إدارة المشاعر في العمل توازي إدارة الميزانيات والجداول الزمنية
إلى أفراد جيل زد المقبل على سوق العمل: ربما سمعتم أن مكان العمل يعتمد على المنطق والبيانات والأداء، وأن النجاح حليف من يحافظ على هدوئه وذكائه، ولا يدع العواطف تتحكم فيه. لكن الحقيقة، خاصة في بيئات العمل النشطة عالية المخاطر أن العواطف هي المسيطرة.
إذا شعرت يوما بتسارع نبضات قلبك بعد رسالة على تطبيق سلاك، أو لم تنم بسبب اجتماع لم يسِر كما توقعت، أو أنهكت بعد تظاهرك طوال اليوم بأنك "بخير" - تهانينا، أنت إنسان. وإذا لم تشعر بذلك، فقد يكون هناك خطب ما. أنت لست "حساسا جدا"، بل مشاعرك حية في بيئة عمل نادرا ما تتيح مساحة لمشاعرك. ما يُميز المحترفين الناجحين ليس غياب الشعور، بل إنهم يتعاملون مع مشاعرهم بوعي.
بحسب مجلة فورتشن، كتب مارك براكيت، المدير المؤسس لمركز ييل للذكاء العاطفي، بعض الأمثلة على التعامل مع المشاعر.
كان جيروم نجما لامعا في مجال المبيعات - يتمتع بشخصية مؤثرة وأسلوب مقنع، ودائما ما يتجاوز أهدافه. ثم في يوم من الأيام خسر عميلا مهما. وفي اجتماع لتقديم عرض آخر، بدا إحباطه واضحا: نبرة صوت باهتة، وطاقة منخفضة، وحماس مصطنع. وانتبه العميل لذلك، فضاعت صفقتان بدلا من واحدة - ليس بسبب نقص في المهارة، بل بسبب عدم قدرة جيروم على ضبط مشاعره.
صوفيا مثلا، البارعة في حل المشكلات والتي تمتلك مهارات تقنية لا مثيل لها. عندما تحدى زملاؤها أفكارها، تفاقم غضبها وبدأت تعلق تعليقات لاذعة وتنظر نظرات سخرية. سرعان ما توقف الآخرون عن المشاركة وساد الصمت الغرفة وتأخرت المواعيد النهائية. لم تعد عبقريتها ذات قيمة، لأنه لا أحد يرغب في العمل معها.
الخلاصة، كما يقول براكيت: تؤثر المشاعر في الأداء والعلاقات، سواء اعترفنا بذلك أم لا. لكن الجانب السار، يمكننا تعلم إدارتها كأي مهارة أخرى.
لماذا يُعد تنظيم المشاعر مهارة مهنية لم يعلمك إياها أحد؟
العواطف ليست نقاط ضعف يجب كبتها، بل بيانات تساعدك على فهم ما هو مهم، وما هو ناجح، وما هو غير ذلك. لكنها لا توجه تصرفاتك دائما. الحيلة تكمن في قراءة الإشارات بوعي دون اتباعها بشكل أعمى.
مثلا: قد يحفز الحماس الابتكار أو يؤدي إلى قرارات متهورة. أما القلق، فقد يحفز الاستعدادية أو يؤدي إلى الإدارة الدقيقة والإرهاق. بينما قد يساعدك الإحباط على التعبير عن رأيك أو يعوق تعاونك مع الآخرين.
الفارق هنا هو تنظيم المشاعر: القدرة على التوقف مؤقتا، والتفكير، واختيار رد فعل يتماشى مع أهدافك وقيمك - وليس فقط مشاعرك الفورية.
لا يتعلق الأمر بالتظاهر بالهدوء أو التصرف دون عاطفة، بل بتطوير مهاراتك العاطفية، بحيث تعزز مشاعرك أداءك بدلا من السيطرة عليه.
وفي عالم يقدر الشفافية أكثر من الكمال، فإن تنظيم مشاعرك لا يعني إخفاء هويتك، بل التعبير عن نفسك بطرق تساعدك على أن تكون مسموعا، لا متجاهلا.
كيف تنظم مشاعرك باحترافية؟
أمضي براكيت عقدين في دراسة الذكاء العاطفي، ومساعدة شركات ومدارس وهيئات حكومية من قائمة فورتشن 500 على بناء بيئات عمل أكثر صحة. يتبع أصحاب الأداء العالي خطوات تساعدهم على إدارة مشاعرهم، مثل:
- تغيير العقلية: امنح نفسك والآخرين الإذن بالشعور. لا وجود لمشاعر سيئة.
- تسمية المشاعر لترويضها: كن دقيقا في تحديد مشاعرك. أنت لست "مُجهدا"، بل ربما تشعر بالإرهاق، أو القلق، أو الإحباط، أو الضغط.
- إعادة ضبط جهازك العصبي: هدئ نفسك بالتنفس العميق أو ممارسة التأمل.
- تغيير المنظور قبل الرد؛ فإعادة تأطير المواقف ذهنيا تساعدك على تحويل الاحتكاك إلى تركيز.
- البحث عن حليف عاطفي: ابحث عن زميل تثق به يمكنه مساعدتك في معالجة المشكلات وحلها.
نصيحة أخيرة
لا تُهمل مشاعرك - تعلم كيف تتعامل معها.
قد يكون انضمامك إلى مكان عمل يتحدث أخيرا عن الإرهاق والصحة النفسية والرفاهية العاطفية تقدما. لكن الوعي لا يكفي. المهارة هي العامل الحاسم. وجيل زد مهيأ لقيادة هذا التحول. ربما تحدى الجيل أسطورة أن الاحترافية تعني الصمت العاطفي. الآن حان وقت اتخاذ الخطوة التالية: إتقان التحكم في المشاعر.
إذا كنت ترغب في النجاح في مسيرتك المهنية - وليس مجرد البقاء في العمل، فلا تُركز على سيرتك الذاتية فقط. استثمر في أدوات تنظم مشاعرك. غالبا ما يكون الفرق بين يوم رائع وآخر كارثي هو كيفية تعاملك مع شعور صعب.
يقول براكيت "إن المشاعر ليست عدوا للعمل، بل المحرك. لا ينجح أصحاب الأداء المتميز والمؤسسات المتميزة بتجاهل المشاعر، بل بإدارتها بإستراتيجية توازي إدارة الميزانيات والجداول الزمنية".
في بيئة العمل اليوم، لا يعد ضبط المشاعر ميزة إضافية، بل ضرورة ثقافية ومضاعفا للأداء.