تقرير مصرفي: قرارات مواجهة التضخم لن تشكل عبئا ثقيلا على خزانة الدولة

تقرير مصرفي: قرارات مواجهة التضخم لن تشكل عبئا ثقيلا على خزانة الدولة

رجح تقرير مصرفي صدر قبل أيام ألا تشكل التكاليف الإضافية التي اعتمدتها الحكومة السعودية لمواجهة التضخم عبئاً ثقيلاً على خزانة الدولة. وقال التقرير الذي أصدره بنك ساب إن هناك سببين يرجحان هذا الاعتقاد – حسب تحليل البنك - السبب الأول، هو أن السعودية ما زالت تتمتع بفائض مالي هائل في خزانتها ـ يقدر بـ 175 مليار ريال سعودي (47 مليار دولار أمريكي( لعام 2008 وهو ما يجعل من السهل عليها أن تدعم أي نفقات إضافية في الميزانية. لكن أي هبوط حاد في أسعار النفط سيكون بمثابة الخطر الوحيد على الخزانة على مدار السنوات الثلاث المقبلة, وهو الأمر الذي سيخالف توقّعاتنا للمنحى المستقبلي لأسعار النفط.
والسبب الثاني، هو أن الإجراءات الجديدة ليست دائمة، ويمكن وقف العمل بها بمجرد انقضاء فترة الثلاث سنوات. وحتى في حال أصبحت زيادة المرتبات إجراءً دائماً بعد ثلاث سنوات، وهو أمر متوقع، فإن هذا الالتزام لن يشكل عبئاً كبيراً على خزانة الدولة. وإذا أخذنا الأمر من منظور مالي، فإن الزيادة المضطردة للأجور، تعد بشكل عام توجهاً حكيماً، يتوافق بالكامل مع سياسة الإنفاق العام الرشيدة للدولة. إلى نص التقرير:

أعلنت السعودية عن ثاني زيادة في أجور قطاعها العام خلال سنتين. وكانت الزيادة الأولى 15 في المائة قد أقرت في 2005، بعد أن ظلت المرتبات على حالها طيلة 20 سنة.
وهناك تقديرات تشير إلى أن زيادة عام 2005 هذه، ستكلف خزانة الدولة 65 مليار ريال سعودي 17.3 (مليار دولار أمريكي( بحلول شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2008.
وقد جاءت هذه الخطوة الأخيرة في أعقاب خطوات مماثلة قامت بها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فقد ارتفعت أجور القطاع العام في البحرين وعمان بنسبة 15 في المائة خلال 2007، بينما أعلنت الإمارات عن زيادة هائلة تصل إلى نسبة 70 في المائة. وباتت حكومات دول المجلس أكثر استجابة للدعوات المطالبة بزيادة المرتبات لمواجهة الأعباء المعيشية المتصاعدة.

الطعام وإيجارات السكن
التضخم ظاهرة ملازمة لأي نمو اقتصادي، كالنمو السريع الذي شهدته السعودية خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في القطاع الخاص غير النفطي. فقد ارتفع معدل التضخم في 2007 ليصل إلى 4.1 في المائة، بعد أن كان 2.2 في المائة في السنة السابقة، وفي حين ظل المعدل يسجل ارتفاعاً متواصلاً منذ خمس سنوات – من 0.2 في المائة في ـ 2002 فإن تأثيره في الأسعار بات أكثر وضوحاً خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً أن المعدل وصل إلى أعلى مستوياته مسجلاً 4.1 في المائة.
يضاف إلى ذلك، أن السعوديين يتحسسون بسرعة للزيادات السريعة في الأسعار، خصوصاً أن أسعار أكثر صنفين ينفق عليهما )الطعام وإيجارات السكن(، ما زالت تواصل ارتفاعها بسرعة تفوق كثيراً أسعار الأصناف الأخرى المدرجة في سلة الأسعار. ويبين مؤشر غلاء المعيشة أنّ أسعار الطعام والشراب قد زادت بنسبة 5.4 في المائة ما بين العامين 2005 و2006، أنها واصلت ارتفاعها لتسجل نسبة زيادة عالية وصلت إلى 7.5 في المائة خلال السنة التالية. ومعروف أن السعوديين يقبلون بكثرة على شراء الأطعمة، ما يجعلهم يلحظون بسرعة أي زيادة في أسعارها.
كما لاحظ الناس بشكل مشابه، الزيادات المهمة التي طرأت على إيجارات السكن، خصوصاً أن أكثر من ثلاثة أرباع الشعب السعودي يستأجرون بيوتهم، ناهيك عن العمال المغتربين الذين يعيشون كلهم عملياً في مساكن مستأجرة. وقد زادت مساهمة رفع الإيجارات في مؤشر غلاء المعيشة بنسبة ضئيلة 0.1 في المائة ما بين العامين 2001 و2006، لكنها وصلت إلى نسبة 8.1 في المائة خلال السنة الماضية فقط. ومعلوم أن زيادة الأجور لم يكن لها أي دور مهم في تضخم الأسعار هذا.

الإجراءات الجديدة
صدّق مجلس الوزراء السعودي في 28 كانون الثاني (يناير) 2008 على عدد من التوصيات التي تقدمت بها اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية ـ التابعة للمجلس الاقتصادي الأعلى في المملكة. وقد صدّق مجلس الوزراء على 17 إجراءً تهدف إلى مكافحة ضغوط التضخم في الاقتصاد السعودي.
وتتضمن تلك الإجراءات، زيادة سنوية بنسبة 5 في المائة على مرتبات موظفي الدولة والمتقاعدين من الوظائف الحكومية، وذلك كعلاوة تضخم لمدة ثلاث سنوات، وتخفيضا بنسبة 50 في المائة على الرسوم الجمركية التي تفرضها الحكومة في الموانئ على واردات المملكة، لمدة ثلاث سنوات أيضاً؛ وتخفيضا لمدة ثلاث سنوات أيضاً، بنسبة 50 في المائة على رسوم إصدار جوازات السفر ورخص القيادة ونقل ملكية السيارات وتجديد تأشيرات الإقامة للعمّال المحليين. كما أقرت زيادة بنسبة 10 في المائة على مخصصات الضمان الاجتماعي، وذلك في أعقاب زيادة سابقة كانت قد أقرت في 2005 وأدت في حينه إلى رفع الحد الأقصى لمخصصات الضمان الاجتماعي السنوية للعائلات السعودية بنسبة 73 في المائة، لترتفع من 16200 ريال سعودي (4320 دولارا أمريكيا( إلى 28 ألف ريال سعودي (7467 دولارا أمريكيا(.
وحسب تقديراتنا، فإن هذه الإجراءات مجتمعة ستكلّف خزانة الدولة السعودية ما يقرب من 66 مليار ريال سعودي 17.6 (مليار دولار أمريكي( خلال فترة الثلاث سنوات المذكورة. ومن أصل هذا المجموع، فإن زيادة الأجور ستكلف 60 مليار ريال سعودي (16 مليار دولار أمريكي(، بينما تبلغ تكاليف تخفيض الرسوم الجمركية في الموانئ 1.25 مليار ريال سعودي ) 333 مليون دولار أمريكي(. كما أقر مجلس الوزراء تخصيص مبلغ عشرة مليارات ريال سعودي أخرى (2.7 مليار دولار أمريكي( لبناء وحدات سكنية رخيصة للفقراء.

توجهات حكيمة
هناك سببان رئيسيان يجعلانا نعتقد أنّ التكاليف الإضافية لن تكون عبئاً ثقيلاً على خزانة الدولة.
السبب الأول، هو أن السعودية ما زالت تتمتع بفائض مالي هائل في خزانتها ـ يقدر بـ 175 مليار ريال سعودي (47 مليار دولار أمريكي( لعام ـ 2008 وهو ما يجعل من السهل عليها أن تدعم أي نفقات إضافية في الميزانية. لكن أي هبوط حاد في أسعار النفط سيكون بمثابة الخطر الوحيد على الخزانة على مدار السنوات الثلاث التالية ـ وهو الأمر الذي سيخالف توقّعاتنا للمنحى المستقبلي لأسعار النفط. ومعلوم أن ميزانية المملكة لعام 2008 قد وضعت على أساس سعر 45 دولاراً أمريكياً لبرميل النفط السعودي (50 دولارا أمريكيا لبرميل خام غرب تكسا س الوسيط(. وفي الوقت الذي نتوقع فيه حصول تراجع في أسعار النفط خلال العام الحالي - خصوصاً في الربع الثاني منه، بسبب التقلبات الموسمية وتباطؤ الاقتصاد العالمي ـ فإن هذا لن يكون له أثر كبير، من حيث الإضرار، في الاقتصاد السعودي.
وقد تهبط أسعار النفط إلى مستويات منخفضة تصل إلى 75 دولاراً لبرميل خام غرب تكساس الوسيط، لكنها ستعاود الارتفاع مجدداً في حال وقوع حادث أو أزمة جيوسياسية معينة. وتوقعاتنا هي أن يظل متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط بحدود 78 دولاراً للبرميل الواحد، مما سيحقق إيرادات للحكومة السعودية تصل إلى 715 مليار ريال سعودي (190.6 مليار دولار أمريكي( في 2008 .وهناك تقديرات تشير إلى أن إجمالي إيرادات المملكة النفطية خلال 2008 سيصل إلى 866 مليار ريال سعودي (231 مليار دولار أمريكي. وفيما يخص المستقبل، فإننا لا نتوقّع أن تهبط أسعار النفط في 2009 إلى ما دون الـ 66 دولاراً للبرميل الواحد، مما يعكس وجود طلب قوي ومستمر، ونموا بطيئا في معدل الإمدادات وهامش ضيق من الاحتياطيات.
وإذا أخذنا كل ما قلناه بعين الاعتبار، فإننا نتوقّع أن تحافظ المملكة على فائض صحي في ميزانيتها لبضع سنوات مقبلة. ورغم توقع هبوط في الناتج المحلي الإجمالي )نتيجة لاستمرار توسع الاقتصاد(، فإن الفائض سيظل في كل الأحوال، متجاوزاً الـ 100 مليار ريال سعودي (26.67 مليار دولار أمريكي(، أقله حتى 2011، مما يؤمن احتياطياً مالياً كافياً ـ رغم أن النفقات الجارية في ميزانية 2008 ستفوق زيادة الـ 11 في المائة المتوقّعة، والتي قد تصل في الحقيقة إلى 16 في المائة.
السبب الثاني، هو أن الإجراءات الجديدة ليست دائمة، ويمكن وقف العمل بها بمجرد انقضاء فترة الثلاث سنوات - رغم أن الاستياء الاجتماعي الحاصل حينئذ، قد يجعل منها إجراءات دائمة. وحتى في حال أصبحت زيادة المرتبات إجراءً دائماً بعد ثلاث سنوات، وهو أمر متوقع، فإن هذا الالتزام لن يشكل عبئاً كبيراً على خزانة الدولة.
وإذا أخذنا الأمر من منظور مالي، فإن الزيادة المضطردة للأجور، تعد بشكل عام توجهاً حكيماً، يتوافق بالكامل مع سياسة الإنفاق العام الرشيدة للدولة. وعلينا أن نبقي في اعتباراتنا أنّ الأجور والمرتبات تشكلان جزءاً كبيراً من بند النفقات الجارية في الميزانية. وحتى خلال الفترات التي عانت المملكة فيها عجزا في ميزانيتها (1983 - 2000)، ظلت الأجور والمرتبات تشكّل معظم النفقات الجارية، رغم خفض الإنفاق إلى الحد الأدنى.

مقارنات مضلّلة
إن المقارنة العملية بين الإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء السعودي بتلك التي تم تطبيقها أخيرا في أنحاء أخرى من الشرق الأوسط لغرض الحد من ضغوط الأسعار في اقتصاداتها الخاصة، تفتقر للدقة. فالاقتصاد السعودي أكبر بكثير من أي اقتصاد آخر في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ إنه ينتج ما يقرب من 51 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الكليّ لدول المجلس. ويجب أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار عند مقارنة السعودية مع بقيّة دول مجلس التعاون الخليجي، كحجم الاقتصاد والاختلافات الديموغرافية وحجم القوى العاملة في القطاع العام.
إنّ تكاليف المعيشة في دبي أو أبو ظبي، على سبيل المثال، ما زالت أعلى بكثير من الرياض أو جدة. وطبقا لمسح أجرته مؤسسة ميرسر في 2007، حلت دبي في المرتبة الرابعة والثلاثين من بين أكثر مدن العالم غلاء، وحلت أبو ظبي في المرتبة الخامسة والأربعين. بينما لم تدرج الرياض أصلاً على قائمة المدن الـ 75 الأكثر غلاء في العالم. يضاف إلى ذلك أن معدل التضخم في قطر والإمارات، كان يزيد عن 10 في المائة طيلة السنتين الماضيتين؛ في حين واصلت إيجارات المساكن ارتفاعها سنة بعد سنة لتتجاوز نسبة الـ 20 في المائة في عمان والإمارات، ونسبة الـ 100 في المائة في قطر خلال السنتين الماضيتين تحديداً. وعلى النقيض من ذلك، كانت الزيادة التي شهدتها السعودية معتدلة نسبياً.
وهناك تقديرات تشير إلى أن زيادة أجور موظفي القطاع العام بنسبة 70 في المائة في الإمارات، ستكلّف خزانة الدولة ما يقرب من 13 مليار ريال سعودي 3.5 (مليار دولار أمريكي(، بينما ستكلف زيادة بنفس النسبة، خزانة الدولة السعودية ما يقرب من 133 مليار ريال سعودي 35.5) مليار دولار أمريكي(، أي ما يزيد بقليل عن مجموع نفقات ميزانية الإمارات لعام 2006.
نحن نعتقد أن إجراء زيادة المرتبات الذي تم إقراره في السعودية ـ زيادة سنوية بنسبة 5 في المائة - لن يؤدّي إلى أيّ ضغوط تضخّمية مهمة في2008 . فالزيادة السنوية في 2008 لن تتجاوز نسبة 2.3 في المائة من موجودات المملكة النقدية، لذا سيكون تأثيرها في نمو الوفرة النقدية عند حدوده الدنيا. فالإدارة المالية الحكيمة لا تدعم زيادة المرتبات بنسبة تفوق معدل التضخم - خصوصاً أثناء فترات التضخم المتصاعد، كما هو حاصل حالياً في المملكة. إذ إن استمرار الزيادة في أجور القطاع العام يحمل في طياته مخاطر توجه الكثير من المواطنين السعوديين نحو الوظائف الحكومية. ويجب أن تكون الزيادة في أعداد موظفي القطاع العام، متبوعة بزيادة مماثلة في معدل الإنتاج، وهو أمر ليس بالسهل تحقيقه تحت أي ظرف من الظروف.
يضاف إلى ذلك أن مرتبات موظفي القطاع العام، تعد في أغلب الأحيان مؤشراً على بقيّة الأنشطة الاقتصادية، مزوّدة القطاع الخاص بمقياس يتم العمل به. لكن المدى الذي ستؤثر فيه زيادات الحكومة في مرتبات القطاع الخاص، يعتمد جزئياً، على درجة اعتماد القطاع الخاص على العمال المغتربين. وكون الغالبية العظمى من القوة العاملة في القطاع الخاص في المملكة هي من العمال المغتربين، فإن التأثير سيقع حتماً. فالعمال المحليون يمتلكون قدرة تفوق قدرة المغتربين على المساومة في سوق العمالة، مما يؤدي إلى زيادة في المرتبات. ولا بد أن تأثير ذلك سيكون أعظم بكثير في دول كعمان والبحرين، حيث يشكل المواطنون نسبة عالية جداً من قوتها العاملة.
وهناك تقارب كبير بين زيادة الـ 5 في المائة، التي بدأ تطبيقها منذ مطلع السنة الهجرية الأولى التي بدأت في الأول من المحرم، العاشر من كانون الثاني (يناير2008 (، ومعدل التضخم الحالي. فزيادة الأجور ستزيد من معدل الاستهلاك، وتظهر إحصائيات مقارنة تغطي كافة أرجاء المملكة، أن زيادة المرتبات بنسبة تفوق معدلات التضخم، في أوقات تصاعد التضخم، ستؤدي إلى مزيد من التضخم. وفي حين كان عامة الناس في المملكة يأملون بإقرار زيادة في أجور القطاع العام بنسبة أعلى، فإن مثل هذه الخطوة ستكون متناقضة مع محاولات كبح جماح التضخم بالطرق الصحيحة.
إننا نتوقع أن يرتفع معدل التضخم في السعودية ليصل إلى 5 في المائة في 2008، لكنه سيبدأ في الهبوط في 2009 و2010 نتيجة لحل معضلة العرض والطلب، فستتراجع أسعار المواد الغذائية باعتدال وتقل مضاربات مبيعات الجملة / التجزئة. وعلى الرغم من أن زيادات أجور القطاع العام ستتجاوز معدلات التضخم البالغة 4.7 في المائة في 2009 و4.3 في المائة في 2010 ، فإن الضغوط الإجمالية على الأسعار لن تدفع معدلات التضخم إلى مستويات تتجاوز المعدل المتوقّع في 2008. إلا أننا نتوقع أن تسهم إيجارات السكن بشكل كبير في زيادة معدل التضخم خلال السنوات المقبلة، في وقت سيظل الحصول فيه على مسكن رخيص أمراً نادر الحدوث. وربما تؤدي زيادة أجور القطاع العام إلى "توزيع" آثار التضخم على كافة الأنشطة الاقتصادية، مما يساعد على احتوائها.
وفي حال ظلت المرتبات عند مستويات تتجاوز معدل التضخم، فسيتم استعادة القوة الشرائية طالما أن زيادة أجور القطاع العام تفوق معدل التضخم. وفي كل الأحوال، فإن زمن اقتصاد سعودي من دون تضخم قد ذهب إلى غير رجعة.

تفاصيل إجراءات مجلس الوزراء السعودي
ستعمد الحكومة إلى زيادة سنوية بنسبة 5 في المائة على مرتبات موظفي الدولة والمتقاعدين من الوظائف الحكومية وذلك كـ "علاوة غلاء معيشة" لمدة ثلاث سنوات.
ورغم أن كثيراً من الناس فهموا في البداية أن الزيادة ستكون زيادة بسيطة بنسبة 5 في المائة إلا أن العلاوة هي في الحقيقة زيادة سنوية مركبة بنسبة 5 في المائة على مر السنوات الثلاث التالية. وبذلك تكون زيادة السنة الأولى 5 في المائة بالضبط، تليها زيادات في السنتين الثانية والثالثة، هي على التوالي 10.25 في المائة و 15.76 في المائة على المرتب الأصلي. هذا يعني أن مرتبات القطاع العام ستكون قد زادت، بحلول 2010، بنسبة تقارب الـ 16 في المائة عملياً. لكن هذا الإجراء يظل بالطبع إجراءً مؤقتاً يمكن للحكومة أن توقف العمل به بمجرد انقضاء الثلاث سنوات؛ وفي الوقت نفسه، فإن نوع "علاوة غلاء المعيشة" التي ستخصص لأولئك الذين يلتحقون بوظائف القطاع العام حديثاً، سواء في 2009 أو في 2010 ليست واضحة تماماً.
وفي أعقاب الإعلان عن تلك الزيادة في السعودية، جرت مقارنات سريعة لها مع زيادة الـ 70 في المائة التي أقرتها الإمارات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 على مرتبات موظفي الدولة. لكن المقارنة بالإمارات، هي مرة أخرى مضلّلة جداً.
فحكومة الإمارات تستخدم ما يقرب من 283 ألف موظف حكومي (إحصائيات2006 ) من أصل إجمالي القوة العاملة في البلاد والتي يصل عددها إلى 2.8 مليون موظف في كلّ القطاعات الاقتصادية. أما الحكومة السعودية، فإنها تستخدم نحو 1.8 مليون موظف ـ أي ما يقرب من 25 في المائة من إجمالي القوة العاملة في البلاد.
والأهم من كل ذلك، هو أن 96 في المائة من القوة العاملة في القطاع العام هم من المواطنين السعوديين. وطبقاً لبيانات مركز الخليج للأبحاث، فإن وزارة الداخلية السعودية تستخدم وحدها، ما يقرب من 500 ألف سعودي في مختلف الأقسام الأمنية.
إن أي زيادة في الأجور تقرها السعودية بشكل مشابه لما يتم إقراره في الإمارات العربية المتحدة، سيكون لها تأثير مهم على الاقتصاد ككل، وعلى التضخم بشكل خاص. يضاف إلى ذلك أن أي زيادة في المرتبات تفوق معدل التضخم، سيكون لها تأثير قوي على حجم الإنفاق، خصوصاً وأن السعوديين يشكلون 96 في المائة من موظفي القطاع العام، ويميلون بطبعهم إلى الصرف أكثر من التوفير - على العكس من العمال المغتربين الذين يوفرون جزءاً من مرتباتهم ويحولونها إلى أوطانهم الأم.
ستقوم الحكومة ولمدة ثلاث سنوات، بإعفاء الواردات السعودية من 50 في المائة من الرسوم الجمركية المفروضة عليها في الموانئ.
تشير تقديراتنا إلى أن الدولة ستتحمّل تكاليف تصل إلى 1.25 مليار ريال سعودي ) 333مليون دولار أمريكي( بدل رسوم الموانئ الجمركية التي ستلغيها على مدى ثلاث سنوات. ورغم أنّنا بحاجة إلى ملاحظة ما يمكن أن يحدثه هذا التخفيض على الواردات السعودية، فإننا لا نتوقع أن يكون له أي تأثير مهم. كما أن القرار لا يشمل الضريبة على الواردات، التي ستظل بعيدة عن أي تأثير. وتشير تقديراتنا إلى أن الضرائب على الواردات ستصل في 2008 إلى 12.8 مليار ريال سعودي ) 3.41مليار دولار أمريكي(، وهو ما يتوافق مع الزيادة المستمرة في حجم السلع المستوردة.

الحكومة ستزيد إعانات الضمان الاجتماعي بنسبة 10 %
يبلغ المجموع السنوي لما تدفعه الدولة من مخصصات للضمان الاجتماعي، 830 مليون ريال سعودي ) 221مليون دولار أمريكي(، يستفيد منها حالياً نحو 600 ألف سعودي. وبالرجوع إلى إحصائيات 2005، فإن ما يقرب من 80 في المائة منهم يستلمون إعانات قليلة. كما أن الطلاب والمكفوفين وأولئك المتضررين من أحوال الطقس السيئة وعائلات بعض السجناء، يستلمون إعانات حكومية أيضاً.
ستتحمل الحكومة، لفترة ثلاث سنوات 50 في المائة من رسوم إصدار جوازات السفر ورخص القيادة ورسوم نقل الملكية، وتجديد تأشيرات الإقامة للعمال المحليين تحظى هذه الإجراءات بتأييد السعوديين، والهدف منها خفض الضرائب غير المباشرة. وقد ظل المواطنون يشتكون على مرّ السنين، من أن الضرائب غير المباشرة ـ كالرسوم التي تدفع للدولة ـ تشهد ارتفاعاً ملحوظاً. وسيتم خفض رسوم إصدار جواز سفر جديد ) 300ريال سعودي(، ورسوم نقل ملكية السيارة ) 150ريالا سعوديا، ورسوم تجديد تأشيرة الإقامة للعامل المحلي 600 ريال سعودي( إلى النصف ـ وكذلك الأمر بالنسبة لرسوم تجديد رخصة السيارة ) 300 ريال سعودي(، ورسوم رخصة سيارة أجرة )400ريال سعودي(، ورسوم رخصة شاحنة صغيرة )750 ريالا سعوديا(، ورسوم رخصة شاحنة كبرة ) 1100 ريال سعودي). ويتم إصدار جوازات السفر عادة بصلاحية خمس سنوات، بينما يتعين تمديد تأشيرات الإقامة للموظّفين المحليين كلّ سنة. وقد بلغ عدد السيارات والعربات المسجلة في السعودية حتى 2005، 13.4 مليون سيارة وعربة.
ستُعجِّل الحكومة ببناء المساكن الشعبية، بميزانية مرصودة تصل إلى عشرة مليارات ريال سعودي ) 2.66مليار دولار أمريكي(، إضافة إلى التخصيصات السنوية الحالية لهذه المساكن.
تثير حالة سوق المساكن قلقاً مستمراً. ورغم أن بناء المساكن الشعبية له أولوية عالية، إلا أن السوق تشهد نقصاً حاداً في أعداد المساكن الجاهزة، ولهذا يظل الطلب عليها عالياً - وتعاني الرياض وحدها نقصا يصل إلى أكثر من 350 ألف وحدة سكنية في 2008، كما أن زيادة الإيجارات تثير قلقاً أيضاً، خصوصاً وأن الغالبية العظمى من السعوديين لا يمتلكون مساكنهم الخاصة.
وطبقاً لإحصائيات وزارة الاقتصاد والتخطيط، فإن ملكية البيوت تدنت خلال السنوات الخمس الممتدة إلى 2005، من 65 في المائة إلى 55 في المائة، نتيجة للنقص الحاصل في عمليات تمويل العقارات وعدم وجود قروض كافية من قبل صندوق تطوير العقارات لتلبية الطلب المتزايد عليها.
يضاف إلى ذلك، أننا نعتقد أنّ ملكية البيوت ظلت تواصل هبوطها في المملكة منذ 2005 وتصل فترة تسديد قرض من صندوق تطوير العقارات حالياً إلى 13 سنة تقريباً. وسيؤدي تطبيق قانون الرهن العقاري إلى إعطاء دفع كبير لملكية البيوت، طالما أن البنوك والمؤسسات المالية الأخرى ستزيد من ائتماناتها السكنية. ونتوقع ألا يتجاوز إجمالي حجم الائتمانات السكنية البارزة للبنوك مبلغ 6.5 مليار ريال سعودي ) 1.73مليار دولار أمريكي( في 2008.
كما تشير الوزارة أيضاً إلى أن النسبة المئوية للمساكن غير المشغولة تراوح ما بين 12 في المائة و15 في المائة من إجمالي سوق المساكن. وهو مؤشر على أن أسعار البيوت سترتفع متجاوزة القوة الشرائية لدى شريحة كبيرة من السكان المحليين، وعلى أن تلك البيوت ستظل فارغة نتيجة للمضاربات عليها.
ونحن لا نعتقد أنّ التضخم الهائل في أسعار الأرضي خلال السنتين الماضيتين هو ظاهرة صحّية، ونحن نرى أن عدم التوازن هذا يزيد من تعقيد الأمور ومن الصعوبات التي تواجه السعوديين الذين يطمحون في تملك بيوتهم الخاصة.

الأكثر قراءة