هل يرجح ترمب كفة سباق الذكاء الاصطناعي لمصلحة الصين؟

ربما وصلت حرب التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة والصين إلى طريق مسدود، لكن المنافسة بينهما على التفوق التكنولوجي تتحول الآن نحو مستوى أعلى من الـحِـدّة بينما تتصارع الدولتان على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي ــ ومكاسب الإنتاجية والمكاسب الجيوسياسية التي ستصاحبها ــ يلوح في الأفق سؤال واحد: هل تلحق قدرات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي بقدرات الولايات المتحدة ــ بل وتتفوق عليها؟
يدفع هذا الاتجاه سلسلة من السياسات التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. تمثل رئاسة ترمب خروجا دراماتيكيا عن الالتزام بالانفتاح الذي عزز ريادة أمريكا التكنولوجية لعقود من الزمن، وقد ترتد التدابير التي تهدف إلى إعادة الإبداع إلى الولايات المتحدة في الاتجاه المعاكس، وقد تنتهي بها الحال إلى تمهيد الطريق للهيمنة الصينية.
ربما يوفر تطور الاقتصاد الرقمي بعض الأفكار والبصائر حول كيفية سير سباق الذكاء الاصطناعي اليوم في أعقاب سياسات ترمب. في تسعينيات القرن الماضي، قادت الولايات المتحدة ثورة الإنترنت، وهيمنت على مرحلة "صفر إلى واحد" المحورية من خلال نقل الإبداعات بسرعة من المختبر إلى السوق.
المرحلة الثانية كانت التوطين والتحسين. مع نضوج النظام البيئي الرقمي في الصين بين عامي 2005 و2015، بدأت شركات التكنولوجيا الصينية تستفيد من فهمها العميق للمستخدمين المحليين وظروف السوق لضبط خدماتها.
تميزت المرحلة الثالثة بالابتكارات الخارقة. على مدى العقد الماضي، تحولت شركات التكنولوجيا الصينية من التقليد إلى الإبداع، حيث ابتكرت نماذج رقمية جديدة وتفوقت على المنافسين الأجانب. والمثال الأكثر نجاحا على نحو لافت للنظر تطبيق TikTok من شركة ByteDance، الذي وضع الصين في طليعة الثقافة على الإنترنت، وأعاد تشكيل وسائط التواصل الاجتماعي، وأجبر الشركات الأمريكية مثل Meta على محاولة اللحاق بالركب.
وكان إطلاق برنامج DeepSeek في يناير إشارة إلى دخول الصين مرحلة التوطين والتحسين، حيث كان نموذج R1 الذي أطلقته الشركة أرخص في الاستخدام بنحو 30 إلى 50 مرة من نموذج OpenAI. وبحلول فبراير، تقلصت فجوة الأداء بين أفضل النماذج الصينية والأمريكية إلى 1.7%، بعد أن كانت 9.3% في 2024. وبينما استغرق الأمر شهرين من ChatGPT للوصول إلى 100 مليون مستخدم نشط، وصل DeepSeek إلى هذا الإنجاز في 7 أيام فقط.
في ظل أكثر من مليار مستخدم للإنترنت وقاعدة صناعية متنوعة، توفر الصين أيضا ظروفا لا مثيل لها، لنشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي واختبارها وتحسينها. تستحوذ الصين على نحو 30% من ناتج التصنيع العالمي، وتنتج كميات هائلة من البيانات.
وتزداد مكانة أمريكا ضعفا في سباق الذكاء الاصطناعي بفعل تخفيضات ترمب، لتمويل الأبحاث والقيود المفروضة على الهجرة. في فبراير على سبيل المثال، سرّحت إدارة ترمب 170 موظفا، منهم خبراء في الذكاء الاصطناعي، في مؤسسة العلوم الوطنية واقترحت خفض ميزانية الوكالة بأكثر من 50%.
تهدد هذه التخفيضات ــ إلى جانب تأخر تخصيص تمويل المعاهد الوطنية للصحة وتجميد نحو 2.2 مليار دولار من المنح الفيدرالية لجامعة هارفارد ــ بتعطيل الأبحاث التأسيسية وإعاقة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. من ناحية أخرى، من المحتمل أن تؤدي سياسات الهجرة التقييدية إلى زيادة صعوبة اجتذاب الولايات المتحدة للمواهب العالمية والاحتفاظ بها، وقد يؤدي هذا إلى هجرة عكسية للأدمغة مع عودة عمال التكنولوجيا الصينيين المهرة إلى بلادهم لتولي وظائف مُـجزية الأجر في قطاع متنام.
في حين دعمت إدارة ترمب مبادرات ضخمة في تشييد البنية الأساسية مثل Stargate ــ وهو مركز بيانات مقترح بقيمة 500 مليار دولار، الذي سَـيُـبنى بواسطة OpenAI وOracle وSoftBank ــ فإن مثل هذه المشاريع تهدد بتعزيز هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى وخنق الإبداع اللازم لتحقيق اختراقات تكنولوجية تحويلية.
لا شك أن الصين تواجه تحديات داخلية تخصها، والتي تتفاقم بِـفِـعل القيود التجارية الأمريكية التي حدت من قدرتها على الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة. وعلى الصعيد المحلي، يجب على صناع السياسات الصينيين إيجاد توازن دقيق بين تشجيع الابتكار وفرض ضوابط صارمة على البيانات. ولكن بينما لا يملك أي من الطرفين طريقا سهلا نحو هيمنة الذكاء الاصطناعي، فإن أجندة ترمب "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" قد تساعد عن غير قصد على جعل الصين عظيمة مرة أخرى.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي