من وزير الحج الشيخ حسين إلى الربيعة.. سعوديون في خدمة ضيوف الرحمن

من وزير الحج الشيخ حسين إلى الربيعة.. سعوديون  في خدمة ضيوف الرحمن

إذا بحثت في كتب التاريخ والوثائقيات وأيضا مقاطع اليوتيوب عن مشاهد الحج قديما وقارنتها في الوقت الحالي، ستندهش حقا من حجم التطور ابتداء من خط سير قوافل الحج على الإبل الذي أصبح أسطولا من الطائرات الجوية ضمن رحلة الطريق إلى مكة المكرمة، ومرورا بالأوراق والأختام إلى التطبيقات الرقمية التي تنجز العملية بسهولة بكل لغات العام، وانتهاء بحرارة الطقس حيث باتت هناك أجهزة تقنية ومواد خام من الزجاج والألياف والبلاط تخفف من معاناة الحجيج، تلك لمحة سريعة عن ما تفعله الحكومة السعودية كل موسم منذ ما يناهز 100 عام.
البداية من عند الملك عبد العزيز آل سعود - كما يوضح المؤرخ عبدالكريم السمك الذي رصد موسم الحج في مجلة "الشرق الأدنى" عام 1927، وأكد كيف أثمرت جهود الملك المؤسس عن توفير الأمن بعد أن كان الطريق إلى مكة محفوف بالمخاطر، بجانب إدخاله عدة تحسينات في الحرم المكي كإيصال الكهرباء وتركيب مكبرات الصوت وغيرها.
كل شئ تطور بسرعة، خاصة بعد توحيد نجد والحجاز 1932 فشيدت مؤسسات الدولة ومنهم مديرية الحج والحرمين الشريفين التي تأسست عام 1946 وتحولت إلى وزارة في 1961 تحت مسمى "وزارة الحج والاوقاف" واختير لها الشيخ حسين عرب ليكون أول وزيرا للحج، ولمدة 3 سنوات تولى فيهم المنصب تمكن الرجل من هيكلة الوزارة إداريًا بجانب إشرافه على أعمال توسعة المسجد الحرام التي بدأها الملك سعود آنذاك، ونتج عنها مسارات جديدة لمرور الناس والسيارات وبناء المسعى من طابقين لاستيعاب أعداد أكبر وتحسينات أخرى.
سلم "عرب" المهمة بعد ذلك لرجال آخرين ساروا على الدرب نفسه، مثل محمد عمر توفيق الذي تولى 1963 وأشرف على استكمال توسعة الحرم، والشيخ عبد الوهاب عبد الواسع الذي تولى في 1975 و حمل مسؤولية قيادة التوسعة الثانية للمسجد الحرام في عهد الملك فهد، التوسعة التي يسّرت أكثر على الحجاج من خلال إضافة جزء جديد للمسجد وبناء مئذنتين جديدتين وعدة أبنية اخرى ما جعل القدرة الاستيعابية تصل إلى المليون ونصف المليون مصلي.
زيادة عدد الحجاج مع تسهيل أداء الفريضة عوامل أدت إلى فصل وزارة الأوقاف عن وزارة الحج والعمرة في 1993 لتتفرغ الأخيرة إلى تنفيذ سياسات الدولة تجاه خدمة ضيوف الرحمن وكان أول من تولى الوزارة بمسماها الجديد الدكتور محمود بن محمد وتعاقب عليه وزراء كانت بصمتهم واضحة في تنفيذ سياسة السعودية لخدمة الحجاج.
مستقبل جديد يستلزم رؤية جديدة وأدوات مختلفة، قاعدة طبقتها رؤية 2030 التي وضعت الحج في قلب إستراتيجيتها من خلال برنامج "خدمة ضيوف الرحمن" الذي استهدف إحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات من خلال تسخير التقنية لتحقيق أقصى سبل الراحة للحجاج، وتولى الدكتور محمد صالح بن طاهر مسؤولية التأسيس لتلك النقلة الكبيرة وأعقبه في ذلك عصام بن ساعد حتى تولى توفيق الربيعة في 15 أكتوبر 2021 ليقود ذروة التحول الرقمي في الحج.
واجه "الربيعة" فيروس كورونا حين كان وزيرًا للصحة من (2016-2021)، ومع وزارة الحج والعمرة وجد نفسه في تحدِ جديد وهو استكمال "رقمنة الحج" وفق الرؤية السعودية، لذلك لم تمضي على توليته أشهر قليلة حتى أطلق بطاقة الحج الذكية لتسهيل أداء المناسك، و تطبيق "مناسكنا" مدعوم بـ7 لغات لتعريف الحجاج على المشاعر المقدسة وحساب "اسأل الحج" عبر وسائل التواصل الاجتماعي للإجابة عن الاستفسارات، إضافة إلى تنسيق الجهود مع الهيئات الأخرى كالرئاسة العامة لشؤون الحرمين التي أطلقت الروبوت الذكي لتحسين مستوى الخدمات والتعقيم، كما أطلقت تطبيق "تنقل" لحجز العربات إلكترونيا.
التطوير يعني استغلال الأدوات الموجودة كما فعل "الربيعة" بتحويل اسم تطبيق "اعتمرنا" الذي تم إطلاقه في 2020 إلى تطبيق "نسك" في 2022، وأدخل عليه عدة تغييرات ليكون "نسك" مسؤول عن استخراج تصاريح زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي، ويتولى التطبيق خدمة ضيوف الرحمن من أكثر من 100 دولة ويعمل بنحو 10 لغات مختلفة فضلًا عن تقديم أكثر من 120 خدمة تسهل قدوم وتجربة الحجاج، كذلك يحتوي على 80 برنامج سياحي وقد استخدم التطبيق 18 مليون مستخدم ليصبح أكثر تطبيقات السفر تحميلًا في السعودية خلال 2024.
ووفقًا لنظرية الأواني المستطرقة فقد أدى نجاح رقمنة الحج إلى تشجيع باقي الهيئات والوزارات لتسير في الاتجاه نفسه، وانعكس ذلك على سوق التقنية السعودية، وقد بلغت القيمة التسويقية لأبرز 5 شركات فيه 106.2 مليار ريال في 2023 و وصل حجم سوق الاتصالات والتقنية 180 مليار ريال خلال عام 2024.
بجانب الرقمنة أقدمت وزارة الحج خلال الموسم الجاري على تنفيذ عدة مشاريع مثل تظليل أكثر من 170 متر مربع وزراعة 20 ألف شجرة لتخفيف الحرارة، كذلك إنشاء مسارات مطاطية للمشاة لتقليل الإجهاد البدني وتجهيز 15 وحدة إسعافية متنقلة بالمشاركة مع 63 جهة انتجوا 609 خطط لتقديم موسم استثنائي.
ما سبق نتج عنه ارتفاع مستوى رضاء الحجاج من 57% عام 2022 إلى 81% عام 2024، كما بلغ عدد الحجاج 1.833 مليون في 2024 ووصل عدد المعتمرين 6.5 مليون من خارج السعودية في الربع الأول من 2025 بارتفاع قدره 11% عن الفترة ذاتها من العام الماضي بحسب الهيئة العامة للإحصاء، بينما يستكمل "الربيعة" في ظل توجيهات خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز ورؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي خطط ونفذ مسيرة من سبقوه ليثبت إنه قائد يهتم بأدق تفاصيل الإبداع وإدارة التغيير والتطوير بما يتسق بروحانية المشاعر المقدسة وراحة ضيوف الرحمن.

الأكثر قراءة