5 % نمو سنوي لقطاع الإنشاءات السعودي رغم تحديات التمويل وتكاليف الاستيراد
يشهد قطاع الإنشاءات في السعودية تطورا غير مسبوق، حيث تتزايد المشروعات الضخمة وتتحسن البنى التحتية بشكل ملحوظ كجزء من رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز مكانة البلاد كمركز عالمي في قطاع الإنشاءات.
توقع خبراء في قطاع البناء والمقاولات تحدثوا لـ"الاقتصادية"، أن تشهد قيمة سوق البناء والتشييد في السعودية نموا مطردا تصل إلى 342.2 مليار ريال (ما يعادل 91.36 مليار دولار) بحلول عام 2029، وإلى 96.26 مليار دولار (361 مليار ريال) بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.37% خلال الفترة ما بين 2025 و2030.
وأكدوا أن السوق خلال العام الجاري ستبلغ 74.11 مليار دولار (277.5 مليار ريال)، مقابل 70.33 مليار دولار (263 مليار ريال) في عام 2024.
فيما يخص مواد البناء، تُقدر قيمتها خلال العام الحالي 2025 بنحو 88.5 مليار دولار، أما سوق المواد الخشبية المستوردة فكان حجمه 2.1 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 2.8 مليار دولار في 2025. إلا أن هناك تحديات تواجه القطاع مثل مشاكلات التمويل والعمالة غير النظامية.
وفي هذا السياق، قال الرئيس السابق لاتحاد المقاولين العرب ورئيس مجلس إدارة شركة الجازع للمقاولات فهد الحمادي، إن سوق البناء والمقاولات في السعودية تشهد تطوراً ملحوظاً مع دخول التقنيات الحديثة وعمليات الإشراف والتخطيط الجديدة التي تعزز من جودة المشروعات.
تواجد كبير للشركات العالمية
وفقا للحمادي، أصبحت السوق المحلية وجهة عالمية تتميز بوجود كبير للشركات العالمية وتوفر منتجات بناء متنوعة، مبينا أن المقاول يحتاج إلى جهاز فني يمتلك المهارات والمعرفة اللازمة لمواكبة مشروعات رؤية السعودية، مع التركيز على التخطيط والاستشارات الفنية.
وقال "تطبيق المحتوى المحلي يعزز من حماية المنتجات الوطنية، حيث يسهم في رفع نسبة استخدامها في المشروعات إلى نحو 40%. وتشدد الرقابة على الأسعار لضمان عدم تجاوز المنتجات الوطنية للمنتجات الخارجية بأكثر من 25% لتفادي ارتفاع الأسعار".
في المقابل، يُعد التمويل البنكي أحد أبرز التحديات التي تواجه قطاع المقاولات، حيث تُرفض بعض طلبات التمويل من قبل البنوك بسبب سياساتها الخاصة ودراسات الجدوى المقررة للعملاء، إلا أنه في حالات وجود دراسات وضمانات قوية، يمكن للمقاولين الحصول على التمويل المطلوب رغم المخاطر التي يواجهها القطاع، بحسب الحمادي.
وأضاف "مع التخصصات المتنوعة في المجال، مثل الحفر والبنية التحتية والكهرباء، يتم تقويم المقاولين بناءً على تطبيقهم للمعايير المطلوبة، والتي تلتزم بها الجهات المسؤولة حتى نهاية المشروع. تظل المنافسة محتدمة بين الشركات المحلية والدولية، ما يعكس التطورات المتسارعة في قطاع المقاولات السعودي".
من جهته، قال مدير عام شركة الصوري لمواد البناء، عبد الله الصوري، إن سوق البناء والتشييد في السعودية تشهد تطورًا كبيرًا بدعم من رؤية السعودية 2030، التي تسعى لزيادة تملك السعوديين للمساكن، مبينا أن السوق قوية للغاية وتتقدم بفضل السياسات الداعمة لعمليات البناء السريعة والدعم السكني لأصحاب الأراضي.
استخدام المنتجات المحلية
الصوري أشار إلى أن التقنيات الحديثة في السوق، مثل استخدام الحديد البارد والبناء المستعجل والصبات المسبقة الصنع، تسهم في تحسين كفاءة عمليات البناء، موضحا أن السوق السعودية تحتوي على مجموعة واسعة من مواد البناء، منها منتجات محلية وأخرى مستوردة، مثل الجرانيت والسيراميك والبورسلان والأخشاب والأدوات الصحية، ومع ذلك، شهدت أسعار مواد البناء زيادة تصل إلى 40% نتيجةً للرسوم الجمركية وارتفاع أسعار المواد الخام.
تعتمد بعض المشاريع الحكومية على إلزامية استخدام المنتجات المحلية، لكن الاستيراد لا يزال قائمًا، خاصةً من الصين والإمارات وتركيا ومصر، وفقًا للصوري.
وقال "تواجه شركات مواد البناء تحديات مثل تأخير وصول المواد وارتفاع التكاليف وانتشار السوق السوداء للعمالة المخالفة، ما يؤثر في الاقتصاد المحلي ويسبب ارتفاعًا إضافيًا في تكاليف البناء".
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة شركة منار العمران وعضو لجنة مواد البناء في غرفة جدة سابقًا ماهر الحربي، إن السعودية تشهد نموًا ملحوظًا في قطاع السياحة والضيافة، ما يؤثر بشكل كبير في سوق إدارة الإنشاءات في البلاد.
وأكد السعودية تعد ثالث أكبر سوق عالمية لبناء الفنادق بعد الصين والولايات المتحدة، حيث يعكس هذا الترتيب الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في تطوير البنية التحتية للضيافة لتلبية الطلب المتزايد.
وفيما يخص تفاصيل المشاريع الفندقية، يهيمن قطاع الإنشاءات على المشاريع الفاخرة، حيث تضم الفنادق ذات الأربع نجوم 77 مشروعًا بإجمالي 30,229 غرفة، بينما يضم قطاع الفنادق الفاخرة ذات الخمس نجوم 90 مشروعًا بإجمالي 33,524 غرفة، ما يُظهر التركيز على تطوير البنية التحتية للضيافة المتميزة، بحسب عضو لجنة مواد البناء في غرفة جدة سابقًا.
ارتفاع تكاليف الاستيراد
من ناحية أخرى، أشار الحربي إلى تأثير الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين في أسعار مواد البناء، حيث قد تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد. وأوضح أن أحد الحلول المهمة لمواجهة هذه التحديات هو الاعتماد على الصناعات المحلية في مواد البناء، التي تمتاز بجودة عالية وتلقى قبولاً واسعًا في الأسواق الخارجية بأسعار تنافسية.
تشهد السعودية طفرة في تطوير القطاع السياحي، حيث تُقدر قيمة المشاريع السياحية العملاقة بمليارات الدولارات، ومنها مشروع القدية، والبحر الأحمر، وأمالا، بدعم من صندوق الاستثمار السياحي، وفقًا لتصريحات ماهر الحربي.
تسهم مثل هذه المشاريع في تحفيز حركة البناء، التي تركز على تطوير معالم سياحية تلبّي المعايير الدولية، ما يجعلها مؤهلة للانضمام إلى قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
تؤدي الاستثمارات الأجنبية دوراً محورياً في قطاع البناء والتشييد في السعودية، بفضل رؤية 2030 التي تنتهجها الدولة لتنويع مصادر الدخل الوطني. وتتيح السياسات الجديدة فرصاً واسعة للمستثمرين الأجانب، وتعزز الابتكار ونقل الخبرات والتكنولوجيا إلى السوق السعودية، ما يسهم في تعزيز التنافسية وتحقيق تنمية مستدامة في هذا القطاع الحيوي.
تمتد تأثيرات هذه التوجهات لتشمل قطاع الضيافة، حيث تشهد العاصمة الرياض معدلات طلب غير مسبوقة، مع توقعات بنمو الاستثمارات الفندقية بنسبة 30% خلال عام 2025، وهو ما يدعم مباشرةً هدف السعودية في استقبال أكثر من 150 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030. يعكس هذا النمو المتواصل زيادة في ثقة المستثمرين بالبيئة الاقتصادية والاستثمارية في السعودية.