الارتباط بالدولار يعوق إدارة الاقتصاد الكلي على نحو فاعل في دول الخليج
كشفت دراسة دولية صادرة من إحدى كبرى وكالات التصنيف العالمية, أن موجودات الصناديق السيادية الخليجية ولا سيما المقومة منها بالدولار ستتضرر على نحو لا يستهان به في حالة هبوط قيمة الدولار إلى مستوى نصف يورو, خاصة فيما يتعلق باحتياطيات العملات الأجنبية لها. ووضعت "موديز" تصورين لكيفة تعامل الدول المرتبطة عملتها بالدولار. واتضح من كلا التصورين أن الصين ستخسر 150 إلى 260 مليار دولار. وتم وضع الإمارات في المركز الثاني من حيث حجم الضرر الذي ستعرض له صناديقها السيادية. وألمح ديتمار هورنونج، الذي يشغل منصب نائب الرئيس في وكالة موديز, في حديثه مع "الاقتصادية" إلى أن السعودية قد تكون الأقل تضررا في الخليج نظرا لعدم امتلاكها صناديق سيادية, وامتنع مؤلف التقرير من تقدير حجم احتياطي العملات الأجنبية (المقومة بالدولار), نظرا لأن "ساما" تحيط ذلك بسرية مطلقM. يقول ديتمار "إن الدول الخليجية معرضة للخسارة أكثر من الكسب بسبب هبوط الدولار، على اعتبار أن صادراتها في معظمها من النفط والغاز والمنتجات الأخرى التي تباع بالدولار، وبالتالي فإن الأسعار المتحصلة من بيع هذه السلع تصبح قيمتها أقل عند شراء البضائع من البلدان التي لا ترتبط عملاتها بالدولار", ويتابع: من الواضح تماماً أن بلدان منطقة الخليج العربي تعاني بعدة طرق تدفق الدولارات إليها، وهو ما يدفع إلى الأعلى بالإنفاق الحكومي ويضيف إلى الضغوط التضخمية, ولكن هناك كثيرا من المنافع الواضحة من حيث الدخول وتكديس السيولة الخارجية".
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة نفسها، فطالما أن أي هبوط آخر للدولار يتم على نحو تدريجي ومنظم، فإن هذا في رأي وكالة موديز ستكون نتيجته رقما إيجابيا صافيا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وهو أمر من شأنه أن يقدم مزيداً من العون في تقليص العجز الكبير في الحساب الجاري، وإن كان ينطوي على آثار محتملة في القرارات الاستثمارية الأجنبية.
"الاقتصادية" بدورها تنشر مقتطفات من التقرير الموسع بالتزامن مع "موديز":
إذا حدث المزيد من الهبوط في قيمة الدولار الأمريكي فإن من شأن ذلك أن يزيد من ظواهر تسارع النمو الاقتصادي المقترن بالتضخم overheating في اقتصادات الأسواق الناشئة التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي. إن اقتصادات الأسواق الناشئة، في سعيها للحاق بركب البلدان ذات الدخل العالي، تشهد في العادة مكاسب كبيرة في الإنتاجية قياساً بالإنتاجية الموجودة في شركائها التجاريين. كما أن ارتفاع الطلب على المنتجات المصنعة في هذه البلدان، وكذلك التدفقات الداخلة من المحافظ والاستثمارات (الناتجة عن آفاق النمو العالية في الاقتصادات الناشئة المذكورة)، تفرض ضغطاً إلى الأعلى في سبيل رفع أسعار الصرف الحقيقية. وبالتالي فإنه يصبح من الصعب بصورة خاصة إدارة الطلب بالنسبة للبلدان التي توجد قيود على سياستها النقدية بفعل ارتباط عملتها بعملة أخرى.
من جانب آخر, فإن بلدان منطقة الخليج العربي تَظهر فيها علامات على النمو الاقتصادي السريع فوق الحد (الذي ينشأ عن التسارع في نمو الطلب وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم). وكما هي الحال مع بعض البلدان الآسيوية، فإن ارتباط عدد من العملات الخليجية بالدولار الأمريكي يؤدي إلى استيراد التضخم وإلى استمرار تكديس الاحتياطيات من العملات الأجنبية، وقد تعرضت بعض البلدان بسبب الارتباط بالدولار إلى ضغط لا يستهان به في الفترة الأخيرة. من الواضح أن الطفرة في أسعار النفط والغاز، واقتران ذلك بارتباط العملات المحلية بالدولار الأمريكي، يعمل على إعاقة إدارة الاقتصاد الكلي على نحو فاعل. على الرغم من ذلك فإن التحديات في الاقتصاد الكلي التي تواجهها بلدان منطقة الخليج العربي في الوقت الحاضر تعتمد إلى حد لا يستهان به على التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي في تلك البلدان.
خسائر التقييم في احتياطيات العملات الأجنبية
استناداً إلى بيانات صندوق النقد الدولي، التي ترصد جميع الاحتياطيات التي أمكن التعرف على نِسب العملات الأجنبية بداخلها، فإن حصة الدولار الأمريكي من احتياطيات العملات الأجنبية العالمية كانت 63.8 في المائة في الربع الثالث من عام 2007، في حين أن حصة اليورو كانت 26.4 في المائة. وبالنظر إلى الحصة الكبيرة للدولار في احتياطيات العملات الأجنبية العالمية فإن أي هبوط في الدولار سيؤدي إلى تقييم سالب صاف لمبالغ العملات الموجودة في الاحتياطيات العالمية.
ما آثار هبوط قيمة الدولار إلى مستوى نصف يورو في احتياطيات العملات الأجنبية بالنسبة لكل بلد من البلدان؟ للجواب عن هذا السؤال ندرس تصورين اثنين. نفترض في التصور الأول أن الارتباط القائم بالدولار يظل على حاله. ونفترض في التصور الثاني أن البلدان تتخلى عن ارتباط عملاتها بالدولار أثناء انحدار الدولار.
يبدو أن الأثر المحتمل في التزامات البلدان وميزانياتها العمومية سيكون أثراً لا يستهان به في كلا التصورين. ستكون أكثر الدول تضرراَ هي الصين، حيث إنها "ستخسر" أكثر من 150 مليار دولار في ظل التصور الأول و260 مليار دولار في ظل التصور الثاني. في المقابل ستواجه الإمارات خسارة صغيرة نسبياً بالمعدلات المطلقة، ولكنها ستتضرر على نحو لا يستهان به إذا أخذنا في الاعتبار الموجودات المدرجة في صناديقها السيادية . لاحظ أن أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم هو جهاز أبو ظبي للاستثمار، الذي تقدر قيمة موجوداته بحدود 1.3 تريليون دولار. فإذا أدخلنا هذه الموجودات في تحليل الخسائر، فإن الإمارات ستأتي في المرتبة الثانية بعد الصين مباشرة.
رغم أن هبوط القيمة ستشعر به بالتأكيد البلدان التي توجد لديها قاعدة احتياطيات كبيرة بالدولار، إلا أن ذلك لا علاقة له بموضوع التقييم السيادي. والسبب الرئيس في ذلك هو أن البنوك المركزية لا تقيد موجوداتها بحسب القيمة السوقية لتلك الموجودات، ولا يتعين عليها أن ترصد تخصيصات في سبيل التعويض عن الخسائر في قيمة الدولار. وفي العادة يوجد في تلك البنوك حساب خاص تسجل فيه المكاسب أو الخسائر على مدى الزمن. وفي معظم الحالات لا توجد آلية لإدراج خسائر التقييم المذكورة على نحو مباشر في الميزانيات العمومية للبنوك، أو على نحو غير مباشر في الميزانية العمومية لوزارة المالية.