من هو الخبير؟
تفتح التلفزيون على برنامج من البرامج وتجد أن مقدم البرنامج يقدم للمشاهدين شخصاً على أنه خبير, أو خبيرة في أمر من الأمور, وتفتح الجريدة وتجد أيضا مقابلة مع فرد من الأفراد باعتباره خبيرا في شأن آخر. كلمة خبير تعني تمكن الفرد وقدرته وإلمامه بالمكونات المعرفية النظرية منها أو التطبيقية, إذ بكلمة أخرى أن من يطلق عليه خبير يفترض استيعابه النظري, وشمولية معرفته, أو توافر المهارات اللازمة لإنجاز أمر من الأمور التي قد لا يستطيع عليها عموم الناس, أو لا يلمون بها. مجالات الحياة المتعددة من الممكن أن يكون فيها خبراء سواء في الاقتصاد, السياسة, الهندسة, الطب, التقنية, الحاسب الآلي, أو التعليم, كما أن المجالات الكبيرة كالاقتصاد تتفرع حتى نجد أن لكل فرع من فروعها خبيرا, أو أكثر فهذا خبير مالي, وآخر خبير محاسبي, وثالث خبير في الأسهم, ورابع خبير في البنوك الإسلامية وهكذا, كما أن الصحة ينطبق عليها الشيء نفسه فنجد من هو خبير في الغذاء, ومن هو خبير البشرة, وتقنياتها, وثالث خبير في الشعر, ورابع خبير في الرياضة والتخسيس. أما في مجال التربية فنجد أيضاً من هو خبير مناهج, أو خبير في إدارة التربية والتعليم, وآخر خبير في تقنيات التعليم, ومثلهم خبير في القياس والتقويم. وما يقال عن هذه المجالات ينطبق على الزراعة فهذا خبير نبات, وآخر خبير آفات زراعية, وثالث خبير تسويق وما إلى ذلك من الأسماء. تصنيف الخبراء من الممكن أن يأخذ صورة أخرى حيث نقرأ ونسمع من وسائل الإعلام ذكرها خبراء هيئة الطاقة الدولية, وخبراء البنك الدولي, وخبراء صندوق النقد الدولي, وخبراء اليونسكو, وخبراء الصحة العالمية وغيرهم, وهذا التصنيف يحمل معنى الدولية أو العالمية وليس الصفة المحلية بما يعنيه ذلك من مكانة ونفوذ حتى أن هؤلاء الخبراء أصبحوا محل ضغط على دول بسبب صفتهم الدولية.
هل كل من يطلق عليه خبير بالفعل خبير وتنطبق عليه مواصفات وخصائص الخبير التي تؤهله للحديث في المجال, أو الموضوع المطروح للنقاش أو الممارسة فيه, وهل كل من تجرى معه مقابلة على اعتبار أنه خبير يصدق عليه هذا الوصف بحيث نجد لديه المهارات التي تؤهله لهذا الاسم والمعرفة الكافية؟ تساءلت حول هذا الأمر, وأعتقد أن غيري طرح هذا السؤال على نفسه أو مع غيره من الناس, خاصة أننا نجد الكثير من هؤلاء الخبراء المزعومين يظهرون في مرحلة من المراحل, ويزاولون نشاطاً, أو يتحدثون عن موضوع من المواضيع مما يعطيهم المصداقية في نظر الآخرين, ويجعل ما يقولونه محل قبول وثقة من الآخرين. قبل انهيار سوق الأسهم الانهيار المريع, الذي ترتب عليه إفلاس الكثير من الناس, وتدهور صحتهم, وإصابتهم بالأمراض, ودخول بعضهم السجن بسبب الديون, كانت القنوات الفضائية المعنية بالشأن الاقتصادي, وبالتحديد الأسهم تستضيف الكثير ممن يطلق عليهم مجازاً خبراء أسهم, ويحلل هؤلاء مقدمين النصيحة بصورة مباشرة, أو غير مباشرة لجمهور المشاهدين للشراء في هذه الشركة, أو تلك, والثقة بالسوق مستخدمين مصطلحات أو ألفاظا توحي للمستمع, أو القارئ بأهلية هذا الشخص, وقدرته على التحليل, واستقراء المستقبل, ويعلم الجميع ما آلت إليه الأمور, حتى أن هؤلاء الخبراء اختفوا, وكأنهم فقاعة صابون تطايرت وتلاشت في الهواء ولم يعد لها أثر على الإطلاق, ولكن بعد ماذا بعد أن أوردوا الكثير المحرقة.
وإذا كان "خبراء المال, وسوق الأسهم" قد فعلوا فعلتهم الشنيعة فغيرهم كثير خاصة في مجال الصحة, والتخسيس, والغذاء, والشعر حيث يشتكي الكثير من نصائح قدمت من أفراد يدعون, أو يقدمون على أنهم خبراء في هذه المجالات لكن النتيجة كانت غير سارة بل مضرة, حيث نقرأ, ونسمع عمن تدهورت صحته باستخدام برنامج غذائي, أو من تغير لون بشرتها, أو من سقط شعرها, وهذا كله بفعل هذا الخبير أو تلك الخبيرة.
من الملام؟ أعتقد أن اللوم موزع على عدة جهات, أولاها جهات الإعلام من قنوات, أو صحف التي تقدم هؤلاء على اعتبار أنهم خبراء دون محاولة منها للتحري بشأنهم, ومدى مصداقية هذا الوصف عليهم, ولذا فوسيلة الإعلام مطالبة بشكل أساسي بالبحث, والاهتمام بمعرفة واقع هؤلاء, ومدى خبرتهم بهذا الشأن, إذ لا يكفي أن يمارس هذا الفرد نشاطاً في مجال من المجالات أو يكتب فيه حتى يعد خبيراً, إن وسائل الإعلام تسهم في الترويج لهؤلاء حين تجري مقابلة معهم, وتحيطهم بشيء من الثقة لدى عموم الناس الذين يشاهدون المقابلة أو يقرأونها, وعليه يكون سعيهم للاستفادة من خبرتهم المزعومة, أما الطرف الثاني فهو الجهات ذات العلاقة التي سمحت لهؤلاء بمزاولة الأنشطة في المجالات التي يدعون أنهم خبراء فيها, هذه الجهات مطالبة بالتحري الدقيق, ووضع المعايير, والضوابط التي من شأنها معرفة مدى توافر الأهلية والخبرة, والمؤهل, إضافة إلى المحاسبة الشديدة في حال حدوث مخالفات أو أخطاء من قبل هؤلاء.
أما الطرف الثالث الملام فهم المستفيدون من خدمات هؤلاء, ولذا فالأمر يتطلب عدم الانجرار وراء ما تروج له بعض وسائل الإعلام, ويؤخذ على اعتبار أنه صحيح, إن التسليم, والقبول بما يقوله هؤلاء الخبراء, أو ما تقدمه وسائل الإعلام يشكل خطورة بالغة على صحة وأموال وحياة الكثير.
في صبيحة يوم ربيعي وكنت يومها في عمادة كلية التربية في جامعة الملك سعود, وفي وقت مبكر جداً دخل علي في المكتب رجل يحمل ملامح من شرق آسيا من دون ترتيب, أو علم مسبق, وقدم نفسه على اعتبار أنه خبير في الشؤون التربوية, وقد جاء للمملكة في مهمة استشارية لوزارة التربية والتعليم, وسأل إن كان من الممكن الحديث إلي بهذا الشأن فأبديت موافقتي, وبدأنا الحديث عن الموضوع, والمناقشة المستفيضة, والدقيقة حول التربية, والتعليم في المملكة, بشأن همومها, ومستقبلها لكن تبين لي أنه كلما تعمقت معه في قضايا تربوية انكشف عدم إلمامه بها حتى وإن كانت عامة, ولا تخص المملكة, عندها تساءلت عن الفائدة التي سنجنيها من مثل هذا الخبير, ووقتها تداعت إلى ذهني صور عديدة خاصة ما يتعلق بالأجنبي, والثقة المطلقة التي نوليها إياه دون محاولة للتحري, ومعرفة الحقيقة بشأنه. الخبير الأجنبي خاصة إذا كان أزرق أو أخضر العينين وأشقر الشعر, وأبيض البشرة يحظى بثقة لا حدود لها مما يعني مكاسب مادية ضخمة لا تخطر على بال عاقل ومعنوية متعالية.