النظرية الاقتصادية ومع الملاحظات على المدى الطويل. ذلك أن الأرباح على المدى الطويل لا ترتفع بأسرع من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، كما أن معدلات العوائد التي تزيد كثيراً على الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لا يمكن تحقيقها إلا مقابل ثمن، وهو المخاطرة العالية.
وحتى لو تبين أن الأرباح ستكون أدنى من توقعات الإجماع اليوم، فإن منحنى الأرباح على الأسهم (وهو مقلوب نسبة سعر السهم إلى الأرباح) عالٍ بصورة غير طبيعية في أعقاب تصحيح هذا العام. وهذا دليل على توقع كثير من الشركات والمستثمرين بارتفاع الحدود الدنيا للعوائد المتوقعة على الاستثمارات. وبالتالي فإن الاستثمار في منتجات الدخل الثابت ليس قوياً. وإن منحنى الأرباح المذكور يبدو مرتفعاً بصورة خاصة حين يقارَن بعوائد السندات في الوقت الحاضر. وبالتالي فإننا نرى إمكانية واضحة للارتفاع في قيمة الأسهم حين تنتهي الفترة الحالية من الارتياب وعدم اليقين.
العملات قطعت شوطاً بعيداً بما فيه الكفاية
منذ أوائل عام 2001 والتحركات المسيطرة لعملات المناطق الثلاث (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان) كانت ارتفاع اليورو وهبوط الدولار وهبوط حتى أكثر من ذي قبل في قيمة الين. واستناداً إلى أسعار تبادل العملات المعدلة بحسب التبادل التجاري فإن هذه التحركات أدخلت ضمن آثارها عملات كانت غالباً في أوضاع مستقرة. وإن توقعاتنا بالنسبة لأسعار صرف العملات الرئيسية هي أنها ستظل في حدود مستوياتها الحالية حتى نهاية عام 2008.