رجال الأعمال: الرسالة الفاضلة والشعور بالمسؤولية!

رجال الأعمال: الرسالة الفاضلة والشعور بالمسؤولية!

[email protected] رجل الأعمال تاجر متعدد الأنشطة والاهتمامات والأماكن، ويكون عادةً إنسانا مثقفا واسع الاطلاع في علوم تجارته. ورجال الأعمال أو كما كانوا يسمون بالتجار، ركيزة من ركائز المجتمع عبر التاريخ البشري. وبصلاح رجال الأعمال وإخلاصهم لأوطانهم تقوم الأمم والأوطان، وفي فساد حالهم وضعف هممهم الضرر البالغ على أوطانهم. التجار المخلصون لم يدخروا أموالهم وأنفسهم في سبيل نصرة الإسلام وتمويل غزوات الدعوة والفتح الإسلامي منذ عهد النبوة الأول، وسيدهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الذي قدم أمواله لتجهيز جيش الرسول عليه الصلاة والسلام ثم قدم أعز ما يملك من الآبار في سنوات الجفاف، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي أثنى عليه الرسول الحبيب لكثرة ما أنفق في سبيل الله، وسيد الرسل والخلق عليه الصلاة والسلام هو المثل الأعلى والأول للتاجر ورجل الأعمال المسلم في الأمانة والاجتهاد وحسن الظن والتوكل على الله والسماحة في البيع والشراء والاقتضاء. وفي المملكة أسهم الخيرون من التجار في تمويل حملة التوحيد الوطنية التي استمرت ما يربو على 30 عاما بقيادة المؤسس الملك عبد العزيز عليه واسع رحمة الله، ووجدوا جميعا منه وفي أبنائه الأكارم ومن الدولة العرفان والدعم والمساندة والرعاية. كما أن التجار ورجال الأعمال في مختلف دول العالم يمولون الحملات الانتخابية وحملات التأثير في الرأي والأعمال الإنسانية ودعم الخطط والأهداف الاستراتيجية لاقتصاداتهم، مع إحساس جارف بالمسؤولية الاجتماعية، وأفضل الأمثلة اليوم كل من بيل جيتس مالك "مايكروسوفت" ووارن بافت ملك الأسهم الأمريكي، اللذين تبرعا بنصف ثروتيهما، أي ما لا يقل عن 40 مليار دولار، للأعمال الإنسانية الدولية. وقد عاصرت وجالست الكثير من رجال الأعمال الذين انطلقوا من بداية عهد التأسيس ثم العهود اللاحقة والحقيقة التي لا تغيب عنها الشمس، إنهم جميعاً وجدوا الدعم المباشر أو غير المباشر من الملك المؤسس أو أحد أبنائه الأكارم. واليوم لا يوجد رجل أعمال معروف لم يجد الدعم المباشر أو غير المباشر من الدولة، مليكها وأمرائها ووزرائها، هذا عن جيل الرواد أما الأجيال اللاحقة فهذا محل بحث. ولكي أعرض الجانب الآخر من الموضوع بعدل وإنصاف، فإن رجال الأعمال الذين انطلقوا قبل الطفرة كانوا أصحاب حظ، فرغم استمرار عدم توافر المعلومات الاقتصادية، الإحصائية، المالية، والسكانية، ودراسات المخاطر والعرض والطلب والمؤشرات الاقتصادية، إلا أنه قبل الطفرة لم توجد هذه المستويات من المنافسة غير الشريفة أحيانا، ولا هذا المستوى من الانفتاح على الغير الذي جلب أنواعا وأشكالا مختلفة من الفساد. الوضع في المملكة بالنسبة لرجال الأعمال، ورغم كل ما تقدمه وتأمل في تقديمه، يشابه الوضع في الغرب في الخمسينيات والستينيات، مع وجود عامل التقنية الذي يذلل بعض العقبات. في الخارج يجد رجل الأعمال منذ عقود المعلومة الصحيحة في الوقت الصحيح والمكان الصحيح، وبكل عدل وشفافية، بينما المعلومة في المملكة عملة نادرة. ينكسر التاجر وبعد عدة سنوات يكتشف أن البلد كانت تمر بركود عام في قطاعه أو قطاع التمويل أو قطاع النقل، وأن هناك ركودا في الولايات المتحدة واليابان ولم يتم إعلامه أو تحذيره عن آثاره عليه. كما أنه يمكن أن يكون هناك مؤشرات اقتصادية سلبية مثل انخفاض الناتج المحلي أو عجز في الميزان التجاري أو ميزان المدفوعات، أو ارتفاع في التضخم ولا يجد التحذير الرسمي المناسب. وإذا أفلس لا يجد الحماية المناسبة من الأساليب التي يستخدمها الدائنون. رجل الأعمال يطبق مقولة إن التجارة تسعة أعشار الرزق، فهو جد واجتهد وثابر وحقق حلمه وكون ثروته من مصادر كسب وعمل مشروعه، وبممارسات وأخلاقيات حميدة بعيداً عن الفساد، الكذب، الخداع، التدليس، الغش، والتزوير، وبمستوى رفيع من مكارم الأخلاق، وبعيداً عن إلحاق الضرر بالمال العام أو الخاص، وعلى أساس أن خير الناس أنفعهم للناس، وبتقوى الله في كل شأنه في الخارج، خاصة أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن تفلس وتبدأ حياتك من جديد لتتعلم من تجاربك وتقف من جديد لأداء الحقوق بأسلوب غاية في التحضر، كما توجد جمعيات ومؤسسات تابعة للدولة لرعاية رجال الأعمال المفلسين لإعادة انطلاقتهم، وتوجد صناديق عون رسمية وخاصة لإعادة تمويل المستثمرين من التجار فهم أصحاب تجارب. في المملكة إذا "طاح البعير كثرت سكاكينه". يجب أن نعلم أن رجل الأعمال لكي يصبح كذلك قضى أياماً من عمره لا يملك قوت يومه، وأنه كان مديوناً أو معسراً. وليس له تأمينات اجتماعية ولا ضمان ولا صندوق إعانة، ولا تحل عليه الصدقة في نظر الكثير لأنه غني بذّر ماله وأفلس بغض النظر عن كيفية وأسباب ذلك. أعتقد أن من قرر أن يكون رجل أعمال في المملكة قد اتخذ قرارا مصيرياً غالي الثمن. أغنى ألف شخص في العالم لم يصبحوا أغنياء في يوم وليلة، جاعوا، مرضوا، أعسروا، واقترضوا عدة مرات وسجنوا وتعرض لصنوف المعاناة وتعلموا من تجاربهم حتى وصلوا. تنظر فئة من المجتمع إلى رجل الأعمال أنه لا بد أن يكون من آل فلان، أو من طبقة محددة، وعلى أي حال ستنظر له بعين الحقد والحسد وعلى عدم الرضا لأنه منعم عليه من الله. ولكن عزز ذلك إضافة إلى ما تواجهه هذه الفئة من مشاكل اجتماعية وثقافية هو أنه بعد الطفرة برزت فئة من التجار ورجال الأعمال أساءت إلى مهنة سيد الخلق، ونزعت عنها رسالتها الفاضلة، وأصبحت سفيرة لبلادها في كل ما يسوء وهذه الفئة كما ترى في طور الزوال. أغنى رجال الأعمال في العالم لم يكونوا أصلاً من عائلات معروفة، بل كانوا من الطبقتين الدنيا أو الوسطى، وواجهوا صنوف المعاناة حتى وصلوا. كما أن الشعور السلبي لدى الكثير عن رجال الأعمال يعود إلى ارتباط هذا المسمى بالكثير من الممارسات الخاطئة والمكروهة ديناً وعرفاً، مثل مظاهر الإسراف والبذخ على أمور الدنيا في الداخل، والأغلب في الخارج، بما يتجاوز التحدث عن نعمة الله إلى غضب الله، وذلك سواء في المسكن أو السفر والتنقل وكافة شؤون الحياة وترتبط ممارسات كثيرة لرجال الأعمال بالنفاق والربا والسمعة، إلا أنه توجد نخبة من رجال الأعمال ينطبق عليهم قوله تعالى (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله). اليوم في المملكة نجد تدفقا غير مسبوق للمعلومات والإحصائيات والخدمات الاستشارية، والدعم الملكي والتشجيع والرعاية والاحتضان لرجال الأعمال الشباب والندوات والمؤتمرات المتخصصة، ما يقدم قاعدة من التوجيه والإنذار المبكر للمبتدئين والكبار على السواء. المطلوب اليوم شعور رفيع المستوى بالوطنية، خاصةً من كبار رجال الأعمال الذين تجاوزت أعمالهم السنوية المليار ريال، وهذا من فضل الله ثم الدولة ثم جهدهم ومثابرتهم، والواضح أنهم لم ينسوا أنفسهم، وهنا أسألهم حق الدولة والمجتمع والمسؤولية الاجتماعية. رجال الأعمال في المملكة هم الأقل عالمياً في تقديم الأعمال الكبرى لمدنهم ومواطنيهم ومجتمعهم، رغم أن الدولة لا تطبق الأنظمة الغربية التي تثقل كاهل رجل الأعمال، ورغم ذلك يقدمون الكثير لبلادهم! رجل الأعمال امتهن هذه المهنة من أول يوم في حياته العملية، وراهن على حياته بنجاحه. رجل الأعمال ليس من ممارسي الفساد الإداري في الدولة ثم تقاعد أو استقال كي يقوم بالممارسات نفسها في القطاع الخاص. موظف الدولة الذي يبتز رجال الأعمال ويكوّن الثروات غير المشروعة ثم يؤسس أعمالا تجارية ليس رجل أعمال. رجل الأعمال ليس رجل مال، رجل الأعمال يلجأ لرجال المال لدعم أعماله ومشاريعه، رجال المال بحاجة إلى رجل الأعمال لتنمية استثماراتهم، والعلاقة وثيقة ومتبادلة، ويعيشون في مستويات من التواضع لله ثم لخلقه، ويقومون بدورهم ومسؤولياتهم الوطنية والاجتماعية في السر والعلن، ويستثمرون جل أموالهم عكس الأغلبية الساحقة في وطنهم وبحمد الله يحققون أرباحاً ومكاسب لا يحققها غيرهم في خارج المملكة, لأنهم أعطوا وطنهم فأجزل لهم العطاء. والقاعدة هل فصل الحياة الخاصة عن المادة والمال إلا في مكتبك، والتعامل مع المال كما يتعامل الطبيب مع الدواء والاستعانة على قضاء الأمور بالكتمان، حقوق الله ثم عباده في هذه الأمانة بما يحفظها وينميها، ولو دامت لغيرك ما وصلت لك. المملكة وطن وفاء وعطاء، أسست على مكارم الأخلاق والفضائل، تعطي من يعطيها بغض النظر عن أصله وفصله، وترعى من يراعي حقوقها. المطلوب اليوم من الدولة المزيد من الرعاية والاحتضان والدعم لرجال الأعمال في مختلف مراحل حياتهم منذ البداية حتى النجاح أو الإفلاس وما بعد الإفلاس. ليس من الضرورة أن يكون واصلا أو ذا علاقة بصاحب قرار ليتحصل على مشاريع في الدولة، وليس بالضرورة أن يوقف أو يسجن إذا تعثر! الأعمال وما قدم من إنجازات لها قيمتها وتستحق الشكر والعرفان والله الموفق.
إنشرها

أضف تعليق