إدارة الحشود والتطوع .. التجربة والنجاح في الحج

تشير إدارة الحشود إلى التخطيط والتنظيم والتنفيذ المنهجي لتدابير ضبط وتنظيم حركة وسلوك وأنشطة مجموعة كبيرة من الناس في مكان أو موقع معين، بهدف ضمان السلامة والأمن وتحقيق الرفاهية.

وتُعد إدارة الحشود تخصصا متعدد التخصصات تتداخل فيه ممارسات تقنية وتكنولوجية، واجتماعية، حيث إن سلوك الحشود وإدارة تدفقها تنطوي على عناصر نفسية واجتماعية. إدارة الحشود تقوم أساسا على مبادئ علم الإدارة، فهي تتطلب تخطيطا وإشرافا وتوجيها ومتابعة، لكن هذه المبادئ تأتي في بيئة من الحشود البشرية الديناميكية، التي لها خصائص غير متجانسة، ومصالح متعارضة، وقد تتم في بيئة جغرافية ذات طبيعة خاصة، لذلك فعلم إدارة الحشود يتطلب إستراتيجيات خاصة، وطرقا مبتكرة في الإشراف، وفي التوجيه في المتابعة.

فالتخطيط الإستراتيجي يأتي قبل الحدث الذي يقود إلى الحشد، فيتم التخطيط كافة، وقد يتم تطبيق نماذج معقدة من إدارة المخاطر، وبعد التخطيط لا بد من الإشراف والتوجيه والمتابعة خلال الحدث وباستخدام تقنيات وتكنلوجيا متقدمة، وهو ما يتطلب حضورا ذهنيا كبيرا وتنسيقا بين كافة الأطراف المشاركة عند أعلى مستوى.

الهدف من إدارة الحشود، هو نجاح حركة الحشد بأمان، من بداية الحدث حتى نهايته، لذلك هناك أنواع كثيرة من الحشود، تبدأ من الحشود الرياضية حتى الحشود الخطرة التي تتضمن مظاهرات وعنفا، ومن المخاطر المشتركة فيها التدافع، ما يتطلب مهارات إدارة تدفق الناس لمنع مثل هذه الحوادث، وتعد قدرة البنية التحتية والمواقع على تحمل وزن وحركة الحشود الكبيرة من المخاطر التي تتطلب قياسات خاصة لمنع الحوادث أو الانهيارات.

ومن المخاطر أيضا الدقة في توصيل المعلومات بفاعلية إلى عدد كبير من الناس من خلال قنوات اتصال واضحة وخطط لنقل التعليمات في حالات الطوارئ، ومن الإشاعات التي قد تحرك الجموع بطريقة خطرة، ومن المخاطر عدم القدرة على التنسيق بين الجهات المعنية بإدارة الحشود لتنسيق جهودها بسلاسة للاستجابة للمواقف بفاعلية.

ومن المخاطر أيضا السلوك غير المتوقع، ما يتطلب فهما لنفسية الحشود، حتى لا تحدث حالات عنف وسلوك غير منضبط، ولكل نوع من هذه المخاطر آليات عمل وتخطيط مناسبة له، وفوق كل هذه المخاطر المحتملة في الحشود فإن للحج والعمرة خصائص إضافية تتطلب استخدام منهجيات متقدمة وخاصة، فهي حشود مستمرة طوال العام، وذلك على خلاف كافة أنواعها، كما أن لها فترات تتصاعد فيها الأعداد حتى الذروة مثل الليالي العشر المباركة في رمضان، وكذلك أيام الحج المباركة، وحركة الحجاج والمعتمرين تتميز بأنها منضبطة بشعائر الدين، فالعمرة معروفة ولها أوقاتها والحج معروف وله زمنه.

كما أن للعمرة والحج مناسكا ومواقع وحركة يمكن التنبؤ بها بدرجة عالية من الثقة، لكن في مقابل ذلك فإن المنطقة التي يتم فيها التجمع البشري منطقة محدودة جغرافيا، ولها شروطها الخاصة وإذا خرج الحاج عنها فسد حجه أو عمرته، فلا يجوز الطواف أو السعي إلا في المكان المخصوص، ولا تجوز الوقوف في عرفة إلا في يوم محدد ومكان محدد، لا يجوز المبيت في مزلفة إلا في مكان مخصوص ووقت محدد، ولهذا تجد الجهات المعنية بالحج والعمرة تحديا هائلا طوال العام في إدارة الحشود وضمان تحقيق الحاج لما جاء من أجله.

فالجهات تشعر بالمسؤولية الدينية فوق المسؤوليات المدنية والعسكرية الأخرى، وهذا لا يحدث إلا في الحج. لهذا فإن كل من يعمل في إدارة الحشود في الحج والعمرة لا بد أن يكون له تأهيل خاص، بحيث لا يرشد الحجاج بما يفسد حجهم، أو يجعلهم خارج مناطقه المقررة شرعا.

فإدارة الحج ليست كغيرها، فهي تتطلب مستويات عالية من الدعم للحجاج، ورعاية خاصة بهم مما لا يهتم به في علم إدارة الحشود نفسه، فهي مسألة أخلاقية والتزام ديني يقوم به كل فرد من الجهات المشاركة في إدارة الحشود بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان ، فالحاج يجب أن يجد رعاية فائقة واهتماما واسعا، وهذا يشمل كل القضايا التي تتعلق بالحاج بدءا من لحظة حصوله على التأشيرة حتى مغادرته السعودية عائدا إلى بلده، بكل ما تحلمه تلك الرحلة من تفاصيل صغيرة حتى التوجيه داخل الحرم أو في المناسك، وهذا جهد ضخم جدا.

ويتضمن تطبيقا لآخر ما توصلت له التكنولوجيا من مراقبة ومتابعة وإشراف، وتطبيق كافة طرق إدارة المخاطر، والتنبؤ بها، بما يتضمنه ذلك من فحص الغذاء، والماء والهواء وفي كل المسارات، وضمان قدرة وصول الحاج إلى العلاج في الوقت المناسب، ولهذا جاءت التقارير التي نشرتها الجهات المختلفة ذات الصلة مبشِّرة، فقد وصل عدد المصلين في ليلة الـ27 من رمضان لهذا العام رقما قياسيا تجاوز 3.4 مليون مصلٍّ، وهذا رقم كبير جدا في علم إدارة الحشود في منطقة صغيرة جدا، ومع ذلك فقد وجد ضيوف الرحمن كل حفاوة وتكريم، وبلغ عدد قاصدي المسجد الحرام في رمضان الماضي أكثر من 122 مليونا، ولا تعليق يناسب هذه الأعداد أكثر من أنهم عادوا إلى بلادهم بخير وصحة بعدما أدوا مناسكهم.

وفي حج 1445هـ بلغ عدد الحجاج أكثر من 1.88 مليون حاج، أغلبهم أتوا من المنافذ الجوية، وبلغ عدد المتطوعين الصحيين والإسعافيين في موسم حج 1445هـ نحو 5,466 متطوعاً ومتطوعة، منهم 3000 من مركز التطوع الصحي، و2,466 من هيئة الهلال الأحمر السعودي، وذلك لتقديم الخدمات الصحية والإسعافية والتوعوية لضيوف الرحمن عبر أكثر من 150 فرصة تطوعية، وبعدد ساعات تتجاوز 72 ألف ساعة تطوعية وحصول الحجاج على أكثر من 32 مليون وجبة، وبلغ عدد مطابخ المنشآت والشركات والمؤسسات العاملة في التغذية المؤهلة من أمانة العاصمة المقدسة خلال موسم الحج 327 مطبخا، بطاقة استيعابية تفوق أكثر من 5 ملايين حاج للوجبة الواحدة في المشاعر المقدسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي