بعيدا عن المدن الغنية .. أسواق "الدرجة الأدنى" في الصين فرص استثمارية غير مستغلة
بعد سنوات من تباطؤ نمو سوق العقارات في الصين، أصبح المستثمرون حذرين بشأن الاستهلاك. لكن بعيدًا عن مدينتي بكين وشنغهاي العملاقتين، ترى واقعا مختلفا قد يفتح فرصًا جديدة للمستثمرين على المدى الطويل.
في المدن الصينية الصغيرة - التي غالبًا ما تُصنف بأنها أسواق "من الدرجة الأدنى" - يُظهر إنفاق المستهلكين مرونةً مفاجئة. من العناية الشخصية ومستحضرات التجميل الاقتصادية إلى السفر الداخلي والتجارة الإلكترونية المحلية، يبدو أن الاستهلاك اليومي صامد أكثر على عكس ما تشير إليه عناوين الأخبار الوطنية، وفقا لمجلة "باروزنز".
يُعد هذا التباين مهمًا لأن مستقبل الصين الاقتصادي بات يعتمد على القدرة الشرائية لـ"الطبقة المتوسطة الجديدة" خارج أغنى المدن. ففيما تتعرض أسعار العقارات في هذه المناطق لضغوط، لا يزال سكان المدن الصغيرة ينفقون على المنتجات والخدمات التي تُحسّن جودة حياتهم.
وفقًا للبيانات الرسمية، ارتفع متوسط الدخل القابل للتصرف في مدن الدرجة الثالثة والرابعة بنحو 5.8% في النصف الأول من 2024، متجاوزًا معدل النمو في مدن الدرجتين الأولى والثانية الذي بلغ 4.8%. كما صمدت مبيعات التجزئة في فئات مثل الأغذية والسلع الأساسية، ما يعكس طلبًا ثابتًا على المنتجات اليومية الميسورة التكلفة.
ونقلت وسائل الإعلام الصينية عن هو لينج، الشريك والمدير الإداري في شركة أليكس بارتنرز، قوله: "تتحول سوق الاستهلاك في الصين تدريجيًا من كونها مدفوعة بشكل أساسي بالمدن الكبرى إلى نموذج يعتمد على محركين".
فالمدن من الدرجة الثالثة والرابعة، التي تتميز بتكاليف معيشة أقل وضغوط مالية أخف، تشهد نموًا ملحوظًا في الإنفاق على الرعاية الشخصية، تناول الطعام خارج المنزل، والسفر الداخلي، رغم حالة عدم اليقين الاقتصادي الأوسع.
كما تكتسب العلامات التجارية المحلية ذات الأسعار المعقولة زخمًا متزايدًا بين المستهلكين الشباب الذين يبحثون عن الجودة بأسعار معقولة. لاحظت شركات السفر والسياحة المحلية أيضًا ارتفاعًا في حجوزات السفر للرحلات القصيرة، ولا سيما بين عائلات الطبقة المتوسطة والمتقاعدين.
من جهة أخرى، تعزز المدن الصغيرة أيضًا التجارة الإلكترونية، إذ حققت منصات مثل" بيندودو" نموًا كبيرًا من خلال إستراتيجيات خصومات جماعية وبنية تحتية لوجستية موجهة للمناطق غير المخدومة بالكامل. وارتفعت أسهمها المدرجة في الولايات المتحدة بأكثر من 40% خلال العام الماضي، متفوقةً على معظم نظيراتها من شركات التكنولوجيا الصينية.
ورغم تأثير أزمة العقارات في ثروات الأسر، فإن سكان المدن الصغيرة أقل مديونية، ما يمنحهم مرونة إنفاق أكبر على السلع اليومية. ووفق تقرير ماكينزي للمستهلك الصيني لعام 2024، فإن 75% من جيل الألفية في المدن الصغيرة متفائلون بشأن الاقتصاد، مقارنة بـ65% مقيمين في المدن الكبرى، بفضل استقرار الوظائف وانخفاض تكاليف المعيشة.
الرسالة للمستثمرين واضحة: الاستهلاك في الصين يتعافى، وإن كان بوتيرة أبطأ. قد يكمن النمو الحقيقي بعيدا عن الأضواء، في مدن صغيرة تتمتع بقوة شرائية غير مستغلة.