الصراعات العالمية تدفع شركات التكنولوجيا الأمريكية إلى معانقة "الدفاع"
الصراعات العالمية تدفع شركات التكنولوجيا الأمريكية إلى معانقة "الدفاع"
لم يعد التعاون مع الجيش الأمريكي خطا أحمر بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا كما كان في الماضي. قبل أعوام قليلة فقط، شهدت شركات مثل "جوجل" احتجاجات داخلية حادة من موظفيها ضد أي تعاون مع وزارة الدفاع أو أجهزة الأمن القومي.
لكن المشهد تغيّر اليوم بشكل جذري، حيث تتسابق كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية، بما في ذلك مطورو الذكاء الاصطناعي، لتوقيع اتفاقيات تعاون مع البنتاجون ووكالات الأمن المختلفة، فيما يتدفق المستثمرون نحو شركات الدفاع التكنولوجي.
هذا التحول برز بوضوح خلال مؤتمر فورتشن برينستورم للتكنولوجيا، صرحت ميجان ميلام، نائبة الرئيس الأولى للعلاقات الحكومية في شركة أندوريل إندستريز، بأن الشركة كانت تُعد أكثر شركات التكنولوجيا إثارة للجدل قبل 6 أعوام، لكنها اليوم تحظى باهتمام وترحيب متزايد. وأوضحت أن البيئة الجيوسياسية تغيرت، إذ انتقل العالم من "الحرب على الإرهاب" إلى منافسة مباشرة مع قوى كبرى مثل الصين.
ويرى خبراء أن تصاعد النزاعات، خصوصا الحروب المستمرة، دفع الحكومات والشركات والمستثمرين على حد سواء لإعادة التفكير في أولوية الاستثمار في القطاع الدفاعي.
وقال ستيف سيموني، مؤسس شركة ألين كونترول سيستمز، المتخصصة في تصميم الأسلحة الروبوتية: "هناك أموال طائلة تُضخ في قطاع الدفاع من قِبل المستثمرين المغامرين حاليًا. الصراعات آخذة في التصاعد، وبصفتي مستثمرًا مغامرًا، يبدو أنه من الأفضل أن تُخاطر وإلا ستخسر".
الأرقام تؤكد هذا التوجه؛ فبحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، بلغ الإنفاق العسكري العالمي مستوى قياسياً عند 2.7 تريليون دولار في 2024، تتصدره الولايات المتحدة بحصة 37%، تليها الصين 12%، رغم أنها لا تزال ثاني أكبر منفق عالمي.
هذه الطفرة انعكست على أسواق المال أيضاً، إذ قفزت أسهم "بالانتير" الأمريكية بنحو 120% منذ بداية العام، فيما سجلت شركات أوروبية وآسيوية مثل "راينميتال" الألمانية و"هانوا إيروسبيس" الكورية الجنوبية ارتفاعات مذهلة تجاوزت 200%.
ورغم هذه الطفرة، يبقى التعاون الدفاعي مثيراً للجدل داخل أوساط التكنولوجيا الأمريكية، وفقا لمجلة فورتشن. فقد أقدمت "جوجل" العام الماضي على فصل موظفين اعترضوا على عمل الشركة مع الجيش الإسرائيلي خلال هجومه الأخير.
كما واجهت شركة أورا، المتخصصة في الأجهزة القابلة للارتداء، انتقادات واسعة بعد إعلانها توسيع شراكتها مع وزارة الدفاع الأمريكية وإنشاء مصنع جديد في تكساس بالتعاون مع "بالانتير" لتحليل بيانات المخاطر والجاهزية على نطاق واسع.
هذه الخطوة أثارت مخاوف بشأن وصول بيانات المستخدمين الصحية إلى المؤسسات العسكرية، وهو ما نفاه الرئيس التنفيذي للشركة، مؤكداً أن بيانات العملاء لن تُباع أو تُشارك.
يعكس هذا التحول مزيجاً من الضرورة الاقتصادية والجيوسياسية. فشركات التكنولوجيا التي كانت تخشى يوما من التعاون العسكري، تجد نفسها اليوم في قلب صناعة الدفاع، مدفوعة بطفرة الإنفاق العسكري وصعود التهديدات العالمية، وسط جدل متواصل حول أخلاقيات هذا التوجه.