هل يناطح مودي ترمب دعما لحليفه بوتين مقابل 5 دولارات ويخسر 87 مليارا؟
هل يناطح مودي ترمب دعما لحليفه بوتين مقابل 5 دولارات ويخسر 87 مليارا؟
انتهز رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قمة شنغهاي للتأكيد على دعمه الحليفة التقليدية روسيا في مواجهة ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي يريد أن يحرم موسكو من صادرات نفطية تحصل عليها الهند بخصم يصل إلى 5 دولارات، وتقدرها مؤسسة "كبلر" بنحو 1.9 مليون برميل يوميا.
كان ترمب قد أعلن فرض رسوم جمركية إضافية نسبتها 25% على واردات بلاده من الهند بسبب هذه الواردات، التي لم تكن متضخمة على هذا النحو قبل 3 سنوات، عندما كان منتجو الشرق الأوسط هم الموردون التقليديون.
تنتقد الولايات المتحدة وأوروبا بشدة مشتريات الهند من النفط الروسي، التي تقول واشنطن إنها تُستخدم لتمويل الجهود العسكرية الروسية في أوكرانيا.
مستشار البيت الأبيض لشؤون التجارة بيتر نافارو ذهب إلى أبعد من الانتقاد، واقترب من الاتهام، حين وصف الصراع الروسي الأوكراني بأنه "حرب مودي".
الرسوم "العقابية" الإضافية قادت التعرفة المفروضة على بضائع الهند إلى مستوى 50%، وهو ما يهدد صادرات هندية بنحو 87 مليار دولار.
لكن هذا لم يمنع رئيس الوزراء الهندي من أن يقول خلال افتتاح القمة إن بلاده وروسيا تجمعهما "علاقة خاصة" ويقفان إلى جوار بعضهما البعض "في الأوقات الصعبة".
مودي يتمسك بالدفاع عن روسيا ونفطها
لم يكتف مودي أمام هذا بالتأكيد على متانة العلاقات مع روسيا، بل أعلن عبر حسابه على منصة "إكس" أنه عقد لقاء مع بوتين على هامش القمة تناول "تعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات، بما في ذلك التجارة".
بدا التوتر مع واشنطن على خلفية النفط الروسي أكبر حتى من توترات الحدود بين الهند والصين، إلى الدرجة التي دفعت مودي لتجاوز هذا التوتر الأخير، وإجراء محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينج في تيانجين الأحد ضمن جهود تسريع إعادة بناء العلاقات.
كان البلدان الآسيويان قد شرعا العام الماضي في خطوات أولية لتهدئة التوترات على طول الحدود غير المرسّمة لمسافة 3488 كيلومترا.
وقال شي خلال اللقاء مع مودي: "إن الوضع الدولي يشهد تقلبات وفوضى في آن واحد" وإن من الصواب أن يكون البلدان "صديقين تجمعهما علاقات حسن جوار وودية، وشريكين يمكّن كل منهما الآخر من تحقيق النجاح".
إلى أين تتجه بوصلة المصلحة الاقتصادية؟
قفز حجم التبادل التجاري بين روسيا والهند إلى مستوى قياسي بلغ 68.7 مليار دولار في السنة المنتهية في 31 مارس الماضي، وفقا لبيانات "بلومبرغ"، منها 4.9 مليار فقط صادرات هندية إلى روسيا. أي إن الميزان التجاري يميل بقوة لمصلحة موسكو.
في المقابل، بلغ حجم واردات الولايات المتحدة من البضائع الهندية 87.3 مليار دولار، بينما استوردت منها بضائع بقيمة 41.5 مليار، وفقا لبيانات الحكومة الأمريكية، ما يعني عجزا تجاريا بقيمة 45.8 مليار يصب في مصلحة الهند.
قبل رسوم الـ 25% الإضافية، كانت إدارة ترمب قد فرضت رسوما نسبتها 25% على نيودلهي لتقليص هذا العجز التجاري، ضمن ما تعرف بالرسوم "المتبادلة".
وبينما قال الرئيس الأمريكي إن الهند عرضت خفض رسومها الجمركية على بضائع الولايات المتحدة إلى "لا شيء"، فقد أشار إلى أن نيودلهي "تشتري معظم نفطها ومنتجاتها العسكرية من روسيا، والقليل جدا من الولايات المتحدة" معتبرا أنها كان ينبغي عليها خفض الرسوم الجمركية "قبل سنوات مضت".
ترمب قال أيضا: "ما يفهمه القليل من الناس أن لدينا أعمال ضئيلة جدا مع الهند، لكنهم لديهم كم هائل من الأعمال معنا. بعبارة أخرى: هم يبيعونا كمّا هائلا من البضائع، ونحن أكبر زبائنهم. لكنّا نبيع لهم القليل جدا".
خصم 5 دولارات في برميل النفط.. هل يستحق التضحية؟
تشير تقديرات إلى أن الهند تحصل على خصم يراوح بين 3 و5 دولارات دون مستوى سعر خام القياس العالمي مزيج برنت على كل برميل نفط تستورده من روسيا.
وقال تجار إنهم تلقوا عروضا لشراء خام "الأورال" الروسي بخصم يراوح بين 3 و4 دولارات، وفقا لما نقلته عنهم "بلومبرغ" اليوم الثلاثاء.
مع افتراض الحد الأعلى للتقديرات، أي 5 دولارات، واستيراد الهند 1.9 مليون برميل يوميا، فإنها ستوفر نحو 3.42 مليار دولار سنويا من هذا الخصم الذي تحصل عليه.
صحيفة "إنديا إكسبريس" الهندية قدرت حجم الوفر الذي حققته نيودلهي من وراء شراء النفط الروسي خلال السنوات الثلاث الأخيرة بنحو 12.6 مليار دولار، مستندة إلى بيانات تجارية رسمية.
يرى نايف الدندني، الخبير في إستراتيجيات الطاقة، أنه "بينما تملك الهند اليد العليا في الميزان التجاري، وتستخدم النفط الروسي كورقة ضغط للتفاوض على رسوم جمركية أقل مع الولايات المتحدة، فهي تحقق كذلك مكاسب كبيرة من النفط الروسي".
وقال لـ "الاقتصادية": "لدى الهند سعة تكرير مرتفعة ومصاف كبيرة. وحصولها على النفط الروسي بخصم، حتى لو كان بسيطا يعزز مكاسبها من التكرير، حيث تصدر المشتقات والمواد البترولية إلى أسواق أخرى مقابل سعر مرتفع".
أضاف: "الهند تتوقع أيضا أنه إذا فرضت عقوبات على روسيا، فإن هذا الخصم سيزيد، ومن ثم مكاسب التكرير. العلاقة مع روسيا أيضا مصدر قوة سياسية واقتصادية، وقوة في المحيط الآسيوي، بالنسبة للهند".
يشاركه الرأي الدكتور عبد الله السلوم، أستاذ مساعد المالية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث قال لـ "الاقتصادية" إن الهند "استفادت خلال السنوات الماضية بالحصول على أسعار أفضل للنفط".
وتساءل: "لو تركت الهند الجانب الروسي، هل ستوقع اتفاقية أيضا مع أمريكا لتزويدها بالنفط؟ حتى إن حدث هذا، أتوقع أن يكون بسعر أعلى، وحتى سعر نقل مرتفع. نوعية النفط الروسي أيضا مناسبة للمصافي الهندية".
هل النفط الروسي لا غنى عنه للهند؟
الهند ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم. وتشير التقديرات إلى أنها تستورد حاليا ما يراوح بين 37 و40% من احتياجاتها النفطية من روسيا.
في مقال نشرته صحيفة "ذا هندو" أمس الاثنين، قال وزير النفط الهندي هارديب سينج بوري إن بلاده لم تخرق القواعد، حيث "لم يتم فرض عقوبات على النفط الروسي مثل النفط الخام الإيراني أو الفنزويلي، فهو يخضع لنظام السقف السعري لمجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، الموضوع للحفاظ على تدفق النفط مع وضع حد أقصى للإيرادات".
يرى بوري أنه "لا بديل لثاني أكبر منتج في العالم يورد ما يقرب من 10% من النفط العالمي". لكن قبل اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022، كانت الهند تستورد كميات لا تذكر من النفط الروسي. وبدأت هذه الواردات المنقولة بحرا تتضخم، حتى فاقت الواردات الصينية.
وإذا لبّت الهند مطالب وقف استيراد النفط الروسي، فقد يعني هذا العودة إلى الموردين التقليديين في الشرق الأوسط، الذين اعتادت الاعتماد عليهم في الماضي.
ورقة ضغط تفاوضي ومخاوف من "سيناريو الغاز"
من وجهة نظر دكتور السلوم، فإن الهند "ترسل رسالة كبيرة للجانب الأمريكي، قد تسهل عملية التفاوض بشأن الرسوم الجمركية".
"يحتمل أن تكون لدى الهند أيضا مخاوف من أن يتكرر معها السيناريو الذي حدث مع الأوروبيين عندما قرروا التخلي عن الاعتماد على الغاز الروسي، وأن يكون أي تحول عن هذا الخام الرخيص صوب الجانب الأمريكي مستداما. وقد لا يكون عقلانيا أن تتجه الهند إلى أمريكا لتوفير الخام" بحسب أستاذ المالية.
لكن "ربما يكون عامل الرفض للهند أن تتحول أصلا عن النفط الروسي. فهي في المقام الأول لا تريد أن تفقد ميزة السعر. كما أن مسألة علاقتها مع روسيا كحليف ومورد تأتي ضمن نطاق ومصالح، والخلاف مع واشنطن أيضا على مصالح".
بحسب السلوم: فإن تكلفة التحول إلى موّرد آخر قد تكون أعلى، خاصة في مصافي التكرير. "وقد تكون مؤثرة في القرار الهندي، بحيث تصبح الخيارات السياسية أمام نيودلهي أقل".