المعادلة المثلى للاستهلاك .. متى يكون كافيًا للاقتصاد؟

المعادلة المثلى للاستهلاك .. متى يكون كافيًا للاقتصاد؟
يمكن للاستهلاك أن يسيّر الاقتصاد الأمريكي، لكنه ليس ركيزة أساسية. "جيتي"

بين نهاية القرن الـ19 ومنتصف القرن الـ20، شهدت الولايات المتحدة طفرة في الإنتاجية، وانخفاضا في عدد ساعات العمل الأسبوعية، وتطوير تجار التجزئة الإعلانات لتمتص أكبر قدرٍ ممكن من الدخل المتاح.

بحسب موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، أصبح الإنفاق على الاستهلاك الشخصي في أمريكا الآن جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها، لدرجة أنه يشكل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

في الجهة الأخرى من العالم، تسعى الصين إلى تعزيز استهلاكها المحلي بمزيجٍ من الحوافز. فالدولة التي طوّرت التصنيع لدرجة أنها أصبحت مصنع العالم تسعى الآن إلى إعادة التوازن، من خلال تقليل اعتمادها على الصادرات.

هذا يعني أن أكبر اقتصادين في العالم يتحركان في اتجاهين متعاكسين. تتوق الصين إلى زيادة إنفاق المستهلكين، في حين تريد الولايات المتحدة أن تقرن إنفاقها الضخم بزيادة الإنتاج. تُثير الأجندات المتناقضة السؤال التالي: ما المعدل المناسب للاستهلاك؟

قال إسوار براساد، الخبير الاقتصادي في جامعة كورنيل، على هامش منتدى دافوس الصيفي: "الولايات المتحدة ليست المعيار الصحيح. فالبلاد تدخر القليل نسبيًا، وتواجه عجزا تجاريا واضحا. أما الصين، فيعكس ارتفاع معدل الادخار غياب الثقة بشبكة الأمان الاجتماعي (السياسات والأنظمة التي تدعم المواطن، مثل التقاعد)".

لا يوجد معيار واضح لمعدل الادخار المثالي، لكن الصين استثناء واضح. كما أن الطاقة الإنتاجية الفائضة في بعض صناعاتها المحلية تسرع الحاجة إلى تحفيز الاستهلاك.

منذ تسعينيات القرن الـ19، بدأ إنتاج السلع الرخيصة يزدهر في أمريكا، وتزامن ذلك مع تطور الإعلانات الاستهلاكية. في تلك الفترة، ظهرت عبارة "استهلاك المظاهر" لوصف استهلاك يهدف إلى التباهي بشراء الأغلى والأفضل.

استمر الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي في الازدهار حتى النصف الثاني من القرن الـ20، لكن طفرة التصنيع المحلي لم تواكبه. فالعولمة سهلت استيراد السلع.

انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001. وبعد عقدين، تضاعف اقتصادها 13 مرة، وكانت الولايات المتحدة تعتمد عليها في نحو خُمس وارداتها، فيما تُعاني عجزا تجاريا قدره 355 مليار دولار مع منافستها سريعة النمو.

في النهاية، أصبح هذا النموذج محل تشكيك. يمكن للاستهلاك أن يسيّر الاقتصاد الأمريكي، لكنه ليس ركيزة أساسية. لذلك، بدأت أمريكا تعيد النظر في إعادة التصنيع إلى الوطن. لكن "لا توجد خطة مُجرّبة لإعادة التصنيع"، كما قالت يوين يوين آنج، بروفيسورة الاقتصاد السياسي في جامعة جونز هوبكنز، خلال جلسة في دافوس الصيفي.

وقالت: "نعرف كيف نصبح دولة صناعية، لكن المشكلة هي عندما نكون دولة صناعية أصلا، وكل إنتاجنا نقلناه إلى الخارج - والآن نريد استعادته".

مع تراجع قاعدة التصنيع الأمريكية، واصلت الصين النمو بالتصنيع، وارتفع معها الثروة والإنفاق. حاولت أمريكا تصدير بعض منتجاتها، لكن باءت محاولة دمى "باربي" في الصين بالفشل.

حققت سلع أخرى رواجًا محليًا أفضل، مثل الساعات السويسرية. فقد كان لتراجع الإقبال الصيني على الساعات باهظة الثمن تأثير حاسم في أسعار أسهم كبريات صانعيها السويسرية.

اليوم، لا يزال ضعف الثقة لدى المستهلك الصيني يشكّل تحديًا. وصرح براساد بأن الدولة أحرزت تقدما ملموسا في هذا الشأن، لكن الجائحة ضربت السوق.

من جهتها، تواصل أمريكا الاعتماد على الاستهلاك محركا لاقتصادها، وخطط إعادة التصنيع في مراحلها الأولى.

حاول باحثون تفسير الفجوة الثقافية. أشارت دراسة إلى أن الدول ذات التقاليد "الكونفوشيوسية" تستهلك أقل من المتوسط العالمي عادة، لكن هذا التفسير موضع تساؤل، تمامًا مثل مفهوم "أخلاقيات العمل البروتستانتية" الذي يُستخدم أحيانًا لتفسير الاستهلاك الباذخ في أمريكا.

تحقيق توازن صحي في الاستهلاك في كلا الدولتين قد يحقق مكاسب كبيرة، شريطة ألا تُفاقم الفجوة الحالية التوتر العالمي.

الأكثر قراءة