قوة التحفيز وقوة الإلهام

في عصرنا الحاضر والكوكب المكتظ بالسكان والتزاحم المهلك على الموارد وارتفاع فجوة الثراء والفقر بات من المهم أن يعمل كل إنسان (سواء داخل منظومات العمل الرسمية أو خارجها) لكسب قوته وبناء حياة كريمة أو تحسين وضعه وفرص المستقبل.
ومن المتوقع في ظل المنافسة الشديدة أن ترتفع معدلات الإحباط واليأس من تحقيق أحلامنا.
وفي هذه الحال يبحث الفرد عن بصيص أمل ويتعلق بأي عامل محفز لشحن قواه المعنوية ودفعه إلى الأمام.
أحيانا يكون هذا البصيص عبارة عن مساعدة مالية بسيطة أو تذليل عقبة أو حتى مجموعة كلمات ونصائح تعطينا الأمل للمواصلة والاستمرار. منذ أسابيع تواصلت معي إحدى الفتيات (في سن المراهقة) لتصف حياتها البائسة بسبب السمنة وأثرت في قصتها فطلبت من متابعي المساهمة في تحفيزها، وإسداء النصح كل حسب مجاله سواء الطبي أو النفسي أو التعليمي. خلال هذا المجهود البسيط أبهرني كم التحفيز والحب الذي انصب من المتابعين، مجتمعا في قالب جميل وتكاتف لهدف واحد. وبعد أسبوعين أخبرتني الفتاة بالتغيير الذي بدأته في حياتها، وكانت سعادتي لا توصف، ليس فقط لإنقاذ فتاة من براثن الإحباط، بل لأن العمل كان جماعيا ومليئا بالحب والتفاعل والمشاركة.
شاهدت أخيرا محاضرة في TEDx لشخص اسمه (ديريك كلارك) يحكي قصته ليحفز الآخرين للنهوض من يأسهم وبؤسهم واستعادة حياتهم بشكل فاعل وإيجابي. ويصنف "كلارك" الناس وأسلوبهم في الحياة إلى خمسة أصناف:
النوع الأول Tire أو إطار السيارة الذي يستخدم لأجل معين ثم يتم استبداله.
النوع الثاني Flyer أو الطائر الذي يتهرب من المواقف ولا يواجهها لأعذار مختلفة.
النوع الثالث Cryer أو المتباكي الذي يشكو عدم القدرة على فعل الأشياء ويلعب دور الضحية.
النوع الرابع Liar أو الكاذب الذي يبدو بهيا من الخارج لكنه ضائع في داخله.
النوع الخامس Trier وهو الشخص الذي يعيد المحاولة ولا ييأس من تكرار التجربة للوصول إلى النجاح.
ويصف كلارك قصته الشخصية من الطفولة، المملوءة بالعنف الأسري والضرب والأمراض النفسية وانتهت بإيداعه في مصحات نفسية للأطفال وعدم رغبة أهله في الاعتناء به أو استعادته للعيش معهم. وتحدث عن صعوبات التعلم التي واجهها من جراء ظروفه وكان التشخيص النفسي لحالته وحده كفيلا بتدمير مستقبله. وتنقل خلال سنوات طفولته من دور الرعاية إلى أسرة تبنته فقط في عطلة الأسبوع ثم امتدت العطلة إلى أسابيع ثم أشهر ثم سنوات. وأثناء هذه الرحلة وجد أبواه بالتبني أنه لم يكن مريضا نفسيا بل مجرد طفل فاقد للحنان والحب والرعاية. وبدأ بتعلم القراءة والكتابة في سن تسع سنوات.
وصل كلارك للمرحلة الثانوية ومر بتجربة التعبير عن معاناته من خلال موسيقى الراب واجتاز المرحلة الثانوية وتعلم خلالها أنه لم يكن متخلفا أو ضحية لظروفه بل اعتبر أن ماضيه المظلم هو المحفز الرئيس له ليصل إلى النجاح. في سن 25 أصبح يجني 100 ألف دولار سنويا وحقق المليون الأول وعمره 32 عاما، وهو اليوم متزوج منذ 19 عاما وله أربعة أطفال وجعل أحد أهدافه تحفيز شخص جديد كل يوم في حياته.
نحن لسنا ضحايا ظروفنا كما نحب أن نعتقد، بل نتاج لمجموعة الخيارات التي نقوم بها وليس هناك وصفة واحدة للنجاح، لكن المؤكد أن كلمة واحدة أو لفتة بسيطة قد تغير مسار أحدنا فلنكن إيجابيين ومحفزين وداعمين وليس العكس.
ولله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي