توقعت وكالة "موديز" أن تشهد سوق الائتمان في السعودية زخما اقتصاديا، مع نمو الودائع في المصارف وذلك بدعم من جهود التنويع الاقتصادي المستمرة، التي تدار محليا وتمثل محركا رئيسيا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، إضافة إلى القدرة على السداد لدى الشركات والأفراد، وفقا لما أوضحه لـ"الاقتصادية" خبراء في مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية.
النظرة المستقبلية المستقرة للسعودية عند Aa3 تشير إلى توازن المخاطر الذي يُسهم بمزيد من التقدم في تنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة تستقطب القطاع الخاص وتحفز تطوير الاقتصاد غير الهيدروكربوني بوتيرة أسرع، في وقت لا يُسهم النمو العالمي وتطورات سوق النفط الأوسع في ارتفاع مستويات الإنفاق العام.
جهود التنويع الاقتصادي المستمرة
كريستيان فانج نائب الرئيس محلل أول إدارة المخاطر السيادية العالمية لدى موديز يرى أن آفاق الائتمان السعودي والزخم الاقتصادي يُعد أقل تأثرًا بالظروف الاقتصادية والائتمانية العالمية مقارنة بعديد من الاقتصادات الأخرى ويعود ذلك إلى حد كبير بسبب جهود التنويع الاقتصادي المستمرة، والتي تُدار محليًا وتُمثل محركًا رئيسيًا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
وأشار إلى أنه لا يزال هناك تقدم في المشاريع الكبيرة التي تُسهم في التنويع الاقتصادي رغم أن الإنفاق يبدو أنه يتباطأ بعض الشيء، ربما بسبب ضعف أسعار النفط مقارنةً بالعامين أو الثلاثة أعوام الماضية. كما أن التسويق التجاري التدريجي في المراحل الأولى لبعض هذه المشاريع، وخاصةً مشروعي البحر الأحمر العالمي والدرعية، سيدعم الاستهلاك الخاص.
أما المشاريع التي يُمولها صندوق الاستثمارات العامة بشكل رئيسي - بما في ذلك جميع مشاريع جيجا الخمسة - المشاريع الكبرى نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، وروشن، والدرعية، فهي أقل تأثرًا بأسعار النفط. ومع ذلك، فإن محدودية الاستثمار الأجنبي، إضافة إلى بعض القيود تحد نسبيا من وتيرة التقدم.
إمكانات متقدمة لأسواق ائتمان الشركات في السعودية
يقول عزيز السمري، نائب الرئيس ومحلل لدى مجموعة تمويل الشركات لدى موديز، إن إمكانات نمو في أسواق ائتمان الشركات في السعودية متقدمة، ولا سيما مع توسع الشركات لتحقيق أهداف رؤية 2030، ما يعزز هذا التحول الطلب على تمويل الديون والأسهم، حيث يلجأ المُصدرون بشكل متزايد إلى أسواق رأس المال لتمويل التوسع والتنويع وتطوير البنية التحتية.
"لا يزال نمو الودائع قويا، ولكنه لم يواكب الطلب على الائتمان، ما أدى إلى فجوة تمويلية تتطلب مصادر تمويل بديلة، ومن المتوقع أن يظل الطلب على الائتمان مرتفعا على المدى القصير، بحسب توقعات أشرف مدني، نائب الرئيس - مسؤول ائتمان أول، مجموعة المؤسسات المالية، موديز للتصنيف الائتماني، الذي أشار إلى أنه من المرجح أن تساهم المشاريع المرتبطة بصندوق الاستثمارات العامة والجهات الحكومية الأخرى في زيادة الطلب على الائتمان في قطاع الشركات، بينما سيدعم النمو المستمر في الرهن العقاري السكني إقراض الأفراد.
وأضاف "نتيجة لذلك، من المتوقع أن ينمو الائتمان بنسبة تراوح بين 10% و11% تقريبًا في 2025، وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يتباطأ نمو الائتمان مع سعي البنوك إلى موازنة نمو الودائع والقروض، بينما من المرجح أن يُسهم تشديد الرقابة التنظيمية على التمويل الأجنبي ونشاط التمويل السريع في تباطؤ تدريجي في نمو الإقراض والاعتماد عليه".
تعمل البنوك السعودية بشكل متزايد على تنويع مصادر تمويلها، متحولةً من الاعتماد التقليدي على ودائع العملاء إلى إدراج إصدارات أسواق رأس المال والقروض المشتركة ما يتيح قنوات بديلة للبنوك والاستفادة من فرص نمو جديدة ودعم مبادرات التنمية الوطنية، بحسب مدني الذي أشار إلى أن الإصدارات المصرفية السعودية أصبحت الآن تتجاوز إصدارات نظرائها الإقليميين في الإمارات وقطر، اللتين كانتا تاريخيا المصدرين الرئيسيين.
أداء قوي في مؤشرات الملاءة المالية والسيولة
على صعيد توقعات وكالة موديز عن مؤشرات القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي، أوضح نيتيش بوجناجا روالا، المدير الإداري المساعد، في مجموعة المؤسسات المالية، لدى موديز للتصنيفات الائتمانية أن القطاع المصرفي في دول الخليج يواصل في إظهار أداء قوي في كل من مؤشرات الملاءة المالية والسيولة.
يشار إلى أن جودة الأصول تشهد تحسنا ملحوظا، مدعومًا بانخفاض القروض المتعثرة وقدرة قوية على السداد لدى المقترضين من الشركات والأفراد على حد سواء، ولا يزال الطلب على الائتمان قويًا، في قطاع الشركات، بينما تُشكل القروض العقارية المحرك الرئيسي لنمو قروض المستهلكين.
المدير الإداري المساعد لدى موديز توقع ضغطا طفيفا على الربحية مع انخفاض أسعار الفائدة، ما سيؤدي إلى تراجع دخل البنوك من الفوائد، ولا سيما في الربع الرابع ولا تزال كفاية رأس المال تُمثل قوة ائتمانية رئيسية، حيث تُوفر احتياطيات خسائر القروض تغطية كاملة للقروض المتعثرة وتعزز قدرة البنوك على استيعاب الخسائر، ومع ذلك، لا تزال السيولة قوية، إلا أن الطلب القوي على الائتمان يُسهم في انخفاض احتياطيات السيولة.
ظروف التمويل تظل مستقرة بشكل عام، رغم الضغوط المعزولة داخل بعض الأنظمة وزيادة الاعتماد على التمويل الأجنبي، إذ دعمت بيئة أسعار الفائدة المرتفعة حتى الآن ربحية بنوك دول الخليج، بينما كان تأثيرها في جودة الأصول أو الطلب على الائتمان ضئيلاً. وتوقع روالا أن يُؤثر انخفاض أسعار الفائدة بشكل طفيف في دخل الفوائد وربحية البنوك الإجمالية، ولكن من مستوى قوي جدا.
عدم اليقين يتباطئ بنمو الاقتصاد العالمي
ماري ديرون، المديرة العامة لإدارة المخاطر السيادية العالمية في موديز تقول: إن المؤسسة تتوقع نموا عالميا بطيئا هذا العام والعام المقبل مع التكيف مع التحولات الكبرى في سياسات التجارة والمالية والنقد والهجرة، مبينة أنه حالة عدم اليقين ستظل مرتفعة حتى يستقر نظام التجارة العالمي، وسيؤثر ذلك في قرارات الأعمال ومن المرجح تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.4% في 2025 و2026، من 2.9% في 2024."
فيما يتعلق بالتأثير في الحكومات السيادية، أضافت "قمنا بمراجعة توقعاتنا للقطاع السيادي من مستقرة إلى سلبية، وذلك في أعقاب حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية والإصلاح المحتمل للتجارة العالمية، وبينما افترضت توقعات 2025 تطبيعا تدريجيا للاقتصاد الكلي والتحول نحو إصلاحات طويلة الأجل، فإن حالة عدم اليقين بشأن السياسات ستحول الانتباه إلى تدابير الدعم قصيرة الأجل، ما يؤدي إلى إبطاء ضبط أوضاع المالية العامة وتقييد الاستثمار المعزز للإنتاجية".
وأوضحت "على المدى المتوسط ستتذبذب أسعار النفط في نطاق بين 55 و75 دولارًا للبرميل، مع توقعات تقلبات عالية في أسعار النفط والغاز في الفترة 2025-2026.
فروق العائد تقلصت من أعلى مستوياتها عقب إعلانات التعريفات الجمركية في أبريل الماضي، وتبددت التقلبات إلى حد كبير. إلا أن هذه الفروقات الضيقة تعكس أيضًا، على نحو متفاوت، تنوع الروابط التجارية بين الدول السيادية في الأسواق الناشئة، ومتانة أساسيات الائتمان، وضعف الدولار الذي يُعزز الإنفاق الرأسمالي في هذه الأسواق.
المديرة العامة لإدارة المخاطر السيادية العالمية في موديز توقعت أن يستأنف الاحتياطي الفيدرالي تخفيضات أسعار الفائدة الأساسية في سبتمبر، نظرًا لتراجع زخم النمو وضعف بيانات سوق العمل في الولايات المتحدة، ولذلك نتوقع خفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 50-75 نقطة أساس هذا العام."
الطاقة المتجددة مجال استثماري رئيسي لدول الخليج
حول مخاطر وفرص التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون في دول الخليج قال راهول جوش، المدير العام، رئيس قسم التمويل المستدام العالمي، لدى موديز "تبرز الطاقة النظيفة والمتجددة كمجال استثماري رئيسي لعديد من دول مجلس التعاون الخليجي.
وأكد أن تلك المشاريع تُتيح فرصة للتخفيف من بعض مخاطر التحول الكربوني على المدى الطويل بتطوير بدائل خضراء للقطاعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة والتي يصعب إزالة الكربون منها، مثل الصلب والألمنيوم والأسمنت."
وتسهم الاستثمارات الأخيرة في تقليل البصمة الكربونية للمنطقة تدريجيًا، إذ تتوافر بالفعل قدرات كبيرة لتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الإمارات، كما أن عديدا من محطات الطاقة الشمسية الكبيرة الجديدة على وشك الاكتمال أو في مرحلة التشغيل في دول الخليجي لأخرى، بما في ذلك السعودية، بحسب جوش.
وأطلقت عُمان إستراتيجيتها للهيدروجين الأخضر أواخر 2022، وتهدف إلى بناء قدرة إنتاجية كبيرة للهيدروجين بحلول 2030، وفي الإمارات، دخلت محطة براكة للطاقة النووية الخدمة الكاملة أواخر 2024، لتساهم بنحو 20% من قدرة إنتاج الكهرباء في البلاد. كما تخطط السعودية لبناء محطة للطاقة النووية.




