ذكاء اصطناعي يراقب الأبقار.. تقنية مبتكرة تقلل خسائر المزارع وترفع العوائد 10 أضعاف

ذكاء اصطناعي يراقب الأبقار.. تقنية مبتكرة تقلل خسائر المزارع وترفع العوائد 10 أضعاف
تُعدّ "كاتل آي" راعية رقميةً لأكثر من 200 ألف بقرة حول العالم.

بعد نشأته في مزرعة ألبان صغيرة في أيرلندا الشمالية، كان تيري كانينج يرى مستقبلا بعيدا عن الأبقار. درس الهندسة لـ4 سنوات كما يقول لمجلة فورتشن، ثم عمل في عدد من شركات الحوسبة، وفي 2004، وفي سن الثلاثين، عاد كانينج إلى مزرعة عائلته وأسس شركته الخاصة، حيث طوّر برنامجًا لإدارة الماشية.

كانت فكرة تحليل الماشية مهمة في القطاع الزراعي حينها، نظرًا لتفشي مرض الحمى القلاعية.

ولحل هذه المشكلة، فكر بتثبيت أجهزة على الماشية، مثل ساعة "فيتبيت" ولكن للأبقار، لكن تبيّن أنها مكلفة وصعبة التنفيذ.

فكّر كانينج في طريقة أخرى، وقد وجدها بمساعدة شريكه المؤسس، آدم أسكيو. كان أسكيو باحثًا في مجال رؤية الحاسوب لأغراض طبية، مثل الكشف عن السرطان.

وتوصلا إلى فكرة رائعة: لم لا يستخدمان التكنولوجيا نفسها لمراقبة الأبقار؟ ابتكرا نظامًا لمراقبة مرور الماشية تحت كاميرا لتحليل صحة الأبقار، وتحديدًا ما إذا كانت تعاني عرجا. وهو مرض شائع في مزارع الألبان ويصيب نحو 30% من الأبقار، مسببًا خسائر اقتصادية كبيرة، تصل في المملكة المتحدة إلى 190 مليون دولار سنويًا، إلى جانب تأثيره البيئي نتيجة تقليل عمر الإنتاج وزيادة الانبعاثات، وفقا لكانينج.

تأسست شركتهما، "كاتل آي"، ولا تزال تكنولوجيتها الأساسية كما هي منذ تأسيسها عام 2019. كاميرا بسيطة - عين الذكاء الاصطناعي - مثبتة فوق المسار الذي تسلكه الأبقار في المزرعة يوميًا، تتعرف على كل بقرة بناءً على علاماتها الفريدة، وتقيم جودة مشيتها. تحدد الكاميرا نحو 16 نقطة في كل بقرة، مثل الأذن والعمود الفقري. تمتلك الشركة مخزونًا ضخمًا يضم نحو 100 ألف مقطع فيديو يشرح فيه أطباء بيطريون حالات صحية لتدريب النماذج.

عند استخدام النظام، يُعطي الذكاء الاصطناعي لكل بقرة درجة تراوح بين 0 و100: أي بقرة تحصل على درجة أعلى من 50 تعد عرجاء، وتحتاج إلى فحص الراعي الذي يرى بيانات قطيعه عبر تطبيق ويب. يقول كانينج إن النظام قادر على تحديد الأبقار العرجاء قبل 4 أسابيع من معظم البشر.

يُكلف "كاتل آي" المزارعين عادةً نحو 1.45 دولار أمريكي لكل بقرة شهريًا، لكنه يُحقق "عائدًا لا يقل عن 10 أضعاف"، بحسب كانينج؛ كما يُقلل من العرج بنحو 10 نقاط مئوية، ويُقلل من الانبعاثات بما يصل إلى 40%؛ وذلك بإطالة عمر الأبقار. تم تقييم الأساس العلمي لنظام "كاتل آي" من خلال دراسات علمية مستقلة توصلت إلى نتائج مماثلة.

أبقيت التكاليف الأولية منخفضة لتجنب إخافة المزارعين. يُعد نظام الذكاء الاصطناعي معقد وهو حاصل على براءة اختراع، لكن المعدات المستخدمة تتكون من كاميرا بسيطة مثبتة على ارتفاع 4 أمتار على الأقل فوق سطح الأرض حيث تمشي الأبقار، ومفتاح إيثرنت وبطاقة ذاكرة. ولأن الأبقار لا تصطف في صف واحد، فإن النظام يعمل حتى لو مرت بقرات عدة تحت الكاميرا في آنٍ واحد.

كانت سلسلة المتاجر البريطانية تيسكو من أوائل العملاء. وتعاونت مع "كاتل آي" منذ 2019. ساعد تبني "تيسكو" المبكر لتكنولوجيا "كاتل آي" في الحصول على تمويل أولي بقيمة 672.9 ألف دولار أمريكي من صندوق "تيك ستارت". كما أطلقت الشركة مشروعًا تجريبيًا في 2020 في 3 مزارع ألبان في المملكة المتحدة، حيث استخدمت فحوصات أطباء بيطريون كمرجع لتأكيد مخرجات النظام.

اليوم، تُعدّ "كاتل آي" راعية رقميةً لأكثر من 200 ألف بقرة حول العالم، مع قاعدة عملاء أمريكية متزايدة بعد استحواذ شركة جي إي إيه جروب الألمانية لتكنولوجيا الأغذية على الشركة في مارس 2024. من بين العملاء مجموعة أيه وير فود الهولندية، وشركة دانون، وشركة أرلا العالمية العملاقة لمنتجات الألبان.

الخطوة التالية على خريطة طريق "كاتل آي" هي محاولة استخدام التكنولوجيا ذاتها في مجالات أخرى. وقد أتمت الشركة بالفعل مشروعًا تجريبيًا مع الدواجن، بهدف مراقبة صحتها، لكنها لم تطلقه تجاريًا. يقول كانينج: "التكنولوجيا هذه تستخدم أصلا في قطاعات أخرى. صناعة الألبان ليست الرائدة .. نحن نعيد توظيف التكنولوجيا ونتعلم منها".

وبما أن مجموعة "جي إي إيه جروب" رائدة في مجال البيانات، وتركز على صناعة الألبان، يمكن لكانينج أن يرى مستقبلا يمكن فيه دمج بيانات المجموعة وخبرة "كاتل آي" في مجال الذكاء الاصطناعي لتقديم نصائح محددة حول أفضل وقت لحلب بقرة ما، أو موعد ولادتها، ومدى جودة طعامها.

الأكثر قراءة