كيس غبار وبخاخ بحر .. كيف تصنع من الطبيعة سلعا في السعودية؟
بين من يغلق النوافذ عند أول هبة ترابية ومن يجمع ما تخلفه العواصف من غبار، وبين من يسعى لتسمير بشرته بالسباحة تحت شمس البحر، ومن يعبّئ مياه البحر في عبوات وبخاخات جاهزة، تنشأ تجارة و استثمار تتحول فيه "الطبيعة" إلى سلع في السعودية.
رصدت "الاقتصادية" عبر منصات التواصل الاجتماعية، بدء متاجر إلكترونية مختصة بمنتجات تسمير البشرة "التان" في جدة ببيع ماء البحر وتوصيله لأي مدينة داخل السعودية، بغرض تسمير البشرة باستخدام مياه البحر.
قال أحد العاملين في بيع هذه المنتجات فضل عدم ذكر أسمه، إن ماء البحر يُعد من "أساسيات التان"، ويختلف عن الماء العادي أو ماء المسابح، فبسبب خصائصه وملوحته يعطي لونا ذهبيا ومميزا لمحبي التسمير، أو يُستخدم حتى لأغراض علاجية وشعبية.
أما رائد القحطاني من موقع حراج، فذكر أنه في المدن التي تشهد موجات غبارية أو بعد عاصفة "عجاج"، يقوم بعض الشباب بجمع الغبار من الأسطح أو الحوش، وتعبئته في أكياس وبيعه لمن يهوى "تغبير" سيارته، بهدف إعطاء السيارة شكلا مميزا، أو ما يرمز بـ"غبار الوكالة" إذا كانت السيارة من الموديلات الحديثة.
فيما يستخدم البعض الغبار كوسيلة حماية من "السافي" الغبار المتطاير مع أحجار صغيرة قد تضر السيارة عند قيادتها على الطرق السريعة.
وهناك من يقوم بـ"النصب"، أي إيقاف السيارة المتغبرة بغرض الاستعراض، والتشهير بها، لمدة قد تمتد من أيام إلى سنوات، بحسب بائعين تحدثوا لـ"الاقتصادية" عبر موقع حراج.
"الاقتصادية" تواصلت مع وزارة التجارة للاستفسار عن مشروعية هذه الأنشطة، لتوضح الوزارة أن الهيئة العامة للإحصاء تختص بتصنيف وتنظيم الأنشطة الاقتصادية، وفق التصنيف الوطني للأنشطة الاقتصادية.
فيما ذكرت الهيئة العامة للإحصاء لـ "الاقتصادية"، أن الأنشطة المتوفرة بالتصنيف والمشابهة لهذه الأنشطة، هي نقل وتوزيع المياه التي تشرف عليه وزارة البيئة والمياه والزراعة، و البيع بالتجزئة للرمل والبحص بأنواعها بإشراف وزراة البلديات والإسكان.
ويباع لتر ماء البحر بسعر يراوح بين 15 إلى 30 ريالا، وتباع أكياس الغبار بسعر من 10 إلى 50 ريالا بحسب الكمية، بينما يقدم بعض البائعين خدمة توفير الغبار وتغبير السيارة بسعر 100 ريال.
التجارة في ماء البحر ليست حكرا على السعودية، ففي دول أوروبية عديدة مثل فرنسا، ألمانيا، وإسبانيا، لا يُعتبر ماء البحر مجرد عنصر طبيعي، بل تحوّل إلى منتج علاجي وتجميلي يُستخدم ضمن خدمات فاخرة.
ما يُعرف بـ "العلاج بماء البحر" هو نوع من الطب البديل، يرتكز على الاستفادة من المعادن والعناصر الطبيعية في مياه المحيطات، ويُستخدم في المنتجعات والمراكز الصحية لعلاج مشاكل المفاصل، البشرة، والتوتر العصبي، وتنتشر هذه المراكز بشكل خاص في المدن الساحلية.
إلى جانب ذلك، تُباع في الأسواق الأوروبية عبوات جاهزة من ماء البحر المعقّم تُستخدم لأغراض متعددة، منها بخاخات الأنف، غسولات للبشرة، وأحيانًا كمكملات غذائية.
ومن أشهر العلامات التجارية في هذا المجال: Sterimar، Quinton، Physiomer، وSinomarin، وتُسوّق على أنها طبيعية 100% ومأخوذة من البحر، وتباع بأسعار تعادل أحيانا أسعار العطور.
وفي الوقت الذي يشتري فيه بعض الشباب في السعودية الغبار لأغراض تغبير وتزيين سياراتهم، تظهر في دول أخرى استخدامات مختلفة لنفس العنصر.
في بعض المدن الغربية، يُجمع الغبار أو الرمل من الصحارى ويُباع كتذكار من المكان، أو يُستخدم في أعمال فنية صغيرة كلوحات، زجاجيات، أو زينة يدوية ترمز لمناطق سياحية معينة.
اللافت في هذه الظواهر ليس الغبار ولا ماء البحر بحد ذاته، بل كيف يُعاد تعريف "القيمة" حسب السياق والمكان، فما يراه البعض طبيعيا ومتاحا، قد يتحول عند غيرهم إلى منتج مطلوب .
وفي زمن ترتفع فيه تكلفة كل شيء، يبدو أن حتى أبسط عناصر الطبيعة قد تجد لها سوقا .. فقط إن نظرنا لها من زاوية مختلفة.