من الخاسر ومن الرابح في حرب الرسوم الجمركية ؟

لم يمض شهران على تسلم الرئيس دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة وإذا بسردية "الرسوم الجمركية" تصبح طاغية في الخطاب السياسي وتسري شرايين تأثيرها، سلبا أم إيجابا، في ثنايا الاقتصاد العالمي وتترنح من جرائها دول عظمى.

أفضل تقريب للرسوم الجمركية لذهن القارئ هو أنها تشبه كثيرا الضريبة، وأقرب ضريبة مفهوما إليها هي ضريبة القيمة المضافة. الفرق بينهما هو أن ضريبة القيمة المضافة عمومية تشمل المبيعات داخل البلد، وأن تأثيرها يبقى محدودا ضمن إطار الدولة التي تفرضها، بينما الرسوم الجمركية لها تبعات عابرة للحدود لأنها تستهدف سلعا محددة يتم تورديها للبلد من دول محددة.

وفي الحالتين فإن الذي يدفع الضريبة هم مواطنو البلد. في حالة ضريبة القيمة المضافة يدفع مثلا المتبضعون (في الغالب من المواطنين داخل البلد) نسبة محددة على السعر الأصلي للبضاعة والإيراد يدخل في ميزانية الدولة. في حالة الرسوم الجمركية، يدفع المستوردون الضريبة على سلع محددة من دول محددة وأيضا تدخل التعريفة الجمركية خزينة الدولة.

وكما أن ضريبة القيمة المضافة تضاف إلى سعر السلعة ويدفعها المتبضعون، كذلك فإن التعريفة الجمركية يضيفها المستورد على السلعة التي يستوردها وفي النهاية تضاف إلى سعر البضاعة المستوردة.

ولكن هناك بعدا اقتصاديا كبيرا للتعريفة الجمركية التي في الغالب تعد صاعا ضد سلعة محددة أو بلد معين ما يتطلب رد الصاع. وهذا ما نلاحظه حيث ما أن تفرض الولايات المتحدة تعريفة بنسبة مئوية محددة على سلعة صينية مثلا حتى يكون هناك إجراء مقابل من الصين.

حسب ما أقرأ، فإن الرئيس ترمب له 3 أهداف محددة من فرض الرسوم الجمركية وبهذا النطاق الكاسح، لا بل فإن إدارته جعلت من التعريفة سلاحا يعبر نطاقه الاقتصادي صوب السياسي وحتى العسكري. في الحقيقة إنه سلاح ماض فعال في يد الإدارة الأمريكية التي يبدو أنها ماضية في استخدامه وعلى نطاق واسع دون اكتراث لتبعاته.

الهدف الأول: يتمثل في إقناع الشركات الأمريكية التي غادرت موطنها الأصلي سعيا وراء أجور منخفضة وأسواق جديدة بالعودة إلى أمريكا، وبهذا يبدو أن المستهدف الأول هو الصين؟

الهدف الثاني: يتمثل في الأمل الذي يراود الإدارة الأمريكية أن الرسوم ستؤدي في النهاية إلى زيادة ملحوظة في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ما يزيد تعزيز مكانتها كأكبر وأول اقتصاد في العالم.

الهدف الثالث: إعادة المكانة لقطاعات صناعية مهمة وكبيرة ومؤثرة كان للولايات المتحدة قصب السبق فيها ولكنها خسرته كنتيجة مباشر لغرق أسواقها بمنتجات رخيصة الثمن وعالية الجودة ما أدى إلى انهيار الصناعة الوطنية فيها، وأفضل مثال هنا هي صناعة الألمنيوم، حيث جاءت التعريفة عمومية وكونية المنحى ولم تستهدف دولة بالذات بل أي استيراد للسلعة ومن أي بقعة في العالم.

لن يكون بمقدور مقال سقفه نحو 500 كلمة أن يسلط ضوءا كافيا على سياسة التعريفة الجمركية التي يبدو أن ترمب مصمم على المضي بها إلى النهاية غير مكترث لما قد تسببه من عواقب حتى لأقرب حلفاء الولايات المتحدة مثل كندا أو دول أوروبا الغربية أو غيرها.

قد نحتاج إلى أكثر من مقال لمنح الموضوع حقه، ولكن بقي لدينا نقطة أساسية يجب ذكرها قبل توديع القراء الكرام لهذا الأسبوع على أمل اللقاء بهم في الأسبوع القادم مسلطين مزيدا من الضوء على الموضوع المهم هذا.

النقطة هي أن فرض التعريفة الجمركية يحد من سيل توريد البضاعة المستهدفة إلى السوق الأمريكية وذلك لارتفاع سعرها، وارتفاع السعر في الغالب يؤدي إلى عزوف الناس عن الشراء. وإن كان للسلعة دور في العملية الإنتاجية والصناعية فهذا يؤدي إلى زيادة سعر المنتج المحلي الذي يعتمد على السلعة المستوردة.

ولكن لماذا يهتم الناس بالسوق الأمريكية؟ لأنها سوق ذهبية لسعتها أولا وربحيتها ثانيا. قد لا يكون القارئ الكريم على إطلاع، ولكن آخر إحصاء تحت يدي لقيمة البضائع التي استوردتها الولايات المتحدة لشهر واحد وهو ديسمبر لعام 2024 بلغت نحو365 بليون دولار وهي في ازدياد.

وبعملية حسابية بسيطة، نحن أمام سوق استيراد ضخم وهائل ومهول تبلغ قيمته السنوية 4.390 ترليون دولار – إن أخذنا حجم وقيمة الاستيراد في ديسمبر العام الماضي كمقياس. ألا يسيل هذا الرقم لعاب إي مصدر في العالم؟           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي