الذكاء الاصطناعي يكشف استثمارات كامنة في صناعة تدوير النفايات.. الأنظار على الخليج
الذكاء الاصطناعي يكشف استثمارات كامنة في صناعة تدوير النفايات.. الأنظار على الخليج
تقدر القيمة السوقية العالمية لصناعة إعادة التدوير بأكثر من 500 مليار دولار سنويا، مع توقعات بنمو يفوق 7% حتى 2030، بعدما تحولت من خدمة حكومية محدودة العوائد إلى قطاع اقتصادي عالي القيمة قادر على خلق سلاسل توريد جديدة وتقليل الاعتماد على المواد الخام التقليدية.
ومع إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي ارتفعت كفاءة الفرز بنسبة تصل إلى 40%، ما خفض التكاليف التشغيلية ورفع معدلات الربحية، ليصبح التدوير أحد أسرع الصناعات نموا وأكثرها جذبا لشركات التكنولوجيا وصناديق الاستثمار الكبرى حول العالم، لكن الصناعة ما زالت تعاني "تشوهات في هياكل الربحية" ما قد تبطئ نموها إذا لم تعالج، بحسب خبراء تحدثوا لـ"الاقتصادية".
المهندس نيل مالكوم، أستاذ الهندسة البيئية، يقول لـ"الاقتصادية"، إن تطور الصناعة جاء نتيجة تداخل عوامل اقتصادية وتكنولوجية، فارتفاع أسعار المواد الخام عالميا جعل المواد المعاد تدويرها خيارا تجاريا مجديا، بينما أسهمت السياسات الحكومية وحوافز الاستثمار في خلق أسواق جديدة، خاصة مع زيادة الطلب على المعادن النادرة.
لكنه يشير إلى أن إدماج الذكاء الاصطناعي أعاد رسم الخريطة الاقتصادية للصناعة، ليس فقط من خلال تحسين جودة المواد وتقليل نسب الفاقد، بل أيضا عبر إحداث نقلة نوعية في تحقيق الربحية، ما رسخ دور القطاع الخاص واستقطاب استثمارات دولية.
مع ذلك، لم يكن هذا التحول متساويا عالميا، فقد برزت ألمانيا وهولندا في أوروبا بفضل أنظمة الفرز المؤتمتة التي رفعت نسب التدوير إلى مستويات غير مسبوقة، فيما ضخت الصين استثمارات ضخمة في تدوير النفايات الإلكترونية لتعويض اعتمادها على المواد الخام المستوردة، في حين ظلت معظم الاقتصادات الناشئة والدول النامية والفقيرة في مؤخرة الركب ضمن هذه الصناعة ذات الربحية المرتفعة.
ترى الباحثة بروك فنسينت، المتخصصة في تحليل الجدوى الاقتصادية لعمليات التدوير، أن الصناعة ما زالت تعاني "تشوهات في هياكل الربحية" ما قد تبطئ نموها إذا لم تعالج.
وقالت لـ"الاقتصادية"، إن "منطقة آسيا والمحيط الهادئ تنتج نحو نصف النفايات الصناعية عالميا لكنها لا تحقق سوى ثلث أرباح القطاع. هذا الاختلال يكشف عن فرص استثمارية كامنة يمكن أن تتحقق بتطوير البنية التحتية في الصين والهند وجنوب شرق آسيا، والتعاون بين رؤوس الأموال الخليجية وتلك البلدان ما يمثل فرصة لتعظيم العوائد المشتركة".
اهتمام خليجي بقطاع التدوير
في هذا السياق، تبدو دول الخليج في موقع مميز، إذ تمتلك فوائض مالية وإستراتيجيات تنويع اقتصادي تدفعها للبحث عن قطاعات استثمارية جديدة خارج النفط. وتظهر خطط مثل رؤية السعودية 2030 وإستراتيجية الإمارات للاقتصاد الدائري اهتماما متزايدا بقطاع التدوير، سواء عبر بناء بنية تحتية محلية متطورة أو الدخول في شراكات دولية.
وتعمل الإمارات حاليا على تطوير مصانع متقدمة لتحويل النفايات إلى طاقة، فيما أسست السعودية الشركة الاستثمارية لإعادة التدوير لتوسيع نطاق جمع وفرز النفايات على أسس تجارية، بينما أطلقت قطر وعمان مبادرات تجريبية تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
غير أن الدكتور ديساي ميلر، أستاذ نماذج الأعمال المستدامة والاقتصاد الدائري، يشير إلى مجموعة تحديات يجب التغلب عليها أولا لإطلاق العنان لرؤوس الأموال الخليجية للعب دور أوسع نطاقا في هذه الصناعة على المستوى الدولي.
وقال إن إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات يتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة قد تستغرق وقتا قبل تحقيق العائد، إضافة إلى ضرورة زيادة الاعتماد على الخبرات المحلية لخفض التكلفة، وهو ما يستدعي الاستثمار في مجال تدريب ونقل التكنولوجيا.
مع ذلك، يمكن القول إن صناعة إعادة التدوير المدعومة بالذكاء الاصطناعي باتت قطاعا اقتصاديا واعدا يحقق توازنا بين خفض التكاليف وتعظيم الأرباح، ومع دخول الخليج كلاعب رئيسي تتعزز فرص تحويل النفايات من عبء مالي إلى مصدر عوائد مستدامة يرسخ موقع المنطقة في الاقتصاد الدائري العالمي.