الملابس البنجالية أمام نيران ترمب .. صناعة تقاوم الانهيار
مع بزوغ فجر يوم مشرق في منطقة أشوليا، إحدى ضواحي العاصمة البنجالية دكا، دخل آلاف الرجال والنساء عبر طرق ضيقة، مرورًا بحراس أمن ينظمون حركة المرور، إلى مصانع الملابس المنتشرة في المنطقة.
يواصل هؤلاء العمال هذا الروتين منذ أكثر من عام، رغم أن بنجلاديش – التي يبلغ عدد سكانها 173 مليون نسمة – مرت بأشد فترات الاضطرابات السياسية منذ حرب استقلالها عام 1971.
الاشتباكات الدامية بين المتظاهرين وقوات الأمن أدت إلى ثورة يوليو 2024، وأنهت حكم رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، وتسببت في إغلاق بعض مصانع الملابس لأيام. كما أدى تعليق خدمات الإنترنت بهدف إخماد الاحتجاجات إلى تعطيل التواصل مع العملاء الدوليين. ورغم ذلك، كانت شحنات الملابس للمشترين الأجانب في ذلك الشهر أعلى من العام السابق من حيث القيمة الدولارية.
لكن السياسات التجارية المتقلبة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب شكلت تحديًا أكبر، فقد أربكت خطط الشركات الأمريكية – وهي أكبر عملاء بنجلاديش في قطاع الملابس.
وفقا لصحيفة "نيكاي آسيا"، منذ سبتمبر الماضي، ارتفعت واردات الولايات المتحدة من الملابس البنجالية بمعدلات سنوية وصلت إلى 46%، وهي بذلك تنافس الصين، الرائدة في السوق الأمريكية.
لكن إعلان ترمب في أبريل عن خطة "الرسوم المتبادلة" أدى إلى تغيير جذري، حيث هدد بزيادة الرسوم على الملابس البنجالية ثلاثة أضعاف.
بدأ المشترون الأمريكيون بالانسحاب والمطالبة بتخفيضات كبيرة من الموردين، الذين بدورهم أوقفوا التوظيف وحذروا من عمليات تسريح جماعية.
في مايو، انخفضت واردات الولايات المتحدة من الملابس البنجالية 8.2% مقارنة بالعام السابق. وتشير البيانات إلى أن التراجع في يونيو تجاوز 10%، وقد يكون انخفض أكثر في يوليو، إذ بدا أن فيتنام ستحظى بميزة جمركية واضحة على حساب بنجلادش.
لكن صباح الجمعة حمل أنباء مريحة، حدد ترمب رسومًا إضافية بنسبة 20% على واردات الملابس من بنجلادش، وهي النسبة نفسها المقررة على فيتنام.
قال مستشار الأمن القومي البنجالي خليل الرحمن: "تجنبنا اليوم فرض رسوم بنسبة 35%، وهو خبر سار لملايين العاملين في قطاع الملابس"، وأوضح أن بنجلادش التزمت بشراء مزيد من الطائرات والقمح والقطن والغاز الطبيعي الأمريكي.
تخوف الاقتصاد البنجالي من زيادة الرسوم الجمركية مبرر، نظرًا لاعتماد البلاد الشديد على تصدير الملابس، التي تشكل 90% من إجمالي الصادرات، بينما تُعد الولايات المتحدة أكبر سوق لها.
في يناير، كانت الرسوم الأمريكية على الملابس البنجالية تبلغ 16.8%، وكان إعلان ترمب في أبريل سيرفعها إلى 53.8%، ما دفع الشركات البنجالية للتحذير من انهيارات محتملة.
مجموعة "هميم"، التي توظف نحو 80 ألف عامل وتصدر 90% من إنتاجها للولايات المتحدة، كانت من بين المتأثرين، ومن بين عملائها وتومي هيلفيجر، وأمريكان إيجل أوتفترز. قال مدير الاستدامة في الشركة، مسعود الرحمن، في يونيو: "إذا تم تطبيق رسوم 37%، فقد نضطر إلى تسريح عدد هائل من العمال".
وفقًا لمعهد مركز حوار السياسات في دكا، هناك أكثر من 100 شركة بنجالية تعتمد كليًا على السوق الأمريكية، و300 شركة توجه أكثر من نصف صادراتها إليها.
ومع اقتراب موعد تطبيق الرسوم الجديدة، أعلن ترمب في 7 يوليو أن النسبة لبنجلادش ستكون 35% اعتبارًا من 1 أغسطس، قبل أن يخفضها لاحقًا إلى 20%. في المقابل، فرضت الولايات المتحدة رسومًا تصل إلى 145% على الواردات الصينية، ما قلل من شحنات الصين لصالح دول مثل فيتنام.
قدر مركز حوار السياسات أن صادرات بنجلادش للولايات المتحدة قد تنخفض بنسبة تراوح بين 34% و60% إذا تجاوزت الرسوم الإضافية 10%.
قال محمود حسن خان، رئيس اتحاد مصنّعي الملابس، "إن أي فرق في الرسوم يتجاوز 5 نقاط مئوية سيضطر الموردون البنجاليون إلى تحمله، أو سيخسرون أعمالهم لصالح دول منافسة".
كما أشار اقتصاديون إلى أن المصنّعين الصغار لن يتمكنوا من البقاء إذا استمر هذا الوضع، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة الاقتراض والطاقة والتشغيل.
بدأ عديد من الشركات في التوجه لأسواق جديدة، منها أستراليا واليابان. فشركة ديني إكسبرت بدأت توريد منتجاتها لمتجر كيه مارت أستراليا. لكن الخبراء يحذرون من أن هذه الأسواق لن تعوض خسائر السوق الأمريكية.
يقول عاصف إبراهيم، مالك شركة نيو إيج جروب لإنتاج الملابس: "يمكننا تحويل الأزمة إلى فرصة، لتطوير صناعتنا وتعزيز قدرتنا التنافسية عالميًا".
تدفع الضغوط أيضًا نحو الأتمتة. قال مسعود الرحمن من "هميم": "الميكنة تسهم في تقليل التكلفة وتحسين الكفاءة وتحقيق إنتاج خالٍ من النفايات".