سريلانكا من الانهيار إلى التعافي الحذر

سريلانكا من الانهيار إلى التعافي الحذر

سريلانكا من الانهيار إلى التعافي الحذر

قبل 3 سنوات فقط، كانت سريلانكا على شفا الانهيار الكامل، احتياطيات النقد الأجنبي هبطت إلى أقل من ملياري دولار، العملة فقدت أكثر من نصف قيمتها خلال عام واحد، التضخم تجاوز 70%، والبلاد عجزت عن استيراد الوقود والدواء والغذاء. خرج مئات الآلاف إلى الشوارع، وانهارت الحكومة تحت ضغط الشارع.

هذا العام تبدو الصورة مختلفة، فالناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 5% العام الماضي، وسط توقعات بأن يقارب ذات النسبة هذا العام، التضخم تراجع إلى 1.2% فقط في أغسطس الماضي، العملة أكثر استقرارا، والسياحة تعافت بشكل لافت. واليوم باتت البلاد تحت مظلة برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، مع 4 مراجعات ناجحة حتى الآن.

المؤشرات الحالية ترسم ملامح تحسن واضح، والبنك المركزي يتحدث عن استقرار نقدي يسمح بالتخطيط طويل الأمد. لـ"الاقتصادية" تقول الدكتورة باربرا ستيلي خبيرة الاقتصاد الكلي، "أهم ما تحقق هو استعادة الثقة بالاقتصاد الوطني. التضخم الذي التهم دخول الأسر توقف، العملة استقرت، وأصبح في وسع الحكومة والشركات والأفراد وضع خطط للغد. هذا نجاح ملحوظ لبرنامج إعادة الهيكلة المدعوم من صندوق النقد".

أحد أبرز النجاحات تحقق على جبهة الدين الخارجي. فقد أبرمت كولومبو اتفاقيات لإعادة هيكلة نحو 10 مليارات دولار، شملت تمديد آجال السداد ومنح فترات سماح، ما جعل جدول الدين أكثر قابلية للتحمل. كما ابتكرت أدوات تمويل جديدة تزيد العوائد المالية وتعزز الاستقرار.

لكن هذه الترتيبات لا تمثل نهاية المطاف. فابتداء من 2028 ستحتاج الدولة إلى تدبير ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار سنويا لخدمة الدين الخارجي. وكما يوضح خبير صندوق النقد السابق أتكينز بيرجل "ما حدث هو تخفيف فوري للضغوط، لكن الاستدامة تحتاج إلى موارد داخلية أقوى واستثمارات خارجية أضخم".

ورغم إشادة المؤسسات الدولية، فإن المواطن العادي لم يشعر بعد بثمار التعافي. تشير تقديرات منظمات محلية إلى أن 6.3 مليون شخص يضطرون إلى تقليل وجباتهم اليومية، وأكثر من 65 ألف أسرة تعاني نقصا غذائيا حادا. رفع الضرائب غير المباشرة وخفض الدعم زادا من أعباء الطبقات المتوسطة والفقيرة، فيما استهدفت خطة الدين المحلي مدخرات صناديق التقاعد، ما أثار قلق الموظفين الحكوميين.

يعتمد التعافي الحالي على تعافي السياحة وتحويلات العمالة في الخارج، خصوصا من منطقة الخليج العربي، إضافة إلى استقرار الواردات بعد رفع قيود الأزمة. في المقابل، تباطأت صادرات الملابس الجاهزة بسبب تراجع الطلب في أوروبا وصعود السياسات الحمائية الأمريكية.

ويوضح الخبير الاستثماري ك. لين لـ"الاقتصادية" وجهة نظره بشأن الحفاظ على المكاسب المحققة بالقول "تحفيز الاستثمار الخاص في قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والمناطق الاقتصادية الخاصة، مع حوافز ضريبية مدروسة لا تضر بمسار تعبئة الإيرادات شرط ضروري لتحقيق استقرار مستدام". ومع تحسن مناخ الأعمال، يتوقع بعض المحللين أن تصل نسبة النمو العام المقبل إلى 6% إذا تسارعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لكن المخاطر قائمة، أي صدمة نفطية أو اضطرابات سياسية قد تعطل الإصلاحات وتعيد البلاد إلى مسار بطيء، وربما إلى مربع الأزمة مجددا.

تقف "جزيرة الشاي والأحجار الكريمة" اليوم على عتبة التعافي الاقتصادي المنضبط. برنامج صندوق النقد وفر إطارا للحركة، إعادة الهيكلة خففت المخاطر، والسياسة النقدية منحت الاقتصاد قدرة أكبر على التنبؤ. لكن ما لم تترجم هذه المكاسب إلى إصلاحات مؤسسية دائمة وعدالة اجتماعية تضع المواطنين في صلب المعادلة، ستظل سريلانكا معرضة للانتكاس.

باختصار لا تملك سريلانكا ترف الخطأ مرة أخرى. فالنجاح الحالي مشروط، والمستقبل يعتمد على أن يكون الأداء الاقتصادي والاجتماعي هذه المرة مختلفا.

الأكثر قراءة