السعودية .. دولة غنية بثروة أهم من البترول
في وقت مبكر جدًا كنت أدرس في جنوب بريطانيا وأحرص على قضاء إجازة نهاية الأسبوع في لندن حيث ألتقي بشريحة أكبر من المجتمع البريطاني وأتحدث معهم في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية رغبة في تقوية لغتي الإنجليزية ولاحظت أنني حينما أقدم نفسي بأنني من "السعودية" أقابل مباشرة من بعضهم بتعليقين الأول هو أين تقع السعودية.. هل هي في آسيا أو إفريقيا؟
وأتجاهل الإجابة قائلًا في نفسي ستعرفون مستقبلا من هي السعودية التي ستصبح من أشهر بلدان العالم المتحضر وفعلًا تحقق ذلك.. أما التعليق الثاني فكان "أوه بلد غني" وهنا أدخل معهم في نقاش فلسفي مطول حول مفهوم الغنى أو الثروة.. وأقول لهم اقتصادنا حينها معتمد على البترول فقط وهو ثروة ناضبة ولكن بلادكم تملك الأنهار والزراعة والصناعة وأهم من ذلك الجامعات ولذا فأنتم الأغنياء.
وأعود لاستدرك ولكننا نخطط لنبلغ مستوى يؤهلنا لأن نكون فعلاً دولة غنية.. وكانت القناعة راسخةً لدي بأن التخطيط من القيادة لتطوير التعليم في مختلف التخصصات منذ وقت طويل سيؤدي الى تقليل الحاجة إلى الدراسة في الخارج.. ويضحكون ثم اختتم كلامي بالقول لدينا ثروة أهم من البترول ويحاولون معرفة هذه الثروة فلا أخبرهم وبعد سنوات لا تعد في عمر الزمن شيئًا أصبحنا نحقق مراكز عالمية متقدمة في مختلف العلوم الحديثة ويحصل شبابنا ذكورًا وإناثًا على جوائز عالمية مهمة.. وهذا ما كنت أعنيه أن الثروة التي لدينا هي شبابنا.
أقول هذا الكلام ونحن نحتفل هذه الأيام بتخرج الأبناء والبنات من مراحل التعليم العام ومن الجامعات ونراهم -على عكس طموحهم المتواضع في الماضي- يتجهون إلى أصعب التخصصات ويتفوقون فيها في الجامعات المحلية والعالمية.. وهنا نقول وبكل ثقة أن بلادنا غنية بتلك الطاقات البشرية الشابة التي أثبتت أنها شغوفة بالتفوق ولذا تولت أفضل المراكز في القطاعين العام والخاص وبالذات في التخصصات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات والهندسة وكذلك في الإعلام الحديث وغيرها.. فتجدهم يديرون الأعمال بكل كفاءة واقتدار.
وأصبح أهل تلك البلاد البعيدة الذين كنت أناقشهم قبل عقود يتمنون زيارتها ومعرفة تفاصيل دقيقة عن مناطقها السياحية والنشاطات التي تقام فيها .. ويبدون إعجابهم عند زيارة بلادنا بمستوى التقدم وتعدد النشاطات وكل ذلك بأيدي شباب وشابات بلادنا .. وهكذا حققت السعودية مقاييس الثروة والغنى بشكل مختلف وسريع والمستقبل يحمل مزيدا على ضوء رؤية واضحة الأهداف وجهد كبير لتحقيق هذه الأهداف التي وضعت بعناية لتمكين الشباب والشابات من قيادة دفة الأعمال بعد تأهيلهم بشكل جعلهم يقدمون على مواجهة التحديات بعزيمة وإخلاص لله ثم للقيادة والوطن.
وأخيراً: بلادنا غنية قبل البترول بثقافتها وقيمها وقوتها البشرية قيادة وشعباً وقد أضافت إلى ذلك عنصراً مهما وهو الاهتمام بالشباب توجيهًا وتأهيلًا وأركز على "توجيهًا" فهي مفتاح التأهيل الصحيح ولذا فإن اهتمام الآباء والأمهات بتوجيه الأبناء والبنات إلى التخصصات المطلوبة في هذا العصر أمر مهم جدًا ولو أردنا استعمال لغة الأرقام لوجدنا أن أعداد الخريجين الجامعيين لعام 2023م قد بلغ نحو (ربع مليون) خريج وخريجة في مختلف التخصصات والبرامج الأكاديمية وتوزعت هذه الأعداد على البكالوريوس والدبلوم والماجستير والدكتوراه أما خريجي التعليم العام الذين يستعدون للالتحاق بالجامعات فعددهم يفوق ذلك بكثير وسيتم التحاقهم بالجامعات للعام الدراسي المقبل عن طريق منصة قبول التي أعلن عنها الأسبوع الماضي.
والخلاصة أن الثروة الحالية للسعودية هي شبابها وشاباتها الذين يجدون من القيادة كل تشجيع وتمكين وهم النسبة الكبرى من سكان هذه البلاد المباركة وينتظر منهم مزيد من الاهتمام بتنمية مهاراتهم العملية واكتساب اللغات عن طريق الدورات التي أصبحت متاحة بسهولة عن بُعد ومن خلال جامعات محلية وعالمية بدلا من الاعتماد على الشهادة وحدها.