الهدنة بين إسرائيل وإيران تسلط الضوء على لغز اليورانيوم المفقود
قد يُسهم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران في الحد من ضربات الصواريخ المتبادلة؛ إلا أن أكبر ألغاز الحرب لا يزال دون حل، وهو موقع اليورانيوم الإيراني المخصب شبه الجاهز لصنع القنابل.
أقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد مرور خمسة أيام فقط على اندلاع النزاع، بأن مفتشيها فقدوا أثر 409 كيلوجرامات (902 رطل) من اليورانيوم عالي التخصيب، وهي كمية تكفي لصناعة 10 رؤوس نووية، في حال قرر المرشد الأعلى علي خامنئي المضي في التسلّح النووي.
ويمكن تخزين هذا المخزون في 16 أسطوانة يبلغ ارتفاع كل منها 36 بوصة (91.4 سنتيمتراً)، وفقا لتقديرات نشرها منظّمون أمريكيون، أي ما يعادل حجم أسطوانة غوص كبيرة. ويبلغ وزن كل واحدة منها نحو 25 كيلوجراما، أي ما يكفي لحملها إلى موقع سري سيرا على الأقدام أو في مؤخرة مركبة صغيرة.
إخفاء اليورانيوم لأجل غير مسمى
حتى لو كانت إسرائيل والولايات المتحدة قد دمرتا فعليا البنية التحتية الإيرانية للتخصيب في المستقبل المنظور — وهو أمر لا يزال موضع شك كبير حتى الآن — فإن الخطر يكمن في إمكانية إخفاء اليورانيوم القريب من درجة التسلح إلى أجل غير مسمّى.
ومع ذلك، عبّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، عن تفاؤله بأن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل المستدام قد يمهّد الطريق لاستئناف المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني وعودة المفتشين إلى المواقع النووية.
وقال غروسي في جلسة طارئة لمجلس إدارة هيئة الأمم المتحدة الرقابية يوم الاثنين: "يجب أن تتوقف الأعمال العدائية لتوفير شروط الأمان والسلامة اللازمة كي تسمح إيران لفرق الوكالة بالدخول إلى المواقع وتقييم الوضع".
نقل اليورانيوم بعد استهداف إيران
يسلط الموقع المجهول للوقود النووي الإيراني الضوء على طبيعة المخاطرة الشديدة في قرار إسرائيل بشنّ عمل عسكري ضد إيران قبل نحو أسبوعين، وهو القرار الذي اتُخذ بعد فشل خمس جولات من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في التوصل إلى اتفاق.
وقبل هذه الهجمات، كان مراقبو الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتابعون بدقة فائقة مخزون إيران المُعلَن من اليورانيوم، ويقومون بتفتيش أكثر من موقع يومياً لضمان عدم تحويل المادة لاستخدامات عسكرية.
لكن الضربات الإسرائيلية يوم 13 يونيو دفعت إيران إلى نقل المادة إلى منشأة مجهولة، حتى قبل أن تنضم الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي إلى الحملة مستخدمة تقنيات قصف أكثر تقدماً. ورغم أن غروسي طالب إيران بالكشف لمفتشيه عن الموقع الجديد، لا يوجد أي ضمان بأنهم سيحصلون على إذن بالدخول، سواء استمر وقف إطلاق النار أم لا.
وقف التنسيق مع الوكالة الذرية
في خطوة تصعيدية، وافقت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني هذا الأسبوع على الخطوط العريضة لمشروع قانون يُلزم الحكومة بتعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا يعني وقف جميع أشكال التنسيق مع هيئة الرقابة النووية "إلى حين ضمان أمن منشآت البلاد النووية"، وفقاً لما أفادت به وكالة "ميزان" للأخبار القانونية الإيرانية.
وقد وجه القادة الإيرانيون انتقادات للوكالة الدولية للطاقة الذرية على خلفية ما وصفوه بفشلها في الدفاع عن حقوق إيران بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي، وهي اتفاقية دولية أساسية تم التوصل إليها قبل نصف قرن لمنع انتشار الأسلحة النووية. وقد منحت المعاهدة الدول الموقعة، مثل إيران، حق الوصول إلى تقنيات نووية بشرط ألا تسعى لتصنيع أسلحة.
"ضربة لا يمكن إصلاحها"
نظراً لأن كثيراً من هذه التقنيات مزدوجة الاستخدام — أي يمكن توظيفها في مجالات مدنية أو عسكرية — فقد منحت المعاهدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلطة التأكد من استخدام المواد النووية بشكل سليم.
وقال المبعوث الإيراني إلى الوكالة، رضا نجفي، يوم الاثنين، إن مصداقية الاتفاق تلقت "ضربة لا يمكن إصلاحها" بسبب قرار إسرائيل والولايات المتحدة قصف المواقع النووية الإيرانية بدلاً من مواصلة السعي لحل دبلوماسي.
وصرّح نجفي للصحفيين: "الإطار القائم لمعاهدة عدم الانتشار بات غير فعّال".
حتى لو لم تكن العلاقة القانونية والسياسية بين إيران ومفتشي الوكالة قد تدهورت بفعل التحركات العسكرية -رغم أنها تدهورت فعلاً- فإن الهجمات على المواقع النووية جعلت مهمة المراقبة أكثر تعقيداً.
وتعرضت مواقع فوردو وأصفهان ونطنز — التي كانت هدفاً مكثفاً للقصف من جانب إسرائيل والولايات المتحدة خلال الاثني عشر يوماً الماضية — إلى تلوث كيميائي وإشعاعي موضعي، ما يرجّح أنه أضعف فاعلية أدوات التحقق الرئيسية.
وما يزال مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب مفقوداً حتى الآن.