المشراق

الكنافة والقطائف في التراث العربي

الكنافة والقطائف في التراث العربي

للعلامة جلال الدين السيوطي رسالة مهمة في الكنافة والقطائف، سماها "منهل اللطائف في الكنافة والقطايف"، جمع فيها أخبار هاتين الحلويين، وما قيل فيهما من نثر وشعر، وبعض الأخبار المتعلقة بهما، والرسالة مطبوعة. ومما ورد في رسالة السيوطي أنه حدث في القرن العاشر الهجري أن ارتفعت أسعار الحلوى فرفع المصريون شكوى منظومة شعرا إلى المحتسب وجاء في القصيدة الشكوى:
لقد جاد بالبركات فضل زماننا
بأنواع حلوى نشرها يتضوع
حكتها شفاه الغانيات حلاوة
ألم ترني من طعمها لست أشبع
فلا عيب فيها غير أن محبها
يبدد فيها ماله ويضيع
فكم ست حسن مع أصابع زينب
بها كل ما تهوى النفوس مجمع
وكم كعكة تحكي أساور فضة
وكم عقدة حلت بها البسط أجمع
وكم قد حالا في مصر من قاهرية
كذاك المشبك وصله ليس بقطع
وفي ثوبه المنقوش جاء برونق
فيا حبذا أنواره حين تسطع
وقد صرت في وصف القطايف هائما
تراني لأبواب الكنافة اقر
ما قاضيا بالله محتسبا عسى
ترخص لنا الحلوى نطيب ونرتع

ويقول بعض الباحثين إنه ليس هناك طعام ولا شراب اقترن اسمه بشهر رمضان أكثر من الكنافة والقطائف، على مر مئات السنين، ولذا وجدنا الحديث عنهما حاضرا في الأدب والشعر العربي على مر العصور. وقد تنافست البلدان في سجالات تاريخية حول من كان له قصب السبق في الوصول إلى طريقة صنعها أولا، وبرز هذا التنافس بوضوح بين المصريين والشوام. وكتب الباحث محمد سيد كيلاني، مقالة عام 1950 في مجلة "الرسالة" بعنوان "شهر الكنافة والقطائف"، ذكر فيها أن لفظ الكنافة لم يذكره أحد من أئمة اللغة، ولا نجد في الألفاظ اللغوية ما يصلح أن يكون مادة لها، فلعلها كلمة يونانية. وينقل في مقالته عن السيوطي عن ابن فضل الله العمري صاحب "مسالك الإبصار" أنه قال: "كان معاوية يجوع في رمضان جوعا شديدا فشكا ذلك إلى محمد بن آثال الطبيب فاتخذ له الكنافة فكان يأكلها في السحر فهو أول من اتخذها". ثم يعقب مشككا بصحة الخبر لأن المؤرخين المتقدمين لم يشيروا إليه، ولم يذكر لنا ابن فضل الله المصدر الذي نقل عنه، ويضيف أنه لو عرفت الكنافة منذ عصر معاوية لذكرها الشعراء فيما ذكروا من أطعمة، فقد رأينا الشعراء حتى العصر العباسي الثاني يذكرون القطائف وغيرها من الأطعمة، ولم نر في شعرهم أثرا للكنافة، وهذا دليل واضح على أنهم لم يروها أو يسمعوا بها. ولاحظ سيد كيلاني في دراسته أن الشعراء المصريين هم أول من ذكر الكنافة في أشعارهم، وأول من تغنى بها، ومنهم الشاعر أبو الحسن الجزار المصري الذي يقول:
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر
وجاد وليها سكر دائم الدر
وتبا لأوقات المخلل إنها
تمر بلا نفع وتحسب من عمري

وعن علاقة الكنافة والقطائف بشهر رمضان يقول الشاعر الجزار نفسه:
ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا
ولولا رضاها لم أرد رمضانها
عجبت لها من رقة كيف أظهرت
علي قد صد عني جناحها
ترى اتهمتنى بالقطايف فاغتدت
تصد اعتقادا أن قلبي خانها

ومن أشعار المفاضلة بين الحلويين قول الشاعر ابن عنين:
غدت الكنافة بالقطائف تسخر
وتقول إني بالفضيلة أجدر
طويت محاسنها لنشر محاسني
كم بين من يطوى وآخر ينشر

ويؤكد سيد كيلاني أنها عرفت منذ العصر العباسي، وجاء ذكرها في شعر ابن الرومي وغيره، ومنهم من شبهها بحقاق من العاج، ومنهم من شبهها وقد رصت في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام، وفي هذا قال الشاعر:
لله در قطائف محشوة
من فستق دعت النواظر واليدا
شبهتها لما بدت في صحنها
بحقاق عاج قد حشين زبرجدا

وقال شاعر آخر أيضا في القطايف:
أقول وقد جاء الغلاء بصحنه
عقيب طعام الفطر يا غاية المنى
بحقك قل لي جاء صحن قطائف
وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق