من الملاعب إلى السياحة .. كيف تصنع السعودية اقتصادها الرياضي؟

من الملاعب إلى السياحة .. كيف تصنع السعودية اقتصادها الرياضي؟
من الملاعب إلى السياحة .. كيف تصنع السعودية اقتصادها الرياضي؟
من الملاعب إلى السياحة .. كيف تصنع السعودية اقتصادها الرياضي؟
من الملاعب إلى السياحة .. كيف تصنع السعودية اقتصادها الرياضي؟
من الملاعب إلى السياحة .. كيف تصنع السعودية اقتصادها الرياضي؟

في خطوة تحمل أبعادا اقتصادية وإستراتيجية تتجاوز حدود الملاعب إلى الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، توقع صندوق النقد الدولي أن تسهم استضافة المملكة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2034 في إضافة ما بين 9 و14 مليار دولار .

هذا التقدير ليس مجرد رقم عابر، بل يبرز ديناميكية اقتصادية معقدة تتشابك فيها الاستثمارات ضمن رؤية شاملة تسعى إلى تكريس موقع السعودية كقوة اقتصادية رياضية وسياحية عالمية.

النطاق التقديري البالغ 5 مليارات دولار بين الحدين الأدنى والأعلى يظهر أن التأثير الاقتصادي المتوقع يتوقف على عدد من العوامل المتغيرة، مثل عدد الزوار، ومستويات الإنفاق السياحي، ومدى كفاءة الاستفادة من الاستثمارات في البنية التحتية، إضافة إلى قدرة القطاعات المحلية على امتصاص الطلب المتزايد وتوليد قيمة مضافة.

البنية التحتية: الاستثمار كمدخل للنمو

أحد أبرز المحركات الاقتصادية المرتبطة باستضافة هذا الحدث الضخم هو الاستثمار الحكومي في مشاريع البنية التحتية.

واستعدادا لاستضافة كأس العالم 2034، أبرمت السعودية أكثر من 900 صفقة رعاية في مختلف المجالات الرياضية وعشرات الاتفاقيات الرسمية مع اتحادات كرة القدم.

حللت منظمة "بلاي ذا جيم" الدنماركية أسباب تركيز السعودية على استضافة الكأس، حيث توضح "جهد السعودية الإستراتيجي لإعادة تشكيل صورتها العالمية والاستفادة من الرياضة كأداة للتأثير الجيوسياسي".

واتفق الخبيران في مجال الاقتصاد فضل أبو العنين عضو مجلس الشورى والدكتور محمد مكني أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام على أن استضافة السعودية كأس العالم 2034، ستسهم في تسريع وتطوير البنية التحتية، وأن عوائد المونديال المستدامة على التنمية والاقتصاد، وغير المحسوسة تفوق في أثرها العوائد المالية الوقتية، التي تنتهي بمجرد الانتهاء من الحدث العالمي.

فيما توقع الدكتور عزت قناوي المختص بالاقتصاد والمالية العامة جذب نحو 5 ملايين مشاهد وسائح بإجمالي إنفاق استهلاكي يصل إلى 10 مليارات دولار، بينما سيبلغ إنفاق السعودية على تنظيم المونديال نحو 4 مليارات دولار بسبب الجاهزية المسبقة لمعظم البنية التحتية.

"فيفا" أكد في تقارير له عن السعودية جاهزيتها التامة من حيث البنية التحتية، حيث جرى افتتاح مشروع قطار الرياض الذي يربط بين جميع الملاعب المستضيفة للفعاليات الرياضية، الأمر الذي سيسهم بشكل كبير في تيسير حركة الجماهير ووصولها إلى مواقع المباريات بكل سهولة ويسر.

السياحة: البوابة الذهبية للنقد الأجنبي

من المتوقع أن تستقبل السعودية ملايين الزوار، ما يعزز من إيرادات السياحة، التي تمثل أحد الأعمدة الأساسية لرؤية السعودية 2030 لتنويع مصادر الدخل.

الزوار سينفقون على الإقامة، والتنقل، والمأكولات، والتسوق، ما ينعكس بشكل مباشر في بند "صادرات الخدمات" ضمن الناتج المحلي الإجمالي.

ترى الدكتورة لورين هوكينز، أستاذة الاقتصاد الحديث، في حديثها لـ"الاقتصادية" أن استضافة الأحداث الرياضية الكبرى تعمل كمغناطيس للسياح العالميين، وتجلب ملايين الزوار الذين يسهمون بشكل كبير في اقتصاد الدولة المضيفة بالإنفاق على الإقامة والطعام والنقل والأنشطة الترفيهية.

وقال محمد الرشودي مدير ومالك تطبيق Tour المرخص من وزارة السياحة لحجز الوحدات السكنية في السعودية، "إنه سيكون لكأس العالم في السعودية تأثير عميق في قطاعات الضيافة والسياحة، ما يعزز النمو الاقتصادي ويشجع التبادل الثقافي، سيستفيد الحدث من التقدم التكنولوجي واستثمارات البنية التحتية لتقديم تجربة لا مثيل لها لملايين الزوار، ما يبرز التزام السعودية بأن تصبح وجهة رئيسية للرياضة العالمية والسياحة".

وتوقع الدكتور عماد مُنشي رئيس الجمعية السعودية للسياحة، أن يكون متوسط الإنفاق للسائح خلال كأس العالم 40 ألف ريال تتوزع بين قطاع الضيافة، والمعيشة، والترفيه، وقال "التقديرات المالية بنيت على معادلة رياضية تضم عديدا من المحددات مثل أسعار الطاقة، ومقاعد الطيران الدولي والمحلي، وعدد الوحدات الفندقية بعد 10 أعوام، فضلا عن الطاقة الاستيعابية للملاعب المستضيفة، ومدى تطور تقنيات البث التلفزيوني".

منشي أشار إلى أن الوظائف المتوقع أن توفرها الاستضافة لها 3 محددات في تصنيفها، وهي حسب ارتباطها بالبطولة، وقد يصل عددها إلى 3 ملايين وظيفة.

تحفيز القطاع الخاص وجذب الاستثمار الأجنبي

استضافة كأس العالم تفتح الباب أمام شراكات محلية ودولية، سواء في مجالات التسويق الرياضي، أو تنظيم الفعاليات، أو الترفيه، أو التكنولوجيا، حيث ستكون هناك فرص استثمارية ضخمة أمام الشركات العالمية في سوق سعودية متنامية تبحث عن الابتكار والتنوع.

ضمن رؤية السعودية 2030 وضعت الدولة هدفا إستراتيجيا يتمثل في رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40 إلى 65% إضافة إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من 0.7% في 2015 إلى 5.7% بحلول 2030، لذلك كأس العالم تمثل أداة لتحقيق هذه المستهدفات من خلال خلق فرص ضخمة أمام الشركات الخاصة محليا وعالميا.

استضافة حدث بحجم كأس العالم تعزز ثقة المستثمرين وتعد "شهادة جودة" عالمية، حيث توقع حماد البلوي، رئيس وحدة ملف ترشح السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، أن تكون العوائد التجارية من استضافة الحدث العالمي "مونديال 2034" عالية جدا، مشيرا إلى أن التكلفة "مقدور عليها" -على حد قوله-".

تأثير طويل الأمد: ليس مجرد حدث رياضي

تاريخيا كان تأثير كأس العالم في اقتصادات الدول المضيفة كبيرا وفقا لـ"الأهلي المالية"، بسبب الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والخدمات المرتبطة بالبطولة، كالفنادق والنقل والخدمات اللوجستية، وبشكل عام، تساعد الأحداث الضخمة على خلق فرص عمل دائمة ومؤقتة وتحسين مناخ الاستثمار من خلال جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وبالتالي دعم النشاط الاقتصادي ونمو الناتج المحلي الإجمالي.

ستوفر كأس العالم في السعودية أكثر من 40 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في ملاعب المدينة المستضيفة وملاعب التدريب ومقار المنتخبات المشاركة خلال فترة إقامة مباريات المونديال، وفقاً لريتشارد فان بورتفليت مسؤول أول للعلاقات الإعلامية في قسم الإعلام في الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".

ومنذ إطلاق رؤية 2030، تبنت السعودية نهجا واضحا لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل لذلك تعد استضافة كأس العالم 2034 جزءا من خريطة طريق إستراتيجية لإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي ليصبح أكثر انفتاحا وتنافسية.

وتعليقًا على ذلك، قال صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير: "الحدث سيسهم في تسريع النمو الاقتصادي غير النفطي، وتحقيق عوائد مباشرة وغير مباشرة، وهو يتماشى مع أهداف التنويع الاقتصادي للسعودية".

ختاما: رهان على المستقبل

السعودية لا تراهن فقط على تنظيم بطولة ناجحة، بل على استخدام هذه الفرصة كمنصة لتحفيز اقتصادها الوطني، وتأكيد ريادتها الإقليمية والدولية.

التقديرات التي قدمها صندوق النقد الدولي قد تكون بداية فقط، حيث قد يتجاوز الأثر الفعلي هذه الأرقام إذا ما تم استغلال الحدث بأقصى طاقاته الاقتصادية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام.

الرهان الحقيقي ليس على البطولة نفسها بل على ما بعدها، لذلك سيتبادر هذا السؤال: هل ستنجح السعودية في تحويل هذا الحدث إلى نقطة انطلاق دائمة لجذب الاستثمارات وتنمية الاقتصاد وترسيخ مكانتها العالمية؟

الأكثر قراءة