"مدينة الملائكة والمهاجرين".. ما الخسائر التي تنتظرها لوس أنجلوس؟

"مدينة الملائكة والمهاجرين".. ما الخسائر التي تنتظرها لوس أنجلوس؟
تظاهر عشرات الآلاف في لوس انجلوس. "إ ب أ"

بدلًا من أن تتجه أنظار العالم إلى ولاية فلوريدا حيث مدينة ميامي التي تحتضن المباراة الافتتاحية لكأس العالم للأندية والاستمتاع بالتنظيم الأمريكي للبطولة التي يشارك فيها 32 فريقا لأول مرة، تحوّلت الأنظار كلها إلى ولاية كاليفورنيا وتحديدًا مدينة لوس أنجلوس التي نفذت فيها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية عدة مداهمات لاعتقال مهاجرين غير شرعيين، ثم تطورت الأحداث إلى احتجاجات ومواجهات مستمرة بين المتظاهرين وأفراد الشرطة منذ يوم 6 يونيو الجاري، رغم قرار ترمب بنشر عناصر من الحرس الوطني في المدينة للسيطرة على الوضع.

لوس أنجلوس أو "مدينة الملائكة" كما أسماها مكتشفها الإسباني دون غاسبار في 2 أغسطس 1769، ليست مدينة عادية بالنسبة للولايات المتحدة، فمن ناحية هي "عاصمة للإبداع" ففيها هوليوود بعلامتها الشهيرة واستوديوهاتها العالمية كما تحتوي على أشهر المتاحف مثل "الفن المعاصر" و"مدام توسو" ومتحف هوليوود التاريخي الذي يعرض تطور صناعة الأفلام عبر الزمن، ونتيجة طقسها الدافئ طوال العام وبنيتها التحتية وتنوعها الثقافي والعرقي أضحت قِبلة للملايين من الناس سنويًا ويسكنها نجوم عالميين مثل باريس هيلتون وأنتوني هوبكنز وتوم هانكس وبن أفليك ومشاهير آخرين.

خلف هذا الوجه الملائكي هناك وجه آخر أشرس وأعنف وهو الوجه الاقتصادي، فالمدينة التي تتميز بهذا الكم من الرفاهية والحيوية جذبت أيضًا المستثمرين، وبحسب البنك الفيدرالي الأمريكي هناك 4500 شركة مملوكة بالكامل للأجانب في لوس أنجلوس التي تعد أيضًا مركز لعدة صناعات بارزة مثل السينما والسيارات والتقنية الحيوية، وبلغة الأرقام تسهم كاليفورنيا بنحو 4.1 تريليون دولار سنويًا في الاقتصاد الأمريكي، وهي بذلك عاصمة الاقتصاد الثانية بعد نيويورك التي تحتل الصدارة، بينما تسهم لوس أنجلوس وحدها بـ1.3 تريليون دولار سنويًا في الاقتصاد الوطني للولايات المتحدة.

مصانع وشركات واقتصاد ضخم يعني بالضرورة أيدي عاملة ماهرة وذات أجور متواضعة، هذا ما جعل من لوس أنجلوس "ملاذ آمن" للمهاجرين غير الشرعيين الذين توافدوا عليها طوال العقود الماضية من أجل العمل وبهم صنعت "مدينة الملائكة" مجدها الاقتصادي، وبحسب معهد سياسات الهجرة الأمريكي يقدر عدد المهاجريين غير الشرعيين في المدينة بنحو 951 ألف شخص معظمهم من المكسيك تليها السلفادور وغواتيمالا والفلبين بينما يبلغ العدد الكلي للسكان 3.9 مليون نسمة.

أضف إلى ذلك ما فعلته كارين باس عمدة لوس أنجلوس بعد فوز ترمب العام الماضي وحديثه عن سياسات الهجرة، إذ أعلنت "باس" وضع مدينتها كـ"ملجأ" ما يعني حماية المهاجرين غير الشرعيين من محاولات ترحيلهم من قبل الحكومة الفيدرالية ورفض إعطاء أي معلومات تخصهم مثل أماكن تجمعهم وعددهم، وهذا ما دفع صحيفة مثل "الغارديان" البريطانية إلى القول أن "تمرد" لوس أنجلوس ضد ترمب لم يكن مفاجئًا.

حتى لو كان الأمر متوقع فكلفته باهظة، فوزارة الدفاع الأمريكية أعلنت أن تدخلها من خلال الحرس الوطني المكلف بتغطية الأحداث لمدة 60 يومًا سيتكلف 134 مليون دولار، لكن هذا لم يكن سوى بند واحد فعلى الناحية الأخرى قدرت غرفة التجارة في لوس أنجلوس الخسائرة المباشرة خلال أسبوع بنحو 100 مليون دولار، بينما تترقب شركات التأمين الكبرى الأوضاع ويتوقع خبراؤها أن تتجاوز التعويضات مئات الملايين من الدولارات.

الأمر ذاته ينطبق على المتاجر العملاقة مثل أبل ونايكي وأديداس وغيرها وقد تعرضت تلك المتاجر خلال التظاهرات لاقتحامات جماعية فكسرت أبوابها وسُرقت الأجهزة والبضائع وفق التقارير الموثقة بمقاطع الفيديو والتي أظهرت مواطنين يغادرون حاملين أجهزة باهظة الثمن، وتشير الأرقام إلى أن هناك 1000 متجر متضرر إما بسرقة محتوياته أو بالإغلاق القسري نتيجة الفوضى وهذا قد يزيد من الخسائر لتصل إلى 150 مليون دولار خلال أسبوع.

الأضرار غير المباشرة تزيد من فاتورة الخسائر مثل تعطل سلاسل التوريد وتراجع حركة البيع والشراء وتوقف الاستثمارات، وهو ما يعيد إلى الأذهان تظاهرات 2020 في المدينة نفسها التي بدأت خسائرها محتملة قبل أن تصل إلى ملياري دولار نتيجة أضرارها غير المباشرة، وهذا ما دفع مختصين إلى النظر على المدى الطويل مثل وكالة "بلومبرغ" الألمانية التي أوضحت أن لوس أنجلوس من المدن التي ستستضيف بطولة كأس العالم صيف العام المقبل بما فيهم المباراة الافتتاحية كما أن المدينة ستقام فيها دورتي الألعاب الأولمبية والبارالمبية في صيف 2028 وهو ما كان سيجعلها مهيئة لتكون عاصمة سياحة رياضية رفيعة قبل أن تجتاحها التظاهرات بهذا الشكل.

وتأكيدًا لتحليل "بلومبرغ" توقع المجلس العالمي للسفر والسياحة أن يصل الإنفاق على الرحلات الدولية المتجهة إلى أمريكا إلى 169 مليار دولار خلال 2025 بانخفاض قدره 12.5 مليار دولار عن 2024، بينما تواصل الدول التحذير من السفر إلى أمريكا نتيجة الأوضاع الجارية مثل كندا وألمانيا وهولندا وبلجيكا، ووفقًا لهذا اعترض آدم بيرك رئيس مجلس لوس انجلوس للسياحة والمؤتمرات على رفع الحد الأدني لأجور العاملين في الفنادق والمطارات إلى 25 دولار للساعة قبل كأس العالم و30 دولارا للساعة قبل الألعاب الأولمبية مؤكدًا أن "الأمور غير مبشرة".

امتداد التظاهرات إلى أكثر من 20 مدينة أمريكية فاقم من الأزمة والخسائر الاقتصادية التي ظهرت ملامحها مبكرًا خاصة في مدن مثل ميامي التي ستشهد انطلاق بطولة كأس العالم للأندية بعد ساعات، ونتيجة إحجام الجمهور عن الإقبال اضطرت "فيفا" إلى تخفيض ثمن التذاكر وتقديم عروض للجماهير منها الحصول على تذكرة بقيمة 20 دولارا معها 4 تذاكر مجانية لحضور مباراة الافتتاح، كما أوضحت قناة "إن بي سي" أن عناصر الهجرة والحدود الأمريكية ستنتشر في الملاعب المضيفة للبطولة لتأمين المشجعين في خطوة قد تساعدهم على الحضور، بينما تواصل القنصليات السعودية في المدن الأمريكية تقديم الدعم والتأمين الكامل للسعوديين الموجودين والقادمين لتشجيع الهلال في كأس العالم للأندية ومؤازرة الأخضر في "كأس كونكاكاف الذهبية" .

 

الأكثر قراءة