بنوك مركزية عالمية تخشى أن تبتلعهم عاصفة الخلاف بين ترمب وباول
بنوك مركزية عالمية تخشى أن تبتلعهم عاصفة الخلاف بين ترمب وباول
بدأ محافظو البنوك المركزية العالمية الذين اجتمعوا في منتجع جبلي أمريكي في الأيام الماضية، يخشون أن تبتلعهم العاصفة السياسية الدائرة حول مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي).
أثارت مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإعادة تشكيل البنك وفقا لرؤيته والضغط عليه من أجل خفض الفائدة تساؤلات حول ما إذا كان المركزي قادرا على الحفاظ على استقلاليته وقدراته على التصدي للتضخم، ويشعر ترمب بالضيق من الحماية القانونية الممنوحة لقيادة المجلس والفترات الطويلة لأعضائه في مناصبهم، والغرض منها هو أن يبقوا لمدة أطول من مدة أي رئيس في المنصب.
يمارس ترمب ضغوطا شديدة على رئيس المجلس جيروم باول للاستقالة ويحشد الجهود لإقالة عضو أخرى في المجلس، وهي ليسا كوك، وإذا رضخ أقوى بنك مركزي في العالم لهذا الضغط أو وجد ترمب طريقة لإقالة أعضائه، فسيشكل ذلك سابقة خطيرة من أوروبا إلى اليابان، حيث قد تتعرض المعايير الراسخة لاستقلال السياسة النقدية لهجوم جديد من السياسيين المحليين.
قال أحد صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي من فنلندا أولي رين، على هامش الندوة السنوية للفيدرالي في جاكسون هول "الهجمات ذات الدوافع السياسية على البنك لها تداعيات روحية على بقية العالم بما في ذلك أوروبا"، ولهذا السبب دعم رين وزملاؤه باول بحماس للتمسك بموقفه حتى بعد أن أشار إلى احتمال خفض الفائدة في سبتمبر، وتلقى باول تصفيقا حارا عندما اعتلى منصة المؤتمر.
ليست أمرا مسلما به
كشفت نقاشات مع 12 محافظا لبنوك مركزية من حول العالم، على هامش الندوة، أن أي سيناريو يرى فيه الفيدرالي تهديدا لقدرته على مواجهة التضخم بسبب فقدان استقلاليته هو تهديد مباشر لمكانته وللاستقرار الاقتصادي بشكل عام.
قالوا إن ذلك من المرجح أن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية، مع مطالبة المستثمرين بعلاوة أعلى لامتلاك السندات الأمريكية وإعادة تقييم وضع سندات الخزانة الأمريكية باعتبارها شريان الحياة للنظام المالي العالمي.
وبدأت البنوك المركزية حول العالم بالفعل التأهب للتداعيات، وأبلغت البنوك التي تشرف عليها بضرورة مراقبة انكشافها على العملة الأمريكية، والأهم من ذلك، أن استسلام الفيدرالي سينهي نظاما حقق استقرارا نسبيا في الأسعار واستمر على الأقل منذ أن تغلب رئيس المجلس الراحل بول فولكر على التضخم المرتفع قبل 40 عاما.
منذ ذلك الحين، اتبعت بنوك مركزية أخرى نموذج الاحتياطي الفيدرالي في الاستقلال السياسي والتركيز التام على مهمتها، وتتمثل بالنسبة لمعظمها في الحفاظ على التضخم عند مستوى قريب من 2%.
محافظ البنك المركزي الألماني وعضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي يواخيم ناجل قال "هذا تذكير بأن الاستقلالية ينبغي عدم اعتبارها أمرا مسلما به. علينا أن نفي بالتزاماتنا ونؤكد أن الاستقلالية شرطا أساسيا لاستقرار الأسعار".
لعبة سياسية
لم تسجل الأسواق حتى الآن مخاوف عميقة بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتشهد أسواق الأسهم الأمريكية انتعاشا قويا، ولم تشهد عوائد سندات الخزانة أو توقعات التضخم ارتفاعا يشير إلى تهديد لمصداقية المركزي الأمريكي، في حين يمكن لترمب تسمية رئيس جديد عند انتهاء ولاية باول في مايو، فهو يحتاج إلى رحيل المزيد من أعضاء المجلس الـ7 ليتمكن من سيعينهم من تشكيل أغلبية.
تتكون شبكة الفيدرالي من 12 بنكا احتياطيا محليا، ويتناوب رؤساؤها على التصويت على سياسة الفائدة، وتشكل الشبكة ثقلا موازنا آخر إذ تعدها مجالس الإدارات المحلية وسيلة للنأي بنفسها عن نفوذ واشنطن، مع ذلك فإن علاقة ترمب المتوترة مع البنك في بلد ينظر إليه على أنه يتمتع بتقاليد مؤسسية وقانونية راسخة، جعلت محافظي البنوك المركزية يدركون تماما مدى هشاشة استقلالية مؤسساتهم.
فحتى البنك المركزي الأوروبي، الذي تقر معاهدات الاتحاد الأوروبي استقلاليته عن حكومات منطقة اليورو العشرين، اضطر إلى بذل جهود حثيثة لإثبات ذلك، وانتقدت أحزاب يمينية ويسارية في دول مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا البنك المركزي من حين لآخر، وحولت دول أخرى عملية تعيين محافظي البنوك المركزية إلى لعبة سياسية.
ففي اليابان، انتقد رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي محافظ البنك المركزي آنذاك ماساكي شيراكاوا لعدم فعل ما يكفي لمكافحة الانكماش، واختار بنفسه هاروهيكو كورودا عام 2013 لتولي زمام الأمور بعد تنحي شيراكاوا قبل أسابيع من انتهاء ولايته.
وأطلق كورودا آنذاك برنامجا ضخما لشراء الأصول مما ساعد على إضعاف الين وإنعاش النمو، لكنه أثار استغراب محافظي البنوك المركزية التقليديين لجعله بنك اليابان الدائن الرئيسي للحكومة.
نموذج سيئ
قال ترمب إن نهاية ولاية باول في مايو ينتظرها بفارغ الصبر، وبدأ علنا عملية اختيار خليفة له، وقال مصدر مطلع على نهج بنك اليابان، "يبدو الأمر كما لو أن ترمب تعلم من آبي"، وفي المقابل قد تشجع خطوات ترمب الحكومات حول العالم، وخاصة تلك ذات الميول الشعبوية، على فرض سيطرتها على البنوك المركزية، يمكن أن يمهد ذلك الطريق لارتفاع معدلات التضخم عالميا وزيادة تقلب الأسواق.
الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وكبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي موري أوبستفيلد قال "السيطرة على الاحتياطي الفيدرالي هو تطور من شأنه أن يقدم نموذجا سيئا للغاية لحكومات أخرى"، وأضاف "كيف تنظر إلى ما يحدث في أمريكا، التي كان يعتقد أنها معقل الضوابط والتوازنات المؤسسية وسيادة القانون، ولا تستنتج أن البلدان الأخرى هي أهداف أسهل؟".