رغم نمو المصادر المتجددة .. معهد الطاقة: الوقود التقليدي ما زال مهيمنا على السوق

رغم نمو المصادر المتجددة .. معهد الطاقة: الوقود التقليدي ما زال مهيمنا على السوق
طاقة الرياح والطاقة الشمسية نمت بنسبة 16% مجتمعة.

بقي الطلب ثابتا على النفط الخام في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال 2024، بعد انخفاض طفيف في العام الذي سبقه، بينما شهدت الدول غير الأعضاء في المنظمة ارتفاعا في استهلاك النفط 1%، مع استمرار الوقود التقليدي في تأدية دور مهيمن في مزيج الطاقة العالمي، بحسب معهد الطاقة "Energy Institute".

المعهد، الذي يعد منظمة مهنية في مجالات الطاقة ولديه عضوية من 20 ألف شخص و200 شركة، بالتعاون مع شركتي Kearney وKPMG كشف عن الإصدار الـ74 من المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية، مقدما أول قراءة شاملة لبيانات الطاقة العالمية لعام 2024.

أظهرت المراجعة أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية نمت 16% مجتمعة، ما يعزز من دورهما ضمن المجالات سريعة النمو في نظام الطاقة، حيث تجدر الإشارة إلى أن الصين كانت مسؤولة عن 56% من الإضافات الجديدة، إذ تضاعفت الطاقة الشمسية تقريباً خلال عامين فقط.

نمو طاقة الرياح والطاقة الشمسية بلغ 9 أضعاف النمو في الطلب الكلي على الطاقة، حيث ارتفع استخدام الوقود التقليدي بنسبة تجاوزت قليلاً 1% في 2024. وارتفع إجمالي الطلب على الطاقة 2%، ليصل إلى مستوى قياسي جديد بلغ 592 إكساجول. كما تم تسجيل أرقام قياسية غير مسبوقة في جميع أشكال الطاقة، بما في ذلك الفحم والنفط والغاز والطاقة المتجددة والطاقة الكهرومائية والنووية.

بحسب المعهد، استمر نمو الطلب على الكهرباء بمعدل 4%، متجاوزاً بذلك نمو إجمالي الطلب على الطاقة، ما يشير إلى أن عصر الكهرباء ليس ناشئاً فحسب، بل يُشكل نظام طاقة عالمي جديد.

في عام تجاوزت فيه درجات حرارة الهواء المتوسطة عتبة الاحترار البالغة 1.5 درجة مئوية بشكل متكرر، شهدت انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون العالمية من قطاع الطاقة ارتفاعا بنسبة 1%، مسجلة رقما قياسيا جديدا يمثل الرقم القياسي الرابع على التوالي.

توسعت طاقة الرياح والطاقة الشمسية 16% في 2024، أي أسرع تسعة أضعاف من إجمالي الطلب على الطاقة. ومع ذلك، لم يكن هذا النمو كافيا لتعويض الزيادة في الطلب من مصادر أخرى، إذ ارتفع إجمالي استخدام الوقود التقليدي بما يزيد قليلا على 1%، ما يسلط الضوء على تحول يتسم بالاضطراب بقدر ما يشهد من تقدم.

الطلب الصيني على النفط الخام انخفض 1.7% في 2024، ما يشير إلى أن 2023 قد بلغ ذروته. في أماكن أخرى، فيما انتعش الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، مرتفعا 2.5% مع عودة توازن أسواق الغاز بعد تراجعها في 2023.

ارتفع طلب الهند على الفحم 4% في 2024، ليعادل إجمالي طلب رابطة الدول المستقلة، وأمريكا الجنوبية والوسطى، وأمريكا الشمالية، وأوروبا، بحسب بيانات معهد الطاقة.

وذكر المعهد أن هذه الاتجاهات تبرز حقيقةً صارخة: فبينما يتوسع استخدام الطاقة المتجددة بوتيرة غير مسبوقة، ورغم أن الطلب العالمي يرتفع بوتيرة أسرع، وبدلا من أن تكون مصادر الطاقة المتجددة منافسة للوقود التقليدي، أصبحت ضمن إجمالي مصادر الطاقة لكن دون تأثير في هيمنة الوقود التقليدي على مزيج الطاقة.

وأضاف "يظهر هذا النمط -الذي يتمثل في النمو المتزامن للطاقة النظيفة والتقليدية- التحديات الهيكلية والاقتصادية والجيوسياسية التي تحول دون تحقيق تحول عالمي منسق في مجال الطاقة".

قال آندي براون، رئيس Energy Institute: "تظهر بيانات هذا العام صورةً معقدةً لواقع تحول الطاقة في العالم. تتسارع وتيرة الكهرباء، ولا سيما في الاقتصادات النامية حيث يتوسع الوصول إلى الطاقة الحديثة بسرعة. ومع ذلك، لا يزال نمو الطلب العالمي، الذي غطّى الوقود التقليدي 60% منه، يفوق وتيرة نشر الطاقة المتجددة. والنتيجة هي عام رابع على التوالي من الانبعاثات القياسية، ما يُسلّط الضوء على التحديات الهيكلية في مواءمة استهلاك الطاقة العالمي مع أهداف المناخ".

من جهته، علق الدكتور نيك وايث، الرئيس التنفيذي لمعهد الطاقة قائلا: "سجلت جميع مصادر الطاقة الرئيسة، بما فيها الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية، مستويات استهلاك قياسية (لأول مرة منذ 2006)، وهو يبرز الطلب العالمي المتزايد".

وأضاف: "لم تُسهم أي دولة في تشكيل هذا الواقع أكثر من الصين. إن توسعها السريع في الطاقة المتجددة، إلى جانب اعتمادها المستمر على الفحم والغاز والنفط، يُسهم في دفع اتجاهات الطاقة العالمية. وسيكون حجم خيارات الطاقة واتجاهها في الصين محوريين في تحديد ما إذا كان العالم قادرًا على تحقيق مستقبل طاقة آمنة بتكلفة ميسورة وانبعاثات منخفضة".

أمن الطاقة أولى من أهداف المناخ

صرح الشريك والمدير الإداري لمؤسسة Energy Transition Institute التابعة لمؤسسة Kearney، الدكتور رومان ديبار، قائلاً: "شهد العام الماضي نقطة تحول أخرى في قطاع الطاقة العالمي، مدفوعةً بتصاعد التوترات الجيوسياسية. وأصبح أمن الطاقة، والوصول إلى الموارد، والسيادة في التكنولوجيا، أولى من أهداف المناخ.

تكشف بيانات هذا العام عن ثلاثة اتجاهات تُشكل مشهد الطاقة: استهلاك الطاقة يتزايد لكن أنماطه تتغير، والكهرباء تتسارع، وعملية التحول في الطاقة لا تزال فوضوية. وأضاف: "نرى المخاطر الحقيقية للاختلافات الإقليمية وتكلفة التقاعس عن اتخاذ قرارات.

وقال: "انبعاثات غازات الدفيئة القياسية وارتفاع درجات الحرارة في 2024 تمثل جرس إنذارٍ مُدوٍّ. لدينا الإستراتيجيات والتكنولوجيات والمعرفة اللازمة لتنفيذ تحول في الطاقة بنهج متكامل وآمن يراعي الناس. والآن، علينا أن ننتقل من الوعود إلى العمل، على نطاق واسع وبوتيرة سريعة".

تقدم متفاوت

أكدت رئيسة إستراتيجية الطاقة والموارد الطبيعية والشريكة في شركة KPMG في المملكة المتحدة وفاء جعفري: "وضعت قمة المناخ 28 رؤية جريئة لمضاعفة مصادر الطاقة المتجددة العالمية 3 مرات بحلول 2030، لكن التقدم متفاوت، وعلى الرغم من النمو السريع الذي شهدناه عالميًا، إلا أننا لا نتحرك بالوتيرة المطلوبة، فالطلب على الطاقة آخذ بالازدياد".

وأضافت "تبرز بيانات هذا العام كيف واجهت أوروبا صدمة واقعية، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف سلسلة التوريد إلى إبطاء التقدم في مجال الطاقة المتجددة، فيما تواصل الصين والأسواق الناشئة الأخرى دفع عجلة النمو على نطاق أوسع. ما يتضح لنا أن التحول ليس تحولا موحدًا، بل غير منظم".

الأكثر قراءة