كرة القدم تحرك أسواق العالم بـ 52 مليار يورو والسعودية تتسيد آسيا
مع اقتراب انطلاق معظم الدوريات الكروية حول العالم في أغسطس الجاري، يبدو أن المنافسة لم تعد فقط على الأهداف، بل تربط بالملاعب والمستثمرين والمستهلكين لذلك تظل كرة القدم متنفسا عالميا واحدا وقوة اقتصادية ضاربة وسوق منتعشة يقدر بالمليارات تتقاطع فيها مصالح البث، الإعلانات، والعقود الاحترافية.
وبينما باتت الدوريات بمنزلة مؤشرات اقتصادية تقاس قيمتها كما تقاس الأسواق المالية، تنطلق المنافسات هذا الموسم من آسيا إلى أوروبا، ومن الأمريكيتين إلى إفريقيا، وسط أرقام اقتصادية مذهلة تكشف عن هوة شاسعة بين بعض الدوريات التي تقدر بـ121 دوريا احترافيا تبلغ قيمتها السوقية 51.9 مليار يورو، وفق موقع ترانسفير ماركت.
قارة آسيا: السعودية تتسيد السوق
في آسيا، يتوزع النشاط الكروي على 34 دوريا محترفا تقدر قيمتهم السوقية بـ 3.3 مليار يورو يتسيدهم الدوري السعودي (قيمة سوقية 1.03 مليار يورو) الذي لم يعد محليا أو إقليميا فحسب، بل بات ظاهرة اقتصادية شاملة، تستقطب اللاعبين من الدوريات الأوروبية الكبرى، وتستثمر بقوة في البنية التحتية، وحقوق البث، والمنصات الرقمية.
ولم يأت هذا النمو السريع من فراغ، بل نتيجة رؤية إستراتيجية ورغبة في جعل كرة القدم ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني السعودي.
في المقابل، يتذيل الدوري النيبالي القائمة بقيمة سوقية لا تتجاوز 1.1 مليون يورو، حيث يجسد هذا التفاوت الفارق الهائل بين من يملك البنية التحتية والتمويل والإستراتيجية، ومن لا يزال يصارع للبقاء ضمن خريطة الكرة الآسيوية.
إفريقيا: غياب عن المنظومات الاحترافية
في إفريقيا، تسجل القارة حضورها من خلال 10 دوريات محترفة تبلغ قيمتها السوقية الإجمالية 672.8 مليون يورو يتصدرها الدوري المصري الذي يعد أبرز الأسماء هنا، بقيمة سوقية تصل إلى 156.3 مليون يورو، مدفوعا بجماهيرية الأندية العريقة مثل الأهلي والزمالك، وشبكة إعلامية واسعة، وحضور إفريقي متواصل.
مع ذلك، تحتفظ القارة بفوارق كبيرة، إذ يأتي الدوري الأوغندي في أسفل القائمة بقيمة سوقية تبلغ 850 ألف يورو فقط حيث لا يظهر هذا الرقم فقط ضعف الموارد، بل يفتح ملفا أوسع حول غياب الاستثمار الحقيقي في المواهب، وصعوبة بناء منظومات احترافية مكتملة الأركان.
ورغم أن إفريقيا تملك رأس المال البشري، إلا أنها ما زالت بحاجة إلى تعزيز رأس المال الاستثماري.
الأمريكتان.. البرازيل مفعمة بالحركة
عبر الأمريكتين، يتوزع 22 دوريا محترفا بقيمة سوقية إجمالية تبلغ 6.1 مليار يورو، يتصدرها الدوري البرازيلي الذي تقدر قيمته بـ1.7 مليار يورو حيث تمتلك البرازيل تاريخا كرويا بتصديرها معظم المواهب إلى العالم، وتحافظ على دورة اقتصادية مفعمة بالحركة داخل الملاعب وخارجها.
ما يميز السوق الكروية في البرازيل هو القدرة على الجمع بين جودة المنافسة المحلية، وتصدير اللاعبين بأسعار عالية لأوروبا، ما يوجد دورة مالية مستدامة.
في الجهة الأخرى، يسجل دوري بورتوريكو أدنى قيمة سوقية على مستوى القارتين، بـ100 ألف يورو فقط رغم قربه من أسواق كبرى مثل المكسيك والولايات المتحدة، إلا أن محدودية البنية التحتية، وغياب الرؤية التسويقية، يبقيانه على هامش الاقتصاد الكروي العالمي.
أوروبا مسرح الاقتصاد الكروي
عندما نصل إلى أوروبا، فإننا نكون أمام المشهد الكامل، القارة العجوز تحتضن 55 دوريا محترفا، تقدر قيمتهم السوقية مجتمعين بـ42 مليار يورو، أي ما يعادل أكثر من 6 أضعاف إجمالي آسيا وإفريقيا مجتمعين.
الدوري الإنجليزي الممتاز يحتل الصدارة بقيمة ساحقة تبلغ 12.2 مليار يورو حيث إن هذه القيمة لا تأتي فقط من اللاعبين، بل من نموذج أعمال مكتمل الأركان، يشمل حقوق بث تباع بأكثر من 10 مليارات، ورعايات عالمية، وأندية تحولت إلى علامات تجارية.
في المقابل، يأتي دوري مالطا في مؤخرة الترتيب، دون أي قيمة سوقية تُذكر حيث يعبر هذا التباين الحاد داخل أوروبا نفسها نقاشا حول التوزيع غير المتكافئ للموارد.
كرة القدم عملة عالمية
تلعب الأندية ليس فقط على أرض الملعب، بل في سوق معقدة يتحكم فيها رأس المال، والبيانات، والرؤية الإستراتيجية، وفي عالم اليوم، الكرة هي عملة عالمية، تسعر كما تسعر الشركات المدرجة في البورصات، ومن يدير ناديا ناجحا يدير في الواقع مؤسسة مالية تبيع الترفيه، وتتحكم في تدفقات نقدية عابرة لجميع القارات.
وقال جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، إن كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، يدرّ تقريبًا (120) مليار دولار، وأكثر من مليون وظيفة، مبينًا أن الناتج المحلي الإجمالي لكرة القدم في سنة واحدة هو (270) مليار دولار.
أضاف رئيس "فيفا"، خلال أعمال منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، الذي انعقد في الرياض، أن السعودية تتألق حاليًّا ومحط أنظار على صعيد كرة القدم، ولا سيما مع خطواتها الجادة نحو الاستثمار في هذه الرياضة، مجددًا تبريكاته لها فوزها باستضافة كأس العالم 2034، وبنجاحها في استضافة وتنظيم بطولات عالمية سواءً على مستوى الأندية أو المنتخبات، وعزمها على الاستمرار في هذا الصدد.
أوضح رئيس الفيفا أن دولًا مثل السعودية قادرة على مساعدة كرة القدم على تحقيق إمكاناتها المالية. وقال: "يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكرة القدم العالمية نحو 270 مليار دولار سنويًا، ويُنتج نحو 70% منه في أوروبا".
تابع، "لو أن بقية العالم، وخاصةً السعودية أو الولايات المتحدة لم تفعل سوى 20% ما تفعله أوروبا في كرة القدم، لكان بإمكاننا تحقيق تأثير يتجاوز نصف تريليون دولار أو أكثر في الناتج المحلي الإجمالي (في رياضتنا). إن إمكانات كرة القدم هائلة".