جود السوق ولا جود البضاعة

هذا المثل الشعبي كان يستخدم قديما في الأسواق التجارية، وامتد استخدامه بمفهومه الحالي ليصل للأسواق المالية (الأسهم) فكما يقال "جود السوق ولا جود البضاعة"، وقد تحول لمصطلح بين أوساط المتداولين في السوق المحلية، والمقصود أنه عند تراجع السوق المحلية بمؤشرها العام يتسبب في عزوف المتداولين عن المخاطرة حتى عند وجود فرص مناسبة من الناحية المالية أو متوافقة لإستراتيجياتهم الاستثمارية.
فبعد تراجع المؤشر العام للسوق السعودية خلال مايو الجاري بنسبة تجاوزت 6.5% منخفضا بأكثر من 700 نقطة، وكسره لمنطقة 11 ألف التي تعد مستوى دعم فني ونفسي في الوقت ذاته، شهدت السوق خلال الأسبوع الجاري حدثين مهمين، الأول: تأجيل طرح اكتتاب الأفراد في الشركة الطبية التخصّصية، حيث أعلنت ذلك شركة الأهلي المالية بصفتها مدير الاكتتاب والمستشار المالي ومدير سجل الاكتتاب ومتعهد التغطية، مع المجموعة المالية هيرميس السعودية، وكانت فترة اكتتاب الأفراد قبل التأجيل، تبدأ يوم الأربعاء 28 مايو 2025 ولمدة يومين.
بينما كان الحدث الثاني: عند تداول سهم المتحدة لصناعات الكرتون في السوق الرئيسية، في أول يوم له دون سعر الاكتتاب، حيث أغلق السهم عند 49.25 بينما كان سعر الاكتتاب عند 50 ريالاً للسهم!
وبغض النظر عن الأسباب التي دعت إلى تأجيل اكتتاب الأول وكسر الثاني لسعر اكتتابه، فإن أوساط المتداولين تفسر ذلك بالمثل الشعبي الذي تحول إلى مصطلح مالي يتردد كثيرا عند التراجعات، وهو "جود السوق ولا جود البضاعة"، بمعنى أن تراجع المؤشر العام والسوق كله يؤثر حتى في الشركات الجديدة سواء كطرح للاكتتاب أو التداول.
ولعل كثير من الأزمات يؤكد واقعها تأثير هذه المقولة أو المصطلح إن صح التعبير، وربما رغم اختلاف العبارات بين المجتمعات في الأسواق المالية فإن مفهومها يعد متقاربا، لذلك نشأ مصطلح "الأزمات تصنع الثروات" لأنه خلال الأزمات التي تعصف بالأسواق بين حين وآخر، تتراجع شهية المخاطرة ويلجأ المستثمرون إلى الاحتفاظ بالسيولة، وتغلب مشاعر الخوف والتردد على رغبة اقتناص الفرص، ما يفسر تأثير حركة الأسواق السلبية خلال موجات الهبوط على المتداولين ويتسبب في عزوفهم عن الدخول، رغم تعدد الفرص، وربما وجود شركات كثيرة تم تسعيرها بأقل من سعرها العادل بسبب تأثير الأزمة!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تراجعت شركة سابك خلال الأزمة العالمية إلى ما دون قيمتها الدفترية، حيث وصل سعرها خلال مارس 2009 إلى 33.60 ريال بينما كانت قيمتها الدفترية آنذاك أعلى من ذلك، فيما ارتفع سعرها لأكثر من 200% خلال عام واحد متجاوزا 100 ريال في مارس للعام الذي يليه 2010، والأمثلة في هذا الباب كثيرة، وكلها تصب في في مصلحة المثل الذي يشير إليه عنوان المقال.
لذلك من غير المستغرب خلال تراجع الأسواق العالمية أو السوق المحلية أن تشهد الأسواق تأجيلا لعمليات الطرح أو كسرا لأسعار الاكتتاب، أو حتى للقيم الدفترية وغيرها، وليس شرطا أن يكون الخلل من تلك الشركات، لأن المستثمرين في العموم يهتمون لوضع السوق العام، بل تدفعهم التراجعات لتجاهل الفرص وخشية استغلالها، بالوقت ذاته يبرز خلال تلك الفترات (الأزمات) من يبحثون عن الفرص الحقيقية، ويملكون النفس الطويل لجني ثمار استثماراتهم في تلك الأوقات، مستفيدين من خصومات الأسعار التي تقدمها التصحيحات، ومتجاهلين الحركة العامة لمؤشرات الأسواق، رغم ذلك تعكس المقولة بعنوان المقال حال شريحة كبيرة من المتداولين في الأسواق المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي