معركة بكين وواشنطن تنتقل من الرقائق إلى تصدير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
معركة بكين وواشنطن تنتقل من الرقائق إلى تصدير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
مع احتدام التنافس الأمريكي الصيني في مجال الصادرات التكنولوجية، تبنت الصين في الأعوام الخمسة الأخيرة إستراتيجية جديدة تقوم على التركيز على تصدير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، سواء تعلق الأمر بمراكز البيانات أو شبكات الجيل الخامس أو أنظمة المدن الذكية، بدلا من الدخول في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة في مجال الرقائق الإلكترونية.
ترى بكين أن سباق أشباه الموصلات مع واشنطن سيكون مكلفا ومقيدا سياسيا ويؤدي إلى استنزاف مواردها دون نتائج ملموسة، لذلك تبنت إستراتيجية تقوم على تعزيز مزاياها في "تكامل الأنظمة"، ولا سيما في ظل تنامي احتياجات الاقتصادات الناشئة لبنية رقمية سريعة، والعقبات التي تضعها واشنطن أمام تصدير هذه التقنيات.
باختصار، تعمل بكين منذ سنوات على نقل المعركة من تصنيع الرقائق إلى امتلاك المنصات التي يقوم عليها الذكاء الاصطناعي.
يقول لـ "الاقتصادية" الدكتور توماس كلارك، أستاذ أنظمة الذكاء الاصطناعي: "في مجال الرقائق الإلكترونية، تدرك الصين أنها متأخرة كثيرا عن الولايات المتحدة. ففي العام الماضي استوردت نحو 550 مليار دائرة متكاملة بقيمة 385 مليار دولار، بينما اقتصرت صادراتها على الفئات القديمة".
كلارك أشار إلى أن الضوابط الأمريكية تعيق تطوير هذه الصناعة داخل الصين بحيث تفضل الشركات الصينية رقائق شركة إنفيديا على نظيراتها المحلية من هواوي، مضيفا: "في المقابل، يمكن للصين، بفضل انخفاض التكلفة والجاذبية التمويلية، أن تستحوذ على حصة أكبر في صادرات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي."
لهذا يحذر رؤساء شركات أمريكية وأوروبية عاملة في مجال الذكاء الاصطناعي من خطورة الإستراتيجية الصينية القائمة على تصدير البنية التحتية بدلا من الرقائق، بل يذهب بعض الإستراتيجيين إلى القول إنها قد تضعف قدرات الغرب في الذكاء الاصطناعي وصناعة الرقائق معا.
فشراء الاقتصادات الناشئة للبنية الصينية يعني تبني معاييرها في الأمن الشبكي وإدارة الأجهزة ودورة حياة الذكاء الاصطناعي، ما يخلق تبعية تقنية ويجعل التحول مستقبلا إلى أنظمة أمريكية أو أوروبية أمرا صعبا ومكلفا.
إستراتيجية "المشي قبل الركض"
يرى المهندس سميث هانت، الأستاذ المساعد في هندسة الرقائق الإلكترونية، أن تركيز الصين على البنية التحتية سيسهم على المدى المتوسط والبعيد في انتعاش صناعتها المحلية من الرقائق، ويصف تلك الإستراتيجية بـ "المشي قبل الركض".
"على عكس الصين، ببنيتها المتطورة واستثماراتها الكبيرة، تعاني دول الجنوب العالمي من محدودية الطلب على قدرات الذكاء الاصطناعي. وإذا كانت الصين تأمل في تصدير رقائقها مستقبلا، فعليها أولا ضمان امتلاك هذه الدول للبنية التحتية والقدرة على استخدامها. لذا تركز الآن على البنية والتدريب والبيانات، ما يمهد الطريق لتوسع لاحق في صادرات الرقائق ويعزز موقعها بالسوق" وفقا لـحديث هانت لـ "الاقتصادية".
وأضاف: "بالنسبة للصين البنية التحتية تمثل الخطوة الأولى تمثل المشي، بينما صناعة الرقائق مرحلة لاحقة إنها مرحلة الركض، كما أن الطلب المحلي القوي يجعل بكين أقل اهتماما بالمنافسة التصديرية مع الولايات المتحدة".
في النهاية تدرك الصين أن الشرائح الإلكترونية الأمريكية ستظل رهينة قيود تقنية وسياسية، إذ ترى أن من يشيد البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، ويضع المعايير هو من يحدد مستقبلها عالميا.
ويبدو أنه في حال فرضت واشنطن الصراع على بكين، ستفضل الأخيرة أن يكون صراعا أقل صخبا من سباق أشباه الموصلات، لكنه أعمق أثرا، لأنه يدور حول من يملك منصات الذكاء الاصطناعي لا مجرد رقائقه.