لماذا يمثل التباطؤ العالمي فرصة للسعودية؟
يشهد القطاع الصناعي العالمي إعادة هيكلة شاملة. فقد تأثرت الصناعات المختلفة بمجموعة من الصدمات القوية في السنوات الأخيرة، بداية من أزمة كورونا مرورًا إلى التوترات الجيوسياسية وتعطل سلاسل التوريد، وصولًا إلى ارتفاع أسعار الطاقة وضغوط سياسات المناخ. وقد كشفت هذه الصدمات عن نقاط ضعف هيكلية بالنسبة للقوى الصناعية الرئيسية وألقت بمزيد من الشك وعدم اليقين على نماذج الإنتاج الصناعي التقليدية القائمة منذ عقود.
ولكن بالنسبة إلى السعودية، فإن هذه الاضطرابات العالمية تمثل فرصة واضحة لتنمية قطاعها الصناعي. ليس فقط بهدف سد الثغرات التي خلفتها الاقتصادات المتعثرة مع انكماش القطاع الصناعي، ولكن لتوفير نموذج جديد يستهدف بناء إستراتيجية صناعية تناسب تطورات القرن الحادي والعشرين، وتنعكس بالإيجاب على أسواق العمل وتنويع الصادرات وتعزيز مستويات الدخول.
فتاريخيًا استمدت السعودية قوتها الاقتصادية من قطاع الطاقة وبالأخص النفط، باعتباره المصدر الأساسي للإيرادات والمسهم الأكبر في الصادرات.
ومع إطلاق رؤية 2030 الهادفة إلى تحقيق التنويع الاقتصادي، التي تستهدف بالأساس إنشاء قاعدة صناعية ذات قيمة مضافة مرتفعة وتسهم في توفير مزيد من فرص العمل، وتدعم التجارة، وتحول الإمكانات الطبيعية إلى مرونة اقتصادية طويلة الأمد. وليس الاعتماد فقط على قطاعات مثل الخدمات أو السياحة أو الخدمات المالية.
ويعيش العالم مرحلة تتسم بإعادة رسم خريطة التصنيع. حيث تدفع التكاليف المرتفعة وتصاعد التقلبات التجارية وزيادة الحمائية بين أهم الاقتصادات، الشركات إلى إعادة النظر في سلاسل التوريد العالمية. وتواجه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة ضغوطًا للتخلص من الكربون، وتشهد في الوقت نفسه عوائق تجعلها تفتقر إلى البنية التحتية والدعم المالي والسياسي اللازمين لتحقيق ذلك الهدف بتكلفة مناسبة. وهنا تكمن الميزة التنافسية لاقتصاد السعودية.
وبفضل توافر مميزات مثل إمكانية الوصول إلى الطاقة النظيفة بأسعار تنافسية، والقوى العاملة الشابة والمتنامية، والبنية التحتية المتطورة، والسوق الاستهلاكية الكبيرة. فيمكن للسعودية أن تعزز مكانتها كوجهة رائدة للتصنيع المتطور والمتوافق مع متطلبات الأهداف المناخية وتحول الطاقة.
لا تقتصر استفادة السعودية فقط من التباطؤ العالمي على عمليات التجميع الصناعي منخفضة القيمة فقط. ولكن يمتد إلى قطاعات مهمة مثل الكيماويات الخضراء، ومكونات السيارات الكهربائية، والمعادن النادرة، والمعدات الصناعية. وتسهم تلك المجالات في تعزيز القيمة المضافة الحقيقية للموارد الطبيعية التي تملكها السعودية.
ولتحقيق أفضل استفادة من هذه الفرصة فإن المملكة تحتاج إلى تطوير مستمر وانفتاح في بيئة الأعمال الخاصة بها. إضافة إلى بناء إستراتيجية صناعية وطنية واضحة وهادفة، تقوم على جذب الشركاء المناسبين لقيادة ثورة التصنيع، وتعطي الأولوية لنقل التكنولوجيا ودعم مهارات الكوادر المحلية، لتكون متوافقة مع اتجاهات الطلب العالمي خاصة في الأسواق الناشئة.
تملك السعودية فرصة لبناء نموذج صناعي ملائم لخطط التنمية والتنويع الاقتصادي لرؤية 2030. قطاع صناعي يتمتع بالكفاءة في استهلاك الطاقة، وفعال، ومتكامل مع الأسواق العالمية. بدلًا من التركيز على تكرار نماذج التصنيع منخفضة التكلفة السابقة.
ختامًا تمر الصناعة بمرحلة صعبة لم تشهدها منذ عقود وذلك في ظل ضغوط اقتصادية وسياسات عالمية تحد من نموها وتأثر في إنتاجياتها. وفي المستقبل القريب يبدو أن الوضع سيزداد صعوبة مع الضغوط الناشئة عن التحول المناخي، واتساع حدة التنافس العالمي وما يتبعها من إغلاق للأسواق، والقيود على حركة التجارة. لكن بالنسبة إلى السعودية، ربما تكون اللحظة المناسبة للتحول من قوة عظمى في مجال الطاقة إلى مبتكر مهم في شتى القطاعات الصناعية المهمة ومسهم رئيسي في حركة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.