ليلة في إسطنبول وتأمين السفر الخادع

كلما سافرت تعرضت لحادث ما، لهذا قررت أن أشتري تأمين السفر، بحثت في كافة شركات التأمين ولم أفهم شيئا، هناك كثير من الأرقام، ونصوص طويلة معقدة، وأنا أحتاج إلى تأمين صحي بسيط، وتأمين مفقودات، وخطة واضحة لما لي وما علي، وماذا أفعل. اتصلت بالمندوبين، ولم أجد شيئا مفيدا، وبعضهم قال "إذا لم تكن الدولة تشترط التأمين للتأشيرة فلا حاجة لك به، فتأمين السفر للتأشيرة"، هكذا قال.

وأسعار التأمين متفاوتة بشكل غريب ومريب، لكني لكثرة ما رأيت من مشكلات السفر قررت المغامرة مع شركة مشهورة، وقرأت في البوليصة أنه يغطي التكاليف الصحية حتى كذا مليون، فانطلقت بتأميني وسافرت مع العائلة إلى إسطنبول.

مرت الأيام الأولى هادئة، لكن في الليلة التي سبقت عودتنا للسعودية، تعرضت أنا وابنتي لنزلة معوية حادة، حاولنا مقاومة الشعور البائس حتي فقدنا قدرتنا على التحمل عند منتصف الليل تقريبا، سألت الفندق عن طبيب أو مستشفى قريب، قيل إن هناك مستشفى حكوميا، فطلبت تاكسي وحاولت التفاهم معه بأي طريقة، لكنه لم يفهم، عرضت عليه الموقع في خرائط جوجل وترجمت له بالتطبيق، وبالكاد فهمني، ركبنا معه إلى مبنى ضخم لا تدري أنت في أوله أم آخره، أنت أمامه أم خلفه، قلت له: أين الطوارئ؟ ونحن في حال صعبة، لم يفهمني، استخدمنا تطبيق ترجمة مرة أخرى، لكنه لم يفهم، أو لم يكن يريد أن يفهم، وأجبرنا على النزول، خرجنا لا نعرف أين نحن، ومشينا على طول طريق شبه مظلم، نبحث عن بوابة المبنى، وأخيرا استسلمنا، فلم نجد بوابة، وكأن المبنى مغلق أصلا، لعل هذا هو سبب تصنع السائق عدم الفهم.

تضاعفت الآلام مع تزايد الإرهاق، وغدًا السفر، وأنا وابنتي في حال يرثى لها، والسائق الذي أعرفه لا يرد ولا توجد سيارات في هذا المكان المخيف وسط إسطنبول.

استعنا بالله ثم بتطبيق خرائط جوجل لأقرب شارع رئيسي حتى وجدنا تاكسي، وعدنا إلى المربع الأول، نشرح له أننا مرضى ونحتاج مستشفى، ولو كان خاصا، نعم فلدي تأمين! وافق أحدهم أخيرا، وذهبنا لأقرب مستشفى أو هكذا بدا لنا. وجدنا موظفة في الاستقبال لا تكاد تحسن قولا، لا تتحدث الإنجليزية ولا لغة نفهمها، حاولت ابنتي ببعض التركية فلم تفهم، استخدمنا تطبيق الترجمة وبعد أكثر من ربع ساعة فهمت، فنادت الطبيب، وتحدثت معه طويلا باللغة التركية، فهو أيضا لا يحسن غير التركية، ترجمنا له باستخدام التطبيق، وفهم، لكنه لم يفعل شيئا، عرفنا بعد جهد أنه لا يستطيع فعل شيء لأن المختبر مغلق، وطلب منا مغادرة المكان.

نعم، هكذا دون أي مهنية أو احترام للمريض وحقوقه، سألت عن مستشفى قريب قال: في الشارع الخلفي مستشفى خاص آخر، خرجنا نمشي في ليلة مظلمة، في شوارع إسطنبول المتعرجة، حيث نصعد للأعلى ثم نهبط في شارع يتلوى بنا يمينا ويسارا، ونحن في غاية الإنهاك، وكنت أريد العودة إلى الفندق رغم الآلام، ولمت نفسي أني خرجت منه أصلا، لأنه أفضل من شوارع إسطنبول.

وصلنا أخيرا إلى المستشفى الذي يبدو أنه بشراكة أمريكية، وفعلا كان الحديث مع الاستقبال باللغة الإنجليزية، لكن الدكتور لم يتحدث إلا التركية، وبعد أن وافق الدكتور على استقبالنا، طلبت موظفة الاستقبال جوازات السفر، كان عندي الصور فقط، فرفضت، فلا بد من الأصل، أظهرت نسخة إلكترونية، فرفضت، وطلبت الورقية، حاولت جهدي إقناعها بأن ندخل للعلاج ثم أتصل بالفندق لإرسالها، فرفضت، وأصرت بكبر واضح أن آتي بها، حاول معها الطبيب فرفضت. قررت أن أذهب لمستشفى آخر فلم تهتم، لذا خرجت وكلي حنق زادني ألما، لكن هذه المرة وجدت تاكسي بسرعة، وطلبت منه باستخدام التطبيق أن أذهب إلى أي مستشفى على طول إسطنبول وعرضها وسأدفع له ما يريد، وفعلا وصلنا أخيرا إلى مستشفى مميز، وفعلا تمت معالجتنا، وبدون أي حاجة إلى التحاليل والأشعة، وبدون مختبرات. قال الدكتور "إن هذا فيروس منتشر في إسطنبول، وكل من يأتي إليها يتعرض له في العادة"، دفعت أقل من ألف ريال، وطلبت تقريرا بالإنجليزي فرفضوا إلا أن يكون بالتركية.

ثم لما عدت إلى السعودية وأرسلت طلب التعويض، أجابوني في شركة التأمين الشهيرة بأنه لا بد من طلب الموافقة ليتم قبول التأمين، وأن أرسل التقارير بالإنجليزية لهم من المستشفى قبل العلاج، قلت والتأمين والفاتورة التي معي في حدود الألف، لكن بعد مفاوضات عرفت أنه لن يتم تعويضي لأني لم أقرأ الاتفاقية التي لا يمكن قراءتها ولا تطبيق شروطها.

هكذا ببساطة كانت قصتي مع التأمين الطبي عند السفر، لا أعرف وأنا في دهاليز إسطنبول أعاني تكبر أطبائها ولؤم سائقي التاكسي، وأبحث عن مستشفى في ليلة مضنية كيف كان علي أن أحصل على تقرير بالإنجليزية قبل العلاج لقبول التأمين حتى يتم علاجي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي